اقتصاد العراق يمرّ بظروف حرجة نتيجة متغيرات كثيرة منها خارجية ومنها داخلية كلها أدت الى ارتفاع نسبة العجز في الموازنة العامة الى معدلات عالية وتركت آثارها السلبية على جميع مفاصل الدولة وأدت الى اضطرار الحكومة لايقاف جميع المشاريع الموجودة في البلد بسبب عجز الموازنة عن تغطية نفقات تلك المشاريع وهذا الإجراء الاضطراري طبيعي ولاغبار عليه ولكن يجب أن لا تكون عملية ايقاف تلك المشاريع بشكل عشوائي بل يجب أن تكون بشكل علمي مدروس ومن قبل لجان عليا متخصصة لكي تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة العليا للبلد وتجنب الخسائر الاضافية الهائلة التي تترتب على ايقاف المشاريع, ومن مصلحة الاقتصاد أن يتم دراسة المشاريع الكبيرة والتي وصلت نسب الانجاز فيها الى نسب عالية فمن غير المنطقي أن يتم التعامل مع تلك المشاريع بنفس
الاسلوب الذي يتم التعامل به مع المشاريع التي لازالت في بداياتها أو أن نسب الانجاز فيها قليلة لأن الخسارة التي ستلحق بالاقتصاد وبموازنة الدولة ستكون مضاعفة لأن الأموال التي تم إنفاقها على تلك المشاريع كبيرة جداً وان ايقافها الى أجلٍ غير مسمّى سيلحق الخسائر في البنى التحتية لها والأمثلة على ذلك كثيرة جداً ولامجال هنا لتفصيلها ولكن على سبيل المثال لاالحصر لو أخذنا أحد هذه المشاريع الاستراتيجية وهو مشروع مجاري الناصرية الكبير وهو أحد المشاريع العملاقة الذي يغطي ويخدم مساحة واسعة من محافظة ذي قار وكان سيساهم فيما لو تم اكماله بحل 95 % من مشكلة المجاري في المحافظة وكان سيقلل من المعاناة الكبيرة لمواطني المحافظة , وهذا المشروع هو أحد المشاريع الاستراتيجية التي تعاقدت عليها وزارة البلديات والأشغال وقد وصلت نسب الانجاز فيه الى نسب عالية جداً ولكن مع الأسف تم شموله بقرار الايقاف لعدم كفاية الأموال المخصصة من الموازنة العامة على الرغم من ان المحافظة طلبت من وزارة البلديات والاشغال العامة عدم فسخ هذا العقد الابحضور المحافظة كون المشروع العملاق يفرض على الوزارة التزامات كثيرة كون أغلب الشوارع تم حفرها وتركها فضلاً عن عدم وجود محطات تتلائم مع الخطوط الناقلة للمجاري وأن الشركة المنفذة طالبت بربع مستحقاتها المالية فقط والبالغة أربعة مليارات دينار لغرض اكمال المشروع ولكن الوزارة امتنعت عن الدفع لعدم وجود السيولة الكافية والنتيجة تم ايقاف المشروع مستندين على صدور قرار مجلس الوزراء رقم 347 القاضي بفسخ العقود بين الشركات والمحافظات بالتراضي واعفاء الشركات من الغرامات التأخيرية والالتزامات الأخرى وهذا ماسيسبب خسارة كبيرة جداً لموازنة الدولة لأن نتائج هذا الايقاف ستكون اندثار وتلف معظم المعدات والأجهزة التي تم نصبها في محطات المشروع والتي كلفت الدولة مليارات الدنانير وستترك الحفرالكثيرة في الشوارع على ماهي عليه وبالنتيجة سيتم احالة المشروع ومثيلاته حين ميسرة مرة أخرى وبإحالات جديدة الى شركات أخرى وهذا ماسيولد خسائر كبيرة إضافية الى ميزانية الدولة .
ماتقوله الحكومة وعلى لسان المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء بأنها تنتظر توفر أموال فائضة من الموازنة العامة لعام 2017، لكي تصب في انجاز المشاريع التي وصلت نسبة الانجاز فيها 75% لأن الفقرة السابعة من المادة 12 لقانون الموازنة تنص على الاستفادة من وفرة الاموال في تنفيذ المشاريع المتوقفة وأهمها المشاريع التربوية والصحية وكل ما يتعلق بخدمة المواطن العراقي ولكني أشك أن تحصل هذه الوفرة المنشودة نتيجة الفساد الكبير وهدر المال العام في جميع
مؤسسات الدولة وبالنتيجة ستبقى هذه المشاريع متوقفة لسنوات طويلة وستتعرض معداتها للعطل والتلف والاندثار ما ستكون خسائر الحكومة مضاعفة.
ماأريد قوله بأننا نحتاج الى تخطيط علمي سليم للتعامل مع هذه القضية الخطيرة خاصة واقتصاد البلد يمرّ بأسوأ حالاته, وان نتائج هذا الأداء السيء للحكومة في هذا المجال وسوء الادارة والتخطيط منذ عام 2003 وحتى الآن قد جعل العراق يخسر قرابة خمسمائة ترليون دينار مع اضاعة حوالي ثمانية مليون ونصف فرصة عمل، كانت من الممكن أن ترفع من المستوى المعيشي للفرد العراقي وتقلل من معدلات البطالة والفقر التي وصلت الى أرقام مخيفة ومقلقة.
دعوة صادقة أوجهها الى الحكومة والبرلمان ولجانه الاقتصادية ووزارات الدولة بأن تعيد النظر بالتعامل مع هذا الملف الخطير والحيوي أن يتم وضع استراتيجية جديدة لإعادة الحياة للمشاريع الاستراتيجية والتي وصل فيها الانجاز الى نسب عالية والعمل على سرعة اكمالها وبالامكان الاقتراض من المصارف الحكومية والأهلية لتحقيق هذا الهدف ولنجنب اقتصادنا الخسائر الهائلة في الأموال وخاصة وبلدنا يمر بتحديات خطيرة سواء كانت اقتصادية أو أمنية ونحن نخوض معركة مقدسة ضد الإرهاب الداعشي وضد الفساد المستشري.