هل من لمسة نسوية في السياسة الخارجية العالمية ؟
أثارت ادعاءات وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك عن حزب الخضر, حول انتهاجها لسياسة خارجية نسوية , انتقاداً واسعاً في الأوساط الثقافية والسياسية الألمانية. لأن السياسة الخارجية النسوية يجب أن تكون سياسة سلام, بينما مواقفها وممارساتها بعيدة كل البعد عن هذه السياسة.
الدبلوماسية النسوية، أو السياسة الخارجية النسوية، هي مفهوم صيغ لأول مرة عام 2014 من قبل وزيرة الخارجية السويدية السابقة مارغوت والستروم, يدعو الدولة إلى تعزيز القيم والممارسات المناسبة لتحقيق المساواة بين الجنسين, وضمان تمتع جميع النساء بحقوقهن الإنسانية, والحق المتساوي في الموارد والتمثيل السياسي المتساوي وسلطة صنع القرار، من خلال العلاقات الدبلوماسية.
وفقًا لما ذكرته مارغوت والستروم، فإن إشراك المرأة في مفاوضات السلام يزيد من احتمالات نجاحها واحترامها. وثبت أن إشراك المرأة في مفاوضات السلام له هذه الآثار الإيجابية.
فقد كشف تحليل إحصائي لمئة واثنين وثمانين اتفاقية سلام موقعة بين عامي 1989 و2011 أن اتفاقيات السلام التي تشارك فيها النساء, من المرجح أن تستمر بنسبة 35% لمدة خمسة عشر عامًا.
وفي عودة إلى السيدة وزيرة الخارجية الألمانية ومواقفها المجافية لما تدعيه من اتباع نهج السياسة الخارجية النسوية, يشير المنتقدون إلى خطابها امام المؤتمر ال ٢٦ لوزراء الاتحاد الأوروبي في ٣١ آب الماضي في براغ, حيث قالت :
” طالما وعدت الناس في أوكرانيا بالوقوف معهم, سنفي بوعدنا ونكون إلى جانبكم ما دمتم في حاجة إلينا, وسنستمر على ذلك, بغض النظر عما يفكر به ناخبّي من الألمان…( وهذا ما أغضب الكثير من مواطنيها ).
وأضافت : “وليكن واضحاً, يأمل كل منا أن تنتهي الحرب غداً, ولكن أن لم تنته فأنا باقية لعامين آخرين… يبدو أمر الإجراءات العقابية المتخذة, صعباً بعض الشيء على مستوى الأتحاد الأوروبي, لأن كل حزمة عقوبات, علينا أن نستعد لها أيضاً لعامين مقبلين, لكن يجب أن نصمد مادامت أوكرانيا بحاجة إلينا… وتابعت: … ونتيجة لقدوم الشتاء ومشاكل الطاقة سنواجه كسياسيين ديمقراطيين تحديات… سيخرج الناس إلى الشارع ويقولون : ” لا نستطيع دفع أسعار الطاقة !”. سأقول : ” أعلم, لذلك نحن سنساعدكم في التدابير الاجتماعية “…
” لكني لا أريد أن أقول : ” حسناً, سنوقف العقوبات ضد روسيا.. بل سوف نقف إلى جانب أوكرانيا.. وهذا يعني أن العقوبات ستبقى أيضاً في فصل الشتاء, حتى لو أصبح الأمر أكثر صعوبة على سياسيينا. علينا إيجاد الحلول الجيدة في جميع أنحاء أوروبا لمواجهة الآثار الأجتماعية, لأن ذلك هو الجانب الآخر للحرب, انها حرب مركبة, لتقسيم ديمقراطيتنا, بدعوى ترك الفقراء ورائهم. لا نحن متضامنون مع الجميع في بلدنا, كما نقف مع الجميع في أوكرانيا “.
في خطابها أعلاه, أكدت أيضاً في معرض اشارتها لأوكرانيا, أن ألمانيا هي واحدة من ” أكبر موردي السلاح في الوضع الراهن… أن هذا ليس شيئاً نفخر به, لكنها لن تتخلى عن تسليم السلاح مادام هناك طلب متزايد على الأسلحة الثقيلة, وقد بررت ذلك : ” بصفتها دولة كبيرة وذات نفوذ, لذا فإن ألمانيا تتحمل ” مسؤولية خاصة ” لأن أفعالها تشكل مثلاً أعلى للدول الأصغر في الاتحاد الأوروبي… كما أن تسليم الأسلحة الثقيلة ليس دخولاً في الحرب بل دعم حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس, المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
منذ نهاية تشرين الثاني/ أكتوبر 2000, طلب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 منح النساء والفتيات في مناطق الحرب حماية خاصة وزيادة مشاركة المرأة في العمليات السياسية.
تمت مناقشة هذه الفقرة أثناء عقد التحالف الحكومي باعتبارها واحدة من النقاط المهمة في برنامج حزب الخضر Bündnis 90 / Die Grünen, وتتضمن : تعزيز حقوق وموارد وتمثيل النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم بروح السياسة الخارجية النسوية. وتعزيز التنوع الاجتماعي, بإرسال النساء إلى مناصب الإدارة الدولية ، وتنفيذ خطة العمل الوطنية بشكل طموح, ومواصلة تطويرها لتنفيذ قرار الأمم المتحدة المذكور.
أُقرت السياسة الخارجية النسوية الآن في اتفاقية الائتلاف الحكومي في ألمانيا.
أعلنت أنالينا بيربوك , تبعاً لذلك رغبتها في متابعة منصبها كمتبنية ل “سياسة خارجية نسوية ” من الآن فصاعدًا، وبالتالي تريد محاكاة حكومتي السويد وكندا.
لكنها تجاهلت احتفال النساء الكرديات في بعض الدول الأوروبية بذكرى سكينة جانسيز وفيدان دوغان وليلى شايل مز، اللواتي قُتلن في باريس في 9 يناير 2013, برصاص المخابرات التركية. رغم إقامة احتفالات مشابهة لإحياء ذكراهن في ألمانيا.
لم تقل الوزيرة أنالينا بيربوك كلمة واحدة عن ذلك, ولا عن مصير النساء الأفغانيات اللواتي تُركن لقمة سائغة لعصابات طالبان بعد الانسحاب الأمريكي. وغيرها من وقائع تتعلق بالنساء في الشرق الأوسط بالخصوص.
وبحجة ” نقطة التحول في الزمن ” ، عللت السيدة وزيرة الخارجية بيربوك التغييرات في سياستها : ” لتكون مواكبة للعصر “. لكنها لا زالت تتمسك بمصطلح ” السياسة الخارجية النسوية “.
يشير المنتقدون أن السياسة الخارجية لهذه الحكومة الفيدرالية ليست نسوية ! وهو ما ينعكس في مقاربة وزير الخارجية لقضايا الحرب والسلام.
فقد كانت قد وافقت على تخصيص 100 مليار من الأصول الخاصة للبوندسفير ( الجيش الألماني ) التي تم التفاوض عليها في التحالف الحكومي : حيث قالت الوزيرة في موقع دويتشلاند فونك إن التخصيص ” حل وسط جيد حيث نضمن أن حلف شمال الأطلسي يمكن أن يعتمد علينا “.
كما أنها أبدت استعدادها لتقديم المزيد والمزيد من الأسلحة ، والتحدث عن حشد الأسلحة وبالتالي تمرير المليارات من الأوامر لشركات صنع السلاح.
وبعد سبعة أشهر على بدء الحرب في أوكرانيا, لا ترى وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك أي جدوى من المحادثات المحتملة مع الحكومة الروسية حول إنهاء الحرب الأوكرانية في ظل الوضع الحالي.
تساهم تصريحات مشابهة من قبل كبار الدبلوماسيين في ألمانيا في تأجيج التفكير الحربي وتهدف إلى تشجيع الصراع العسكري بهدف القتال حتى النصر ! وليس التوسط وخوض مفاوضات دبلوماسية لحلها.
وطالما تستند السيدة بيربوك في أحاديثها إلى ” حريتنا و قيمنا “.
لكن المواقف من الحروب في مناطق أخرى من العالم ، والأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حول السياسة في أفغانستان ، والحرب في اليمن ، وحول مالي – تثير أسئلة حول ماهية هذه القيم, وحياة وحريات الشعوب على المحك.
إذا تم الاحتذاء بسياسة مارغوت والستروم كأساس حقاً ، فمن الصحيح على الأقل أن تكون السياسة الموجهة نحو السلام ونزع السلاح هي وحدها التي تؤكد ادعاء ” السياسة الخارجية النسوية “.
وزيرة الخارجية السويدية والستروم لم تتجنب الصراع مع حكومتها سياسياً وصوتت ضد تصدير الأسلحة لأنها لا تتناسب مع النسوية في السياسة الخارجية, كما
نجحت في الضغط من أجل اعتراف السويد بدولة فلسطين ، والذي تقرر في 30 أكتوبر 2014.
ثم تم لاحقاً إعلان والستروم ” شخصًا غير مرغوب فيه ” من قبل الحكومة الإسرائيلية في عام 2016, لقيامها بحملة في البرلمان السويدي لإجراء تحقيق في مقتل 150 فلسطينيًا على أيدي قوات الأمن الإسرائيلي.
خلال فترة الوزيرة والستروم، وافقت السويد على معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017.
في يوليو 2019، أدى الضغط السياسي الداخلي والضغط من قبل الناتو إلى أن تعلن فالستروم أنها لن توقع على المعاهدة بوضعها الحالي.
بعد أقل من شهرين، استقالت والستروم من منصبها ” لأسباب شخصية ” !!!
اعتبر موقع FAZ.net في 22/9/9 ان النقد الموجه إلى سياسة الحرب المتبعة : ” بروباغاندا أثارها دعاة بوتين ” !
الشيء الوحيد الجلي اليوم, على الرغم من التعريف غير الدقيق للمصطلح الذي يعترف به الخبراء أنه : ” لا ينبغي وصف سياسات وزيرة الخارجية آنالينا بربوك بأنها ” سياسة خارجية نسوية “!