قرأت مقالا لكنيث بولاك الباحث في معهد امريكان انتربرايز حول الانتخابات
: ومستقبل العراق . يقول فيه
بعد الانتخابات التي تميزت بالتزوير واحجام اغلبية الشعب العراقي عن المشاركة فيها فمن المرجح على نحو متزايد ان
تختار الأحزاب حكومة توافقية أخرى مما سيكون أسوأ شيء بالنسبة للعراق. إن مثل هذه الحكومة وصفة للشلل والفساد، حيث يحوّل كل حزب وزاراته إلى شبكات ضخمة من المحسوبية لنقل الوظائف والمال إلى ناخبيه. وكما رأينا مراراً وتكراراً، فإن مثل هذه الحكومة في العراق لا يمكن أن تتخذ إجراءات جريئة وستفشل بالتأكيد في معالجة المظالم العديدة التي يتعرض لها الشعب.
واضاف ان لاشيء يبشر بالخير لمستقبل العراق. الشعب العراقي غاضب من الجحيم الذي يعيش فيه. إلى متى يبقى في ظل هذه الأوضاع المضطربة والمأساوية؟ وقد شهدنا في الأسابيع الأخيرة احتجاجات واسعة النطاق في مدن جنوب العراق، حيث طالب العراقيون الشيعة بتشكيل حكومة تسعى إلى الإصلاح، تقاوم نفوذ إيران ، وتكبح الفساد. ما الذي يحدث خلال 6 – 24 شهرًا عندما تخفق الحكومة الجديدة في معالجة أي من مظالم الشيعة، ناهيك عن المحرومين من السنة والأكراد؟ إنه وضع مواتٍ لثورة شعبية ضد النظام نفسه، ويستطرد قائلا
إذا كانت هذه السحابة السوداء مغلفة بغطاء فضي، فإن العراق لا يزال بعيدًا عن السيناريوهات الرهيبة. وخطوات يمكن أن تتخذها حكومة عراقية مغطاة بدعم قوي من الولايات المتحدة لتفادي هذه المشاكل. وعلى وجه الخصوص ، تحتاج الحكومة العراقية الجديدة إلى كسب الوقت عن طريق الصبر والتسامح مع الشعب وبين أفراد المجتمع. إن أفضل طريقة للقيام بذلك، أن على بغداد المدعومة من واشنطن انتقاء ثلاثة أو أربعة مشاريع عملية يمكن أن تسفر عن نتائج ملموسة في غضون ستة إلى ثمانية عشر شهرا، وتوفير ما هو ذي قيمة ومعنى في حياة العراقيين على الأقل. وبين بان العراق بحاجة الى سنوات طويلة للتعافي ، كما اكد على اهمية التواجد الامريكي في العراق . انتهى
وتماهيا مع ماجاء اعلاه فقد اعربت السفارة الامريكية في بغداد عن سعادتها بالتزام قادة العراق المنتخبين حديثا بتشكيل الحكومة الجديدة وفق التوقيتات الدستورية
ويتضح من ذلك ان الامريكان مع علمهم بسوء الاحوال العامة في
العراق فانهم يتجاهلون موقف الشعب العراقي المقاطع للانتخابات ، كما يغضون الطرف عن امعان الطغمة الفاسدة بالاساءة الى الشعب العراقي وافقاره ، ناهيك عن قيامها بتزوير الانتخابات وشراء الاصوات باموال الفساد
. السياسي
كما ان الموقف الرسمي للحكومة الامريكية لايركز كثيرا على النفوذ
الايراني في العراق وتأثيره المأساوي على الشعب العراقي وكذلك على سياسة واستقلال البلد والمشاكل الاقتصادية التي سواجهها العراق بعد العقوبات الامريكية على ايران ، وخصوصا في نية الحكومة الايرانية الاستحواذ على ماتبقى من موارد العراق لتعويض الحصار عليها . وانهم مازالوا يسعون الى تحقيق توازن امريكي ايراني في العراق كوسيلة لتجنب اي صدام عسكري محتمل في هذا البلد المنكوب ، خصوصا بوجود احزاب
. وميليشيات عراقية موالية لايران وتنعدم فيها الوطنية العراقية
ان دعوات اسناد الحكومة العراقية الفاسدة ، والسعي لتحقيق بعض المكاسب
لارضاء الشارع العراقي هي دعوات مشبوهة الغرض منها صرف انتباه الشعب
عن الظلم الكبير الواقع عليه ، وللحد من التظاهرات والانتفاضات الشعبية المشروعة
ان المنطق الامريكي الخطير هذا مازال سائدا في مساندة الفاسدين
بدعوى وصولهم بالانتخابات . رغم علمهم بالمقاطعة الواسعة للشعب العراقي لهذه الانتخابات . والتزوير الكبير الذي وصل الى مديات بعيدة لم يشهد له التاريخ مثيلا
وبالمقابل فان نفس الوجوه السياسية الحاكمة في العراق مازالوا يبحثون عن الكتلة الاكبر لتشكيل الوزارة ، لما في السلطة من نفوذ كبير واموال وفيرة . والادهى من ذلك ان هؤلاء السياسيين لا يبدو عليهم انهم يكترثون كثيرا او قليلا بموقف الشعب المعادي لهم لكونهم على علم مسبق بدعم الامريكان والايرانيين
لهم
ان الازمات الاقتصادية والزراعية والصناعية والخدمية في ازدياد يوما بعد يوم وستصل الى معدلات خطيرة بعد التسهيلات التي ستقدمها احزاب الاسلام السياسي لولي الفقيه في ايران ودولته المحتضرة ، في محاولة يائسة لانقاذها
من العقوبات المفروضة عليها . . والتي ستؤدي الى مزيد من القهر والجوع للشعب العراقي يفوق ماعاناه طوال قرن من الزمان . وان الجوع اذا ماعظ الشعب العراقي فان كل الدعوات الدينية والتخدير الطائفي سوف لن تجد
يتوهم الامريكان اذا اعتقدو ان الشعب العراقي الان هو نفسه ذلك الشعب الذي
انتخب الفاسدين سابقا بتأثيرات اعلامية وتوجيهات دينية لاتكترث بمصالح الشعب الاساسية بقدر اهتمامها بالاستحواذ على السلطة ونهب اموالها . فان الشعب العراقي الان قد بدأ في عودة الوعي اليه بعد ان غيب لخمسة عشر عاما مضت بترهات دينية وطائفية لم يجن منها سوى القهر والالام وانعدام كامل
للخدمات الانسانية
كما ان الامريكان مازالوا في ضلالهم القديم عندما يعتقدون بان الوضع يمكن اصلاحه او تحسينه من داخل مايسمى بالعملية
السياسية الحالية . رغم علمهم برفض الشعب العراقي لكل الاحزاب والكتل المشاركة فيها . وهم يطمحون الى تحسين الوضع من خلال خداع الشعب بثلاثة او اربعة مشاريع تبرهن على تحسن الوضع السياسي
ان الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق قد بلغ من السوء بحيث لايمكن اصلاحه بحلول ترقيعية . بل يتطلب اعادة النظر بالعملية السياسية برمتها ، كاجراءات وقواعد وشخوص . وقد آن الاوان لتشيكل النخبة السياسية من عناصر فاعلة ذات خبرة ودراية بشؤون الدولة ومشهود لها بالنزاهة والامانة اجتماعيا ، وذلك من خلال تطوير منظمات المجتمع المدني واعطائها الصلاحيات الكافية لقيادة المجتمع بدل السياسيين الرعاع الذين خربوا النفوس قبل المؤسسات وعاثوا فسادا في الدولة والمجتمع ، هم وميليشياتهم
الحزبية المافيوية
لايمكن لاحد الادعاء بان الامريكان الذين بيدهم الحل والعقد في العراق عاجزين عن ايصال النخب المتميزة لقيادة الدولة واعادة العمل بالمؤسسات المتخصصة في القطاعات كافة . ولكنهم غير مكترثين بذلك في الوقت الحاضر على الاقل
ولا احد يجرأ على الاعتقاد بان الاحزاب الحاكمة الوضيعة في العراق هي احزاب حقيقية قادرة على ادارة البلد ، بل هي احزاب تضم الجهلة والطفيليين
الوصوليين تحميهم عصابات مسلحة مأجورة . وان اجتماع ممثل الرئيس الامريكي ماكغورك بهؤلاء السياسيين هو ضحك على الذقون لانه يعرفهم دمى يتحركون بالاصابع الايرانية والامريكية وهناك صغار المنافقين يتحركون باصابع
. اقليمية اقل شأنا ايضا
ان التغيير المطلوب لايمكن ان يتحقق برغبة المحتلين ، لان الوضع العراقي بهذه الصورة هو وضع مثالي لكل الاطراف الدولية والاقليمية وحتى العربية . فكل هذه الاطراف تكره العراق وشعب العراق وعملوا مابوسعهم لنشر الفساد والتفرقة والاقتتال تحت لافتات دينية طائفية تارة ولافتات قومية شوفونية تارة اخرى
اذا لم يضغط الشعب العراقي بمزيد من المظاهرات والانتفاضات وبكتل كبيرة ، لايمكن ان يتزحزح احدا من السلطة قيد انملة . ان المسألة بايدينا نحن ابناء هذا البلد وهناك جماهير متضررة ومأزومة وجائعة وهناك مثقفين وطليعيين قادرين على ادارة دفة الامور وتوجيهها الى غاياتها . ولكن هذه النخب خارج العملية السياسية بل وخارج المجتمع . والواجب يقتضي علينا جميعا التحرك لاعادة اللحمة بين الجماهير الجائعة المنتفضة والنخب المخلصة . وعلينا ايضا اعادة ثقة الشعب بنفسه وتحطيم حاجز الخوف من الميليشيات والاحزاب الحاكمة . ثم طرح افكار تحررية جامعة للجماهير ، واهداف متفق عليها وتثقيف الشعب بها اي توعيته باهداف سامية عليا ، وعدم الاقتصار على التظاهر لاسباب مطلبية رغم اهميتها . ان مطاليب الشعب واحدة وهي تحقيق الدولة العادلة التي تعطي لكل ذي حق حقه
ان مشكلة الحكم هي مشكلة الشعب العراقي بكل اطيافه ومدنه وقراه ، من
الشمال الى الجنوب ، وان الثورة قادمة لامحالة لتحقيق الاهداف
العظيمة وهي الان في مرحلة النضوج . وعندئذ سوف يسمع صوت الحق كل من به صمم ، في الداخل والخارج