23 ديسمبر، 2024 6:04 ص

السياسة المريضة ….وسياسة المرض

السياسة المريضة ….وسياسة المرض

الطاعون والجدري والسل والكوليرا أمراض فاتكة  إنتخت لنداء الارض بتقليل عديد نفوسهم بإعمال الموت فيهم ومناصرة حروبهم في القرون الوسطى ، لإعادة التوازن السكاني لكرتنا الارضية بقصد تقليل المليارات الاتية بغير إستئذان وخارج إمكانية عطاء الارض ، حققت تلك الامراض تفوقا ماحقا على طب تلك الازمنة  الغابرة ، ذاك زمان أصبح على ذمة  التاريخ … في قروننا المشرقة التي تلت الثورة الصناعية ، أحدثت المعارف الهابطة على الانسان تغييرا كبيرا في بنية الكون السكانية وطوت تطور مئة قرن لتختزله  بقرن أو أقل حيث شمخ العلم وألألة والطب ليبني عالما جديدا لايمت الى ماسبقه الا بالجينات التي تناقلها ألأباء ونقلوها الى الابناء لتتعمر حديقة الارض بسكان جدد ومساكن . …
في عصرنا المنظور زارتنا أمراض متعددة الكل يعرفها والكل لايعرف كيفية إجهاض عمل الفايروسات الاتية نتيجة ذكاء تطوري فيها لتعمل فينا قتلا وموتا وتقتيلا ، جنون البقر ، السارس ، فلاونزا الطيور ، فلاونزا الخنازير ، السيدا  ، أوشكت هذه الامراض على رفع الراية البيضاء وإعلان هزيمتها النكراء بعد أن حقق علماء الطب إنتصارا رائعا وصندقوا فايروساتها في صناديق حديدية لامجال لهروبها ، اردت من هذا التقديم مقاربة النجاحات الطبية ، وتحويلها الى نجاحات سياسية ، بالاسترشاد بالمتسلقين نجاحا ، سألت أحد الباحثين في علم الامراض عن أبحاثهم الفذة وأبحاث العلماء في بقية المعمورة ، وأوجز لي كلاما رائعا مفيدا ، قال : في البحث الطبي من هذا النوع لايلج فيه الا من حقق نجاحات سابقة ومتميزة تضيف للعلوم علوما جديدة  حيث أن المرض يحدث ضغطا ويوقع خسائر ولامجال لولوجه الا من العارفين المشهود لهم ، والثانية أنه لايمكن الكذب أو التهويل أو التقليل من خطورة الامر فالحقائق تطرح كاملة غير منقوصة والاخفاق في اية خطوة نتيجة عدم الدقة سينسف العمل برمته ، والثالثة البقاء على خط الغاية وعدم الانحراف عنها ، ورابعها التفاني في إحداث السبق وإختصار الزمن  في إيجاد المصل الشافي الذي يقتلع أو يحد من المرض ، وخامس الاهداف هو الهدف الانساني المجرد من النرجسية البحتة والمادية ، ادهشتني إجابة الباحث الجليل ، ووجدت أن من الانصاف مقاربتها ونقل مثل هذه الفعاليات البشرية ونقلها الى السياسة المتجردة من كل الفضائل في عراقنا على الاقل ، وقبل أن أسدي النصيحة الهجينة المتولدة من ملاقحة الطب والسياسة ، لابد من تعريف القارىء بخطوط السياسة العراقية التي أعقبت الاحتلال اللعين . تعرف السياسة على أنها فن الممكن ، ويعرفها السياسي العراقي قبل الانتخابات  بكل شيء ممكن وهو  قادر على التغيير وتجاوز الازمات التي إستحال حلها على من سبقه فيها ، وهو المنتظر الذي ننتظره ، والذي يرشقنا بالوعود مضمنا برنامجه تخضير الصحاري وإبطال البطالة وسجن الفقر وإطلاق حرية الفكر ،  ووأد الفوبيا المستشرية ، وإيصالنا بقوتنا الى إحتلال المريخ ،  ويخفي علينا أن السياسة تم تصميمها لإحلال الكذب محل الصدق والصيد في الماء العكر ذاكرا محاسنه الطلسمية التي لم يطلع عليها حتى عرافات الحي والاسراف في ذكر إخفاقات السابقين الذين ناءت البنوك بتجيير وتبييض أموالهم المنهوبة من قوت الفقير العراقي ، ومن هذا الفهم نرى أن السياسي برمته كيانا إنسانيا محددا بغاية الوصول الى النفعية الفردية بشكل تام ، ولو كانت له مؤهلات حقيقية لتمكن الجمهور من نكثها وسبر أغوارها ولحمل  رغما عنه الى كرسي السلطة نخوة وتكليفا وعرفا ، وبعد إجراء المقارنة السريعة بين البحث الطبي الذي يؤدي الى إيجاد دواء شافي لمرض هابط فتاك وبين السياسي وجدت أن الامور لاتستقيم ، لاختلاف الغاية إختلافا فلكيا ، فغاية السياسي هي تقلد المناصب والاستحواذ على المال العام والاثراء ضمن السنوات التشريعية المقررة والاقلاع الى بلاد الغربة مستفيدا من قول الحكيم الامام علي رضي الله عنه ( الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن ) ومن خلال الفهم لبنود وتعاليم الديمقراطية وجدت أن لقمة الديمقراطية كانت اكبر من القدرة على إبتلاعها من قبل الشعب ، وهي بحاجة الى تفتيتها الى قطع صغيرة وهضمها تباعا بالاستفادة من مرحلة طفولة الساسة وكهولة الشعب الأشمط  في غياب الحريات والتجريد للإرادة السائدة منذ عقود ، والتي صنعت نهجا لأجيال باتت تعرف نفسها بقولها (نحن شعب لاتفيد معنا إلا القوة ) ، من هذا وذاك إختلط حابل أمرنا بنابله ، إختلط اللين بالقوة ، والحرية ، بالقيود المقيدة لكل شيء ، وإذا سألني سائل طالبا مني رأيا أو حلا ، سأقترح على كل مرشح أن يوقع وثيقة قبل تقلده المنصب   بقدرته على إنجاز تعهداته اي أنه يتفهم المشكلة وله القدرة على الحل (أفهم وأقدر ) وذلك بمراجعة  أعماله كل ستة أشهر على الاكثر  أو مائة يوم ، ولايكون مرغوبا فيه إذا تخلت الكفاءة عنه وغيرمأسوفا عليه ، ولي مقترح أراه مضحكا لمن يتأمله ، وهو عدم صرف رواتب للسياسيين ، والبرلمانيين من اموال الدولة ، وسنرى أن المنافسة ستبقى محتدمة ، فالراتب لايكون الا إذن الجمل في حسابات الربح السياسية  في مرحلة  الطفولة للديمقراطية  العراقية .