18 نوفمبر، 2024 3:24 ص
Search
Close this search box.

السياسة العلوية مقدمات النهضة الحسينية

السياسة العلوية مقدمات النهضة الحسينية

مدخل البحث :
يمكننا القول : بان نهضة الامام الحسين بن علي (عليه السلام) ، مزيج  من سيف الامام علي بن ابي طالب وسياسة الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) ، حيث انه اذا لم يكن هناك ثبات في قواعد الدين الاسلامي ، واذا لم يكن اساس هذا الدين قد اقيم على قواعد محكمة مدعمة بقوة من الاستدلال والمنطق ، مصحوبة بالتضحيات والفداء واتخاذ المواقف الحازمة ، لما بقيت راية الاسلام ترفرف ، ولما بقى على وجه الخليقة من يدعي الاسلام ، حيث تواصلت تضحيات أهل البيت عليهم السلام من أجل ان تبقى راية الاسلام والمسلمين عالية ترفرف في سماء الحق.
تضحيات الصديقة الزهراء (عيها السلام) :
نرى انه من الضروري ان نبدأ بتضحيات الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي سيدة نساء العالمين ، وبنت النبوة ، وسيدة بيت الخلافة ، اذ جاء في خطبتها التي القتها على نساء المهاجرين والأنصار اللواتي جئن لعيادتها ((أما لعمري ، لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا ، وذعافا مبيدا ، هناك يخسر المبطلون ، ويعرف الثالون غب ما أسسه الأولون)) (1) ، وتشير الدلائل من الخطبة المباركة ان الزهراء (عليها السلام) ارادت ان تكشف عن زيف ادعاءات السلطة الحاكمة أنذاك ليسجل التاريخ حقيقة منع فدك الذي أسس لدولة الانحراف.
فهي المرأة المعصومة الوحيدة في الاسلام ، قد جلجل صوتها الحق مدويا في مسامع اتباعها بان الرياح العاتية والأمواج المتلاطمة وان كانت قوية اذا كانت على خلاف الحق حتما انها تنكسر أمام المقاومة ، لذا أوغل القوم بدارها المصائب ((احرقوا دارها)) (2) ، ومن ثم كسروا ضلعها وأسقطوا جنينها ومن ثم كانت نتيجة تضحياتها الشهادة ، حيث يرى الباحثون ان كل ذلك يراد به تثبيت مرتكزات الدين الاسلامي ، واذا كان خلاف ذلك فان سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قادر ان يرد على تلك الجرائم والأفعال الشريرة.
المبحث الأول
حديث الثقلين :  
البيعة في لغة العرب : الصفقة على ايجاب البيع ، وفي الاسلام أمارة على معاهدة المبايع له على أن يبذل له الطاعة في ما تقرر بينهما ، ولا تنعقد اذا لا تتوفر شروطها ، فانها لاتصح من صبي أو مجنون ، ولاتنعقد البيعة من مكره ولا تصح للمتجاهر بالمعصية ولا تصح للقيام بمعصية الله.
(يا أيها الناس ، اني تارك فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) حديث الثقلين  : وهو حديث متواتر مشهور ، صحيح ثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ورواه أئمة الحديث وكبار الحفاظ بطرق كثيرة متعددة عن مايقارب الــ (20) صحابيا ومنهم الامام أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة الزهراء صلوات الله عليهم اجمعين ، وأبو أيوب الانصاري وأبو ذر الغفاري وأبو رافع وجابر بن عبدالله الأنصاري وجبير بن مطعم وحذيفة بن أسيد الغفاري وحذيفة بن اليمامة وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن الزبير وعبدالرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وغيرهم  حث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على التمسك بهما واتباعهما وحذر من مخالفتها والتخلف عنهما ، وكرره في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عمره الشريف أربع مرات وهذا دليل على شدة اهتمامه به ، وصدر منه (صلى الله عليه آله وسلم) في أربعة مواقف لاثبات الخلافة من بعده :
1: يوم عرفة في حجة الوداع.
2: يوم غدير خم لما رجع من حجة الوداع.
3: في مسجده بالمدينة المنورة في آخر خطبة خطبها (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مريض.
4: على فراشه وهو في حجرته وقد امتلأت من أصحابه بعد ان اشتد به المرض.
ناهيك عن التطرق لتفاصيل بيعة غدير خم وهي متواترة ، حيث قال رسول الله (ان الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن) ثم أخذ بيد الامام علي فقال (من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ، وزد على ذلك نزول الآية القرآنية بحقه (انما وليكم الله ورسوله) ، وعند ذلك انشد حسان بن ثابت شاعر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأبيات التالية :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي                  وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي والمخبر ضائعا                  وما المدح في ذات الاله بضائع
وأنت الذي أعطيت اذ كنت راكعا              زكاة فدتك النفس يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيد                    ويا خير شار ثم يا خير بايع
فأنزل فيك  الله خير ولاية                       وبينها في محكمات الشرائع
استنتاج  
يستنتج الباحثون انه بنقض بيعة الغدير ، وعدم الالتزام بدستور الثقلين ، تم التأسيس لحكم فاسد وحكام طغاة يعيثون في الأرض الفساد ، وهو ما مهد لنهضة الامام الحسين (عليه السلام).
المبحث الثاني
سياسة الامام الحسن (عليه السلام):
سعى الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) للمحافظة على دين جده (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة ، والعمل ضمن سياسة فضح معاوية وكشف الحقيقة للناس من جهة أخرى ، وبين ان الامام هو خليفة رسول الله ، حيث اقدم على الصلح مع معاوية تحت شروط من أجل الحفاظ على مصلحة الاسلام وحقنا لدماء المسلمين ، وبهذه السياسة أبطل مخططات معاوية التي يراد بها السوء للأمة وجعلها تحت السيطرة وأيقاض الناس لما تخفيه من دسائس ، وفضحه من جهة أخرى ، وهذه مفاخر أهل البيت التي ترعب أعداء الحق دوما والى الأبد ، اذ قال الامام محمد الباقر (عليه السلام) : ((والله للذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت الشمس)) (3).
استنتاج 
يمكن ايجاز هدنة الامام الحسن بأنه وأخيه الحسين (عليهما السلام) كانا يسيران باتجاه واحد ويسعيان الى هدف واحد وهو محاربة الظلم والطغيان والنهضة ضد الباطل ، ولكن التخطيط الرباني والسياسة المحمدية تطلبت من الامام الحسن تهيئة المقدمات ، وأوجبت على الامام الحسين القيام بالنهضة والوقوف أمام الطغيان حتى الشهادة.
المبحث الثالث
نهضة الامام الحسين (عليه السلام):
الزمت الشريعة الاسلامية السلوك السياسي ، واقامته على أسس عقائدية وأخلاقية ، وجعلت للمواثيق والمعاهدات مكانة خاصة توجب الالتزام بها ، حيث قال الله تعالى :
((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) (4).
وقال :
((وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا)) (5).
ولقد كان أهل البيت (عليهم السلام) يمثلون قمة الطليعة في السياسة والتزاماتها الاخلاقية والقانونية ، فالسلوك السياسي في نظر الاسلام يقوم على اسس عبادية واخلاقية لايمكن تجاوزهما ، لذلك فان جماهير العراق الموالية للامام الحسين التي عانت من انحراف السلطة الأموية وبطشها حينما اتجهت الى الحسين بعد استشهاد الحسن (عليهما السلام) وبعثوا بالكتب والرسائل اليه يطلبون منه خلع معاوية والبيعة له ، رفض الاستجابة لانه يلتزم بوثيقة الهدنه التي وقعها الامام الحسن مع معاوية ولا يجوز نقضها (6).
وعمل معاوية على نقل السلطة الى ولده يزيد بكل ما أوتي من وسائل المال والدهاء وارهاب السلطة ، على الرغم من انه يشتهر بالزنى واحتساء الخمر وملاعبة القردة والكلاب أضافة لظلمه وجوره ، حيث رأى الامام الحسين ان وعد الله الموعود به للقيام بالنهضة ضد سلاطين الجور والفساد قد حان ليتوجه بالحق كله الى كربلاء المقدسة لمنازلة الباطل مسطر أروع ملاحم التضحية والبطولة التي دونها لما بقي دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
استنتاج
ان الامام المعصوم الحسين بن علي (عليه السلام) سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو قائد الأمة الاسلامية الفعلي ويعيش بمدينة جده وسط قاعدة كبيرة الحجم تعرف تأثيره الديني والسياسي والاجتماعي ، وما رسائل وكتب أهل العراق الا دليل على ذلك.
خلاصة البحث
ان الامام الحسين بن علي (عليه السلام) لم يقم بثورة كما يطلق عليها في الكثير من الكتب والبحوث وكذلك ارباب المقاتل وفي المحاضرات الحسينية ، لان من يقوم بثورة مظلوم والحسين لم يكن هكذا وانما كان قائد أمة كتب له الله تعالى القيام بنهضة تثبت دعائم الاسلام وتروي الفكر المحمدي من دمائه الطاهرة ودماء آل بيته وأصحابه لتنموا من جديد بعد ان حاول الحكم الأموي اقتلاعها من الجذور ، وما خطب جدته الزهراء ، وسيف أبيه علي بن أبي طالب ، وهدنة أخيه الحسن بن علي (عليهما السلام) الا تمهيد للوعد الألهي الذي جمعها الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف.

المصادر
(1) الاحتجاج / ج1 / ص109 
(2) تاريخ الطبري / ج2 / ص443 
(3) الكافي / ج8 / ص330 
(4) سورة المائدة /1   
(5) سورة الاسراء /34   
(6) الشيخ المفيد / الارشاد / ص200  

أحدث المقالات