27 ديسمبر، 2024 11:49 م

السياسة بين الثوابت والمسلمات والمتغيرات

السياسة بين الثوابت والمسلمات والمتغيرات

قال الإمام علي (ع) لجنوده ما معناه .. اعبروا اليهم فوالله لن يبقى منهم عشرة ولن يقتل منكم عشرة .. سأله احد الجنود : هل تتنبأ يا امير المؤمنين .. اجاب : كلا انها الحرب والخبرة .. ولكننا اليوم في العراق نجد سياسيين وكتاب وإعلاميين منحو لأنفسهم حق التنبؤ وصاروا مشهورين لهذا السبب ، وهنا اريد توضيح انني لا اغتصب حقهم في التنبؤ وفق معطيات محددة شريطة ان لا يتخيلوا ان المعطيات هي معطيات اليوم او الشهر او السنة وهي ليست ثابتة فالسياسة اسميتها يوما علم المتغيرات ، وكنت اشدد في جامعة البكر على ان تحمل عناوين بحوث الطلبة جزءا لا بأس به عن المستقبل ، بل وكانت بحوثي في الندوات العلمية مثلا (مستقبل العلاقات العراقية الايرانية ) او (مستقبل العلاقات العراقية السورية) وكنت افتتح مثل هذه البحوث بالآية الكريمة (( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )) تلافيا للإحراج حينها .. وهذه الآية الكريمة تؤكد ان لا ثوابت في السياسة ، فالنبي المرسل وخاتم الأنبياء ختم بخاتمه الشريف وثيقة صلح الحديبية بتنازلات كبيرة مع كفار قريش ، ولولا ذلك لما وصلنا الإسلام .

خطاب الكتاب والاعلاميين المشار اليه في اعلاه كان ولا زال في الغالب يداعب نزوع الشعب العراقي الى الخلاص من ( التوافق، التوازن ، الشراكة ) فضلا عن الاستحقاقات (الدستورية) والتي هي غير دستورية بالمرة ، فيكتبون او يغردون كما يتمنون هم ويتمنى شعبهم فتنتشر بضاعتهم والتي هي قد تكون غير واقعية ، ولم احذوا حذوهم فكنت دائما أؤكد قوة النظام السياسي الحالي من خلال الفساد بتكريري عبارة ان الفساد هو عمود خيمة العملية السياسية بسقوطه تسقط الخيمة ولذلك متى ما تهدد الفساد فالكل ستحميه بشراسة لأنه مسألة حياة او موت . فضلا عن ان النظام السياسي محمي من لدن الدولة الاولى في العالم وحليفاتها.. الى حين ، والدولة الاولى في الاقليم ،ولا شك في ان تركيا تحميه ايضا لان من مصلحتها وجود عراق ثري وضعيف .

لكل حال لبوسها (متغيراتها ، مسلماتها ،استراتيجياتها ) ولا وجود للمسلمات المستدامة.. فمن كان يصدق ان اوروبا التي خسرت عشرات الملايين من القتلى في حروبها مع بعضها تتحول الى اتحاد وهم ينتمون الى (66) قومية ودين ومذهب ولغة .. بينما تقوم الدنيا عندما يزور السيد الصدر او السيد الكاظمي اي قطر عربي رغم ان كل شيء بيننا وبين الأمة العربية مشترك (اللغة. الثقافة. وحدة المصير. الكتاب الكريم. النبي. العترة الشريفة. الصحابة ) وليس كالاتحاد الاوربي او مجموعة الثمان او مجموعة العشرين ؟؟ ، ومن كان يصدق أن العراق سيجتاح الكويت عندما كان الاتحاد السوفييتي يسلم الراية الى الولايات المتحدة ،ويذكرني السؤال بحوار بين محلل عربي ومحلل (اسرائيلي) قال العربي حول توقع الاسرائيلي (ان ذلك غير ممكن الحصول ابدا ).. اجابه : في السياسة لا يوجد شيء غير ممكن ابدا ، فلو اني قلت لك ان الجيش العراقي سيقابل الكثير من الجيوش العربية في الميدان ، وعندما يطلق جيش العراق صواريخه على تل ابيب تصرخ الجيوش العربية بانتشاء كبير (الله اكبر) الا كنت ستقول لي ان ذلك غير ممكن ابدا؟؟ …. نسيت اسم المفكر الذي قال ما مضمونه انه في السياسة نتوقع كل شيء فقد نضع شيخا مسنا في المهد ونهزه ونضع الرضاعة في فمه

من المسلمات السائدة على سبيل المثال ان هناك حلف استراتيجي بين ايران و (اسرائيل) والولايات المتحدة !! تسأل كيف ذلك ؟؟ . تأتيك الاجابة انه حصل من زمن كورش . تسأل : وهل يمكن للحلفاء ان يتحاربوا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ؟؟ والإجابة (زعل الحبايب جذاب) .. تقول لهم ان ضربة (اسرائيل) لمفاعل نطنز كلفت ايران (10) مليار دولار.. يجيبوك (همة جيب واحد ) .. دائما مسلماتنا هي المسلمات التي تسير على هوانا ، بل ان احد الادلة على التحالف هو ان امريكا لم تضرب ايران لحد الآن . ويتوقعون ان ذلك لن يحصل (ابدا) وأنا ارى انه رغم ان ايران اليوم هي ليست ايران التي عرفناها فقد وظفت انهيار العراق لامتلاك التقانة العسكرية ووظفت سياسة اوباما للتوسع .. الا ان الصدام العسكري بينهما لا بد من حصوله ، وقد توقعت لكم قبل اقل من سنة ان (اسرائيل) سيكون لها دور كبير في دفع الولايات المتحدة نحو الحرب وفي اسنادها بشكل غير مسبوق ..

هل هذا رجم بالغيب ؟؟ هل هذا مستنبط من وجود موقف دولي معادي لأيران ؟؟ هل هو بسبب تقرير بلاس خارت؟؟ هل هو بسبب توقع عزم المجتمع الدولي على انهاء دور الاذرع الايرانية في العراق وغيرها ؟؟ هل هذا جاء استنادا الى معلومات السيد فائق الشيخ علي الذي احترمه بل انا معجب بشجاعته ووطنيته ومدنيته ؟؟؟

انها كل ذلك ، ولكن العامل الاساس برأيي المتواضع هو ان الدب الروسي الذي تنبأت منذ زمن بعودته من خلال المعطيات ومنها ان روسيا الاتحادية هي وريثة الاتحاد السوفييتي ولديها قدرات هائلة ، والصين التي كنت اقول عنها انها عملاق القرن القادم ، وأيران هم في حلف حقيقي يهدد المصالح الامريكية ويحقق القطبية الثلاثية (الصين ، امريكا ، روسيا ) .. وهنا نسأل : هل ستسلم امريكا موقعها بسهولة ؟؟ طبعا لا .. هل ستنتظر تكامل الحلف واستقراره ؟؟ طبعا لا . اذا لا بد ان تقوم بالتعرض ضد الحلف باستراتيجيته المبنية على (( سحق دولة عظمى ومشاغلة اخرى ، ولعل موقع ايران وامتداد اذرعها يشكل امتيازا لهذا التحالف يعززه انها مرشحة لعضوية النادي النووي ، فلا يعقل ان تتورط مع الصين او روسيا بل ستهاجم الاضعف في الحلف وستحمل (اسرائيل) عنها نصف العبيء او ثلاثة ارباعه ، ولا يستبعد انه ان احجمت امريكا لأي سبب فستقوم (اسرائيل) بتوجيه ضربات مدمرة للبرنامج النووي الايراني خصوصا وأنها امتلكت قدرا هائلا من المعلومات ، وهذا ما تعرفه ايران اكثر من غيرها .

علينا اخواتي واخوتي ان نؤمن بأصول التحليل العلمي للأفكار قبل ان نحولها الى مسلمات وعندما نحولها ونقتنع بها علينا ان نعي ان هذه المسلمات سرعان ما تضعفها المتغيرات في عالم متحول على نحو غريب وصادم ، وبالتالي هناك معطيات حقيقية وخصبة لتلك التوقعات التي بدأت بالسيد فائق الشيخ علي ولكن اذا بقى كل شيء على حاله اي ان تبقى الدولة العالمية العميقة مهيمنة ، وأن تبقى امريكا بقوتها ، وأن تستمر ايران بمشروعها القادم (توحيد الأمة الإسلامية) ومن خلاله تستمر في مد الأذرع المسلحة وخصوصا في المساحة الحمراء (الشرق الاوسط) واذا بقى النظام السياسي العراقي يفرز نفس الحكومات ، واذا استمر الفساد عارما ، والمحاصصة قاتلة ، ،والسلاح خارج اطار الدولة في حصن حصين ، .. اما اذا راجع الجميع مشاريعهم ونهجهم المعتمد وقاربوها مع البيئة الدولية والاقليمية ليتوصلوا الى الاجزاء المرفوضة دوليا واقليميا وشعبيا ولا تتوائم مع روح العصر ، واهتم كل بشعبه وبسيادته ونبذوا الإذعان الا لله فسيكون الأمر مختلفا تماما ، وسيعود العراق حرا قويا كريما ثريا نظيفا ، وتزول ثقافات المكونات وبيوت العنكبوت الشيعية والسنية ويعود لنا بيتنا جميعا بيتنا الاصلي الجميل (البيت العراقي) … رحم الله الشهيد أ. د عبداللطيف المياح الذي رفع بعد الاحتلال شعار (العراق الواحد بيتنا جميعا) فدفع الثمن اكثر من عشرة اطلاقات استقرت في جسمه جهارا نهارا .