السياسة . تعرف أكاديميا علم إدارة الدولة . وهي كما نراها بعد ستين عاما من المتابعة والبحث . أنها علم قيام وممارسة وانتهاء السلطة السياسية ، أما في مسألة القيام ، فإن السلطة تبدأ أما بالاسلوب الديمقراطي ، عن طريق التداول السلمي ، وأما تبدأ بثورة شعبية تطيح بالنظام القديم كما حصل في الثورة الشعبية الفرنسية عام ١٧٨٩, أو بانقلاب عسكري ، كانقلاب الجنرال بكر صدقي في العراق ابان الحكم الملكي عام ١٩٣٦. أما ممارسة السلطة ، فإنها تعني القدرة على تنفيذ القوانين بقصد تحقيق الأهداف العامة ، ولها عن طريق سلطة التشريع تغيير القوانين وفق التطور الالي للزمن والحاجات الاجتماعية ، وفيما يتعلق بانتهاء السلطة ، فإنها أما أن تنتهي بانتهاء مدة الولاية الدستورية وحسب نظام الدولة الدستوري ، أربعة سنوات خمسة سنوات ، أو سبعة في بعض الأنظمة السياسية ، أو تنتهي السلطة القائمةعن طريق ثورة شعبية بدأت بوادرها ومقدماتها في العراق في تشرين عام ٢٠١٩ ، أو بانقلاب عسكري وهو ليس غريبا علينا نحن بلد الانقلابات. أردنا بهذه المقدمة أن نقول إن السياسة ، هي حرفة وفقا للقانون ، وليست ترفا يتعاطاه كل من هب ودب مع الاعتذار ، ففي بلدان العالم الديمقراطي يتصدى لسياسة أما الشخص المستقل المعبأ بالثقافة السياسية ومن له شعبية تؤهله لمقعد برلماني ، أو عن طريق الأحزاب صانعة الرأي العام ومدرسة اعداد السياسي المعبأ هو الاخر بعلم الإدارة العامة وفن إدارة الدولة وفق مسلمات علم السياسة والنظم الدستورية،، ،
في بلدنا العراق وفي بحر القرن الاخير جرب العراقيون كل أشكال قيام السلطة ، وكل طرق إزالتها ، وكنا نأمل بعد العام ٢٠٠٣ أن يستقر النظام الدستوري وان يفهم السياسيون أن العمل السياسي هو ليس للانتحار والتدمير ، إنما للبناء والتغيير ، وان العمل السياسي هو ليس متعة يتعاطا الشبعان من سرقة المال العام ، وانما واجب براتب من المال العام ، وأخيرا أن السياسة هي ليست كلام أجوف ومجموعة مصطلحات يتداولها المحترف والهاوي وكل يبكي على ليلاه ، مهاترات وتبادل للتهم بدأت مؤخرا تفضح المستور ، خاصة بعد أن صار تبادل تهم الفساد لا تقتصر على الأفراد وانما على الأحزاب والكتل بصيغة الجمع الفاعل والمتعاطي بالفساد .
ان ما يهز المراقب هو أن السياسي العراقي لا يتغير على الاقل وفق مسلمات وقواعد علم السياسة ، منها على سبيل المثال قاعدة ضحي بفائدة لك في الحاضر لفائدة اكبر في المستقبل ، أي كن مفاوضا لا معاركا عنيفا ، السياسي العراقي على كل الأصعدة نراه شمشون.، وقاعدة أخرى تقول ، إذا كانت المنطلقات خاطئة ، تكون النتائج خاطئة. منطلقات العملية السياسية العراقية كانت خاطئة كونها متأثرة بالتجربة اللبنانية ، فلا لبنان تقدم ولا العراق تطور وهما الان يشتركان بمحنة واحدة ومتشابهة تماما ( طريق سياسي مظلم ومسدود) على السياسي أن يتمسك بشعرة معاوية مع الناس ، أن شدوها ارخاها وان ارخوها شدها ، السياسي العراقي قطع شعرة معاوية مع الناس فسكن برجه العاجي في المنطقة الخضراء أو تعاطى مع قصور الحارثية والمنصور أو فلل الجادرية وترفها، وتناسى أنه ترعرع في مدينة الصدر أو الشعلة أو ناحية الدغارة أو قرية سراجق في ديالى ، وقاعدة أن لا يكون رضيع زق او زير نساء كما تعلمنا في درس تكون الشخصية السياسية في قسم العلوم السياسية في الستينات ، فسياسيونا صاروا أغنياء مقبلون على الزيجات المتعددة وعلى الليالي الحمراء لا بل صار البعض منهم يحمي المخدرات ويهرب مبيدات العقول . قد يقول قائل هذه مسائل خاصة وذات صفة شخصية بحتة ، نرد أنها نتيجة لكونهم في السلطة وتجاوزهم على المال العام ، فالكل الحاكم اليوم كان من المعوزين والفقراء . أردنا من كل ما قدمناه أن نعود إلى العنوان ونربط التفصيل بالمقدمة لنقول في النهاية ، إن العراق منذ مجلس الحكم الذي ،،كما قال بول بريمر، . أنه كان يعد نفسه للاجتماع الأول للمجلس بحضوره من أن الاعضاء سيشنون هجوما لاذعا عليه وعلى احتلال أمريكا لبلادهم ، وكان متهيبا من هذا الحضور لكنه فوجئ بأن ما توقعه لم يحصل وان بعض الاعضاء بدلا من ذلك قالوا لي وماذا عن رواتبنا ومخصصاتنا ، وعندها يقول بما معناه انتابتني حالة من الارسرخاء والراحة الجسدية ، أن مثل اؤلئك الأفراد لا يمكن أن يكونوا سياسيين ، لا بصفتهم السابقة ولا بقدراتهم أو مؤهلاتهم العلمية لأن يكونوا عند أعلى هرم في سلطة جمهورية العراق ، المعروف عن شعبها كما يقول الدكتور علي الوردي ، بأنه شعب مصاب بكثير من الأدواء ، وأنه لا يرضى على أي حكومة ، وان المواطن العراقي إذا هب عليه التراب في الشارع يشتم الحكومة ، كان على من تصدى للعمل السياسي أن يعرف إن العراق لايحكم بالديمقراطية المستعجلة ، ودستور أملاه المحتل ولشعب خرج توا من أتون الحروب وظلم دولة المنظمة. السرية ، وان السياسة فيه كان يمكن أن تأتي بثمارها في ظل حكومة التكنوقراط من الاخصاصيين الذين هم في العادة والغالب يكونوا من ممن لهم صفة نظافة اليد والعقل ، ومن لهم خبرات إدارية في دول المنفى. لا ممن لهم تبعية لدول المنفى الذين شكلوا نواة ومادة الحكم الجديد بعد العام ٢٠٠٣ . والذين تبوأ في كنفهم مقاليد الدولة من هم من حملة الشهادات المزورة أو الدرجات العلمية المحورة ، أو ممن حملة أعلى رتب في الجيش لدرجة حزبية او عنوان لداعية ، كما فعل النظام السابق حين سلط الجندي عضو الشعبة الحزبية على قرار قائد فرقة أو أمر كتيبة، أن الأمراض واحدة لم تعد تختلف باختلاف الأنظمة المتوالية على حكم العراق ، كل يأتي بذات الفعل الذي سبقه به الغير ، والمحصلة أن السياسة ( على عكس كل دول العالم الديمقراطي) في العراق لم تعد في كل العهود هي فن الممكن بل كانت ولا زالت فن للانتحار..