يعرف الجميع النظرة الكارهة للسياسات السعودية الخارجية، ويعرف البعض أثرها الخبيث في أوطان عربية عديدة، ويرى الكثير أن لها علاقة كبيرة بتمويل الارهاب والجماعات المتطرفة، خصوصاً وان المملكة وحكومتها تتصف بالتطرف والتشدد، واتباعها اكثر المذاهب تشدداً، واتصافها بالسعي نحو المصالح بكافة المسائل، وقوتها ونفوذها في الوطن العربي، جعل لمواقفها صبغة طائفية إرهابية، وذاك واضح من خلال الخطابات والتدخلات والمهاترات، التي تقوم بها، ناهيك عن دعمها لتيارات اجرامية متطرفة عديدة في الوطن العربي وخارجه، حتى أعتاد عليها الجميع، فهي لم تتغير طوال السنين الماضية، واستمرت تلك السياسة طوال تحكم العائلة المالكة فيها، وتسببت بنظرة كارهة للشعب السعودي أيضاً، وصارت المملكة مصدراً للارهاب في العالم، كما يراها البعض، ومحلاً لإشاعة الكراهية والعداء!
وكل حادث مأساوي في بلد عربي ما، صار ينسب للسعودية يد فيه، سواءً كان ذاك فعلاً، ام لم يكن، كما ان سياستهم اتُصِفت باللامتزنة، وانعدام المنطقية فيها، وامتلاك رؤية رجعية لاتناسب الحداثة والزمان الحالي، ولولا قوتها، التي استمدتها من دعم الدول الغربية الكبرى لها، وبالاخص أميركا، ماكانت لتتمكن من الاستمرار بسياستها الساعية الى ضعف العرب، التي ترغب بها تلك الدول، واستمرت السعودية بنظرتها الاستعلائية على دول العرب الاخرى، ورؤيتها لنفسها على أنها الزعيمة للأمة، مستغلة الارض ذات التاريخ الاسلامي المهم والمفصلي في تاريخ ووجود الامة العربية، واستغلال القدرة المالية الكبيرة التي توفرت لها أيضاً نتيجة شعيرة إسلامية مهمة، والتي كانت من المفروض لاتتكفل تلك العائلة بادارتها، فكما رأينا أن هذه الادارة انعكست لتؤثر سلباً على مسلمين يسعون لاداء شعيرتهم، بسبب أسباب خلاف سياسية بين تلك الدولة، والعائلة المالكة، ناهيك عن اصرارها على منع اداء شعائر بعض المذاهب التي تختلف معها، وصلت الى حد التجاوز على ماهو مقدس عند تلك المذاهب، كهدم مراقد مقدسة بالنسبة للشيعة، ووضع الرقابة فيها حذراً من ممارسة طقوس مذهبية خاصة فيها!
أستمرت السعودية، لمدة زمنية طويلة، بمنهج واحد لاتحيد عنه بسهولة، المنهج السياسي ذا الطابع العقائدي المتطرف، الذي يسعى لمحاربة كل نظام يخالفه ذاك الفكر، والسعي نحو إثارة تخلخل كبير في تلك الدولة ذات النظام المخالف لفكرها، كما شهدنا ذلك بدول عربية عديدة، كما انها استطاعت أن تحرك حراكات وثورات ضد السلطات في بعض الاوطان، لأنها اختلفت مع ذاك الرئيس في مواقف مهمة، وهذا الذي يدعوا الى عدم إنكار قوة السعودية في تلك المرحلة، وتمكنها من التحكم في شريحة كبيرة في الوطن العربي كله، سواءً كان ذاك التحكم بصورة مباشرة، أم مخبوءة بتسميات أخرى، أي بصورة علنية أم مبطنة، وما نراه من بروز حركات متطرفة، لاتختلف في شئ عن حكومة المملكة، إلا بالاسم، وتشابهها في الرؤية والمنهج والهدف، ماهو إلا دليل واضح على ذلك، ناهيك أيضاً عن ظهور حركات سياسية تدين بالولاء والتبعية للسعودية، بصورة علنية، وخصوصاً بتلك البلدان ذات التنوع، وتعددية المكونات، وتمول من قبلها، وتأتمر بأوامرها، حتى وصل الامر الى درجة العمالة والخيانة، والتنازل عن المبادئ والكرامة والوطن! وهذه لاتعتبر إلا على انها دليل قوة تملكها المملكة.
كما قلنا أن دعم دول كبرى للمملكة كان سبباً كبيراً لتولد قوتها واستمراريتها، مضيفاً على ذلك تمكن السعودية من تزعم دول الخليج العربي بصورة واضحة، والذي صار غنياً ومستقراً عظيماً متطوراً فجأة! وأيضاً تمكنها من تكوين تحالفات دولية قوية تكون السعودية جزء رئيس بها، وكسب قاعدة جماهيرية كبيرة غي كافة انحاء اوطان العرب، للشخصيات الحاكمة في المملكة، بطريقة ذات طابع بروباغندي ديماغوجي، عزز من تلك القوة وساهم في تقويتها!
لكن، أحياناً بعض التغيرات الغير مدروسة، والتي لم يخطط لها مسبقاً، تؤدي الى تغيرات كبيرة في عدة مفاصل، مما يقود البعض الى تغيير سياساته وتعاملاته بدرجة كبيرة فارقة واضحة، وتؤدي الى اضعاف القوة المملوكة مسبقاً، وهذا ماحصل لحكومة الملكة بالضبط، فتغير السياسة الاميركية تجاههم، وخراب الكثير من التحالفات الدولية التي كانت قد اسستها، وعداء
أنظمة حاكمة عربية عديدة لها، وامتعاض فئات متعددة من الشعب عليها، والاعتراض على قوانين تعتبرها تلك الفئات رجعية، وتصر عليها الحكومة، ادى الى توسع الامتعاض والمعارضة، والصدمة بحرب اليمن، ونهاية داعش في العراق، وتمكن إيران من اثبات قوتها، سيجبر المملكة على تغيير سياساتها، ومراجعة أوراقها، والتخطيط من جديد لتصحيح أخطاء كبيرة ارتكبت، ماكان يجب أن تُرتكب، وما زيارة الجبير المفاجئة لبغداد إلا دليل على ذلك، فعرف عن حكومة المملكة، والجبير شخصياً أختلافها وعدائها الشديد مع حكومة العراق، وتهجمها بصورة متكررة على مؤسسات تعتبر حكومية شرعية كما يقرها الدستور، فتغير السياسة والخطاب الجديد، الذي وضّح على لسان الجبير في بغداد، يعد من ابرز الادلة على ضعف المملكة، والسعي فعلاً نحو تصحيح الاخطاء!
ان عودة العلاقات بين المملكة والبلدان العربية، بعد مدة من الخلاف وصل بها الحد الى القتل والاجرام، لاتعتبر خطوة سيئة سلبية، بقدر الايجابية المتوفرة فيها، لكن ذلك سيعتمد على الجدية في ذاك المخطط، والذكاء في تنفيذه، ولابد من توفر ذاك الذكاء في عقول ساسة البدان الاخرى، ولابد من أستغلال الفرص لتجاوز الازمات الكبيرة، وأن تدار الدول بمنطقية لا باوتوقراطية، وذلك سيصب في مصلحة جميع الاطراف، ويبدو أن عدم موضوعية ترامب وعدمية أتزانه، ستؤدي لكثير من التغيرات السياسية التي تعتبر جذرية، والتي قد تصب في مصلحة من ظلم في الفترة السابقة، وتؤذي من رفه واستعلى في تلك المرحلة، وسنرى..