السياسي الذي لا يعرف مواعيد نوم أبنائه لا يجب أن نثق به، والسياسي الذي لا يقبل نقد الآخرين وملاحظاتهم وينفعل بسبب ردود أفعال متابعين له على فيسبوك يجب أن يثير شكنا.
سألني ابني البالغ من العمر 11 عاما منذ أيام عن الحزب الذي سأصوت له في الانتخابات البرلمانية الهولندية. حمى الانتخابات على أشدها، والسباق باتجاه كرسي الوزارة ومقاعد البرلمان حامي الوطيس هذه الأيام. قلت “لا أعرف”، وأضفت بشيء من اللامبالاة أنني ربما لن أصوت هذا العام. فوجئت به يرد بانفعال وحماس لافتين أنني مطالبة بالتصويت هذا العام أكثر من أي وقت مضى، وأنني إن لم أفعل تركت المجال مفتوحا أمام اليمين المتطرف ليفوز بأغلبية المقاعد.
يحدث أن أتكلم في السياسة مع ابني، رغم أنها ليست موضوعي المفضل، إذا استجد ما يستوجب ذلك، مثل الأزمة الدبلوماسية التركية الهولندية، أو موضوع اللاجئين وتبعاته السياسية والاقتصادية على الدول الأوروبية، لكنها بالتأكيد المرة الأولى التي يبدي فيها ابني رأيا واضحا في موضوع مهم وحساس كهذا، بل ويعبر عن فهم لما يسمى بالانتخاب الاستراتيجي الذي لا يقصد به إنجاح حزب بعينه بقدر ما هو اتفاق جماعي على إفشال حزب آخر.
عندما سألته عن سر الاهتمام بالانتخابات هذا العام، قال إنهم يناقشون الموضوع بشكل يومي في الفصل، وإن نشرة أخبار الطفل، وهي تجربة هولندية فريدة لاقت نجاحا منقطع النظير داخل وخارج هولندا، خصصت وقتا إضافيا لموضوع الانتخابات.
في واحدة من حلقاتها، استضافت نشرة أخبار الطفل، رؤساء الأحزاب الستة المتنافسين على مقاعد البرلمان، وطلبت من الأطفال الموجودين في الأستوديو أن يطرحوا أسئلتهم عليهم. تراوحت الأسئلة بين من هو أشهر “دي دجي” في العالم؟ إلى ما هي لعبتك الإلكترونية المفضلة؟ كيف تصنع البانكيك؟ من هو صديق المغنية العالمية بيونسي؟ ماذا تحب في البنات؟ ماذا تفعل مع أبنائك في وقت الفراغ؟ هل يتابع أبناؤك حملتك الانتخابية، ما هو ردك على التهكمات والشتائم التي تطالك على السوشيال ميديا؟ ما هي اللعبة الأشهر في عالم الإلكترونيات؟ وغيرها من الأسئلة التي تشغل عالم الأطفال وتحظى باهتمامهم.
شاهدت، مع ابني، الحلقة التي قدمت على شكل لعبة تنافس فيها السياسيون بقوة فجاءت مسلية، وأظهرت جانبا مخفيا من هؤلاء السياسيين لا يقل أهمية عن أفكارهم وبرامجهم السياسية، ويجب أن أعترف أنني بعد تلك الحلقة المخصصة للأطفال، خرجت بفكرة أوضح عن الأحزاب وتوجهاتها واختلافاتها، ونقاط قوتها ونقاط ضعفها، واستطعت أن أتلمس الحس الإنساني في بعضها، والتوجه الشوفيني المتعصب في بعضها الآخر.
فالسياسي الذي لا يعرف مواعيد نوم أبنائه لا يجب أن نثق به، والسياسي الذي لا يقبل نقد الآخرين وملاحظاتهم وينفعل بسبب ردود أفعال متابعين له على فيسبوك يجب أن يثير شكنا، والسياسي الذي يريد أن يكون للبلد مفتاح مثل ذلك الذي للبيوت يجب أن يكون محل ريبة، على عكس السياسي الذي يطلب من زملائه تغيير مواعيد الاجتماعات ليتمكن من العودة إلى البيت قبل أن ينام الأطفال ويطبع على جبينهم قبلة، أو الذي أحب فتاة لأجل لكنتها الجنوبية الناعمة، أو الذي أصر على مواصلة تدريس التلاميذ بعد أن أصبح رئيس وزراء، فهؤلاء يجب أن يحظوا باحترامنا، قبل أصواتنا.
هل السياسة بهذه البساطة؟ نعم، هي بهذه البساطة وأكثر، من دون وعود كثيرة لا تنفذ، من دون تعقيدات وتقاطعات لا تؤدي إلى شيء. السياسة التي لا تلبي اهتمامات ورغبات وطموحات جيل المستقبل وتنطق بفمه وتفكر بعقله، سياسة لا يرجى منها الكثير، باختصار شديد.
كان ابني قد أخبرني منذ فترة، أن معلمته توخت طريقة لطيفة لتعلمهم بحملها، إذ طلبت منهم أن يشطبوا كلمات من جدول أعدته لهم على طريقة لعبة كلمة السر الشهيرة، لتبقى في النهاية جملة واحدة “آنستي حامل بطفل” وكلفتهم بالبحث معها عن اسم للطفل، فقلت “أفكر أن أصوت للحزب الذي قال إنه يرغب في أن يوفر جوا ممتعا في الفصل، واهتماما عادلا للجميع، الأذكياء من التلاميذ والأقل حظا من الذكاء”. فما رأيك؟
نقلا عن العرب