17 نوفمبر، 2024 7:33 م
Search
Close this search box.

السياسة الامريكية في العراق

السياسة الامريكية في العراق

هناك غموضا ظاهرا في السياسة الأمريكية تجاه العراق خصوصا مع هذه الفقرة الرئاسية للرئيس أوباما حيث نجد التقصير الواضح في تحديد الاولويات الأمريكية في العراق ‘وربما يظهر احيانا ان هذا التقصير وتعمد من قبل الادارة الأمريكية .

نستطيع ان نصد جانبين مختلفين في السياسة الأمريكية فمن جانب نرى ان الحكومة الأمريكية قد دخلت العراق بقواتها المحتلة ولم تطلب اذنا من احد بل ولم تستمع لأي صوت اخر يعارض هذا التوجه الأمريكي الذي انتهى بسقوط نظام التسلط الشمولي الذي قاده صدام حسين لأكثر من ثلاثة عقود في بغداد ‘ ولكنها بعد ان تمت لها هذه الغاية فإنها تركت النفوذ الإيراني يمد اذرعته الأخطبوطية في كل جوانب الحياة السياسية والإدارية وحتى الاجتماعية لعراق ما بعد الاحتلال وربما كانت الحكومة الأمريكية تقصد هذا تعجيلا للمشاريع التي يتبناها بعض صقور الحكومة الأمريكية بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات او اكثر او اقل ولا يتحقق هذا الاب اثارة الحساسيات الطائفية والعرقية وهو ما اراده صقور السياسة الاميركية آنذاك ‘ ولا يمكن ان نتصور غفلة الأمريكان عن مسألة التغلغل الإيراني في دوائر القرار العراقي ولا نتصور عجزها من معالجته بحال من الاحوال فهو ما لا يتصوره عاقل على الاطلاق فيتعين هنا انها غضًت الطرف عن هذا الامر الذي تراه ايران دفاعا عن وجودها وأمنها القومي وينظر اليها الأمريكان انه تحقيق لأهداف يريدونها هم على ايدي غيرهم بما يثير من حساسيات كثيرة في العراق .

ومن جانب اخر فإن امريكا وإن ادعت أنها انسحبت بعدما اقامت نظاما ديمقراطيا في العراق إلا انها لم تضع المرتكزات الصحيحة لهذا النظام وقد كان اساس مجمل العملية السياسية في العراق ما بعد الاحتلال هشا ومبنيا على رمال متحركة تهب عليها العواصف من الشرق والغرب ومن كل اتجاه ، وبرأيي انها لم تكن عاجزة عن ترصين الاساس الذي تمً بناء هذه العملية السياسية عليه ولكنها كانت تقصد ما تقصد في هذه المسألة ايضا، فبقيت هذه العملية السياسية تتأرجح الى يومنا هذا بعد مرور اكثر من (12)عام على سقوط بغداد لتمتد هزاتها الارتدادية الى كامل الجسد العراقي المعتل فيذهب ضحية ذلك آلاف الابرياء وتبقى الحكومة الاميركية وايضا الحكومة العراقية يتفرجان على النزيف العراقي وكأنه امرا طبيعيا وهو امر في غاية الشذوذ واللاعقلانية !!.

ربما يدعي هذا او ذاك ان المقاومة المسلحة هي سبب خروج القوات الأمريكية أو انها عجلت بخروجها على اقل تقدير ولكن في الواقع أن اميركا جاءت وخرجت بإرادتها ولم تأخذ اذنا من أحد بدخول العراق ولم يؤثر عليها مؤثر لتخرج قواتها من هذت البلد الا بصورة نسبية فالمقاومة المسلحة لم تؤدي الى تغيير الحسابات الامريكية في العراق خصوصا وأن المناطق التي تهم اميركا في العراق كانت آمنة وطيعة بيد الأمريكان وهنا لابد ان نوضح ونؤكد ان مقاومة الاحتلال هو مشروع من حيث المبدأ بحسب كل الدساتير والاعراف .

ولتوضيح ما سبق نستطيع القول ان خسائر اميركا وقواتها التي دخلت العراق كانت اقل مما تتصور هي نفسها ، بل انها لعبت لعبة محكمة فاستطاعت ان تحرف المقاومة الاسلامية (السنية) عن مسارها لتصبح قوة مسلحة خارجة عن القانون تستهدف كل من يختلف معها ولو بالرأي او بطريقة الخلاص من الاحتلال ثم صارت تستهدف مجمل العملية السياسية حتى بعد خروج الاحتلال بحجة كونها من نتاجات الاحتلال ثم ذهبت باتجاه طائفي كما كان يخطط لها من قبل اعداء العراق وهو تماما ما حصل للمقاومة الاسلامية (الشيعية) التي انتهى بها المطاف لتحول الى مليشيات للقتل والجريمة والحقن والفرز الطائفي والاحتكام للقوة ومظاهر التسليح وعسكرة الشباب بدل من التفكير ببناء الدولة واحتضان ابناء الوطن الواحد بكل اطيافه وجمع الشتات .

بقيت امريكا تتفرج على تنظيم داعش وهو يقضم المحافظات العراقية الغربية بدون أي دور واضح لإيقاف المد الداعشي وهناك غموضا كبيرا في الموقف العسكري الحقيقي لأمريكا وهي ترى العراق يهدد بنظامه( الديمقراطي) الذي دخلت القوات الامريكية واعطت الضحايا من الارواح و تكاليف الحرب الناهضة لأجل اقامة هذا النظام وقد وصل داعش الى مسافة (40) كم عن بغداد العاصمة في حالة من الانهيار والتردي الذي كانت تعيشه القوات الأمنية والجيش العراقي ، في حين رأينا الطائرات الامريكية تقلع من البحر المتوسط وبالأوامر المستعجلة في اقل من ساعة لتقصف مجاميع داعش الذي اصبح على ابواب اربيل عاصمة اقليم كوردستان وكانت هناك نية وخطة معدة امريكيا لانزال مشاة البحرية الاميركية على اسوار اربيل اذا لم يتوقف الدواعش عن الزحف نحو اربيل وقد تراجعوا بعد ان اكتشفوا هذه الخطة الاميركية التي سربت لتصل اليهم.

والان في الحرب على الدواعش تتردد الحكومة الاميركية كثيرا في اتخاذ القرارات الحاسمة لتغيير مجرى الحرب التي انهكت القيادة العراقية وتستنزف كل مقدراتها مع كل يوم يمر بدون حسم هذه الحرب او اقتراب وإحراز انتصارات حقيقية وهو ما لا يلوح في الافق والحكومة الاميركية تعلم كل هذا وتترك الامور ما هي عليه بل وتوقف صفقات الاسلحة وهي تعلم ان العراق بأمس الحاجة اليها وتفهم من كلامي مؤامرات اميركية ولكنني اتصور ان هناك قوة متصارعة في مراكز القرار الاميركي بعضها يريد التدخل لقوة ليجعل العراق تابع في كل سياساته لأميركا تماما كدول الخليج العربي وأبعاد النفوذ النفوذ الايراني عن العراق حتى لو تسبب ذلك بالاصطدام مع المليشيات التابعة لإيران وبالتالي وضعها على قوائم الارهاب ليكون هذا مسوغا لملاحقتها بغطاء شرعي قانوني والتعامل معها تماما كما يكون مع داعش ونظيراته !َ!

وهناك جناح اميركي يريد أن ينأئ بنفسه مهما كانت النتائج في العراق ولا يرى ضيرا على سياسة وسمعة اميركا كقائد للعالم وقطبه الاوحد.

وهناك جناح اميركي يتمسك بأيديولوجية لها طابع محافظ تنظر الى الشرق الاوسط على إنه منطقة يراد لها اعادة رسم الخرائط وتغيير الواقع وبلورة حالة جديدة في هذه المنطقة الملتهبة بما ينسجم مع هذه الرؤى التي ذكرنا إنها تبدأ بتقسيم العراق ،ولكن الحكومة

الاميركية تتخوف من هذا السيناريو الذي تخرج فيه الامور عن السيطرة الاميركية وهو احتمال وارد لكثرة اللاعبين في المنطقة وتداخل الإرادات .

يبقى الشعب العراقي وشعوب المنطقة تدفع السياسة الخاطئة سواء كانت اميركية او اقليمية أو محلية في دول هذا الإقليم الملتهب الذي يتجه نحو المجهول مادامت هذه الشعوب غير قادرة على تحديد الموقف لتبقى منفعلة وليس فاعلة .

لا يختلف اثنان أن اميركا تستطيع ان تغير أي حالة تريد تغييرها في العراق من الهرم الى القاعدة وفي غير العراق ايضا من دول هذا الاقليم ، ولكن الحكومة الاميركية تركت العراق ينتقل من ازمة الى اخرى وتركت رئيس الوزراء السابق وهو يسير بسياسة عناء ادت الى كل هذه الازمات وها هي الان تصرح ان السياسات السابقة للمالكي هي سبب الكثير من ازمات العراق وكان باستطاعتها أن توقفه وتسيره بحسب ما تشتهي وتسير غيره ايضا وهي تعلم بالوسائل والسبل التي تضغط بها على هذا او ذاك في العراق والمنطقة عموما ليتحرك المركب بما يشتهي الربان الاميركي بطريق ضغط ظاهرة وبطرق خفية هي أعلم بها ولكنها بقيت تتردد وتخفي وتظهر وتنقسم على نفسها ليلف الغموض مجمل سياساتها في العراق الذي تتقاذفه الامواج بدوم ان تلوح له بالأفق شواطئ الامان على المدى المنظور على اقل التقادير .
الجزء الاول….

أحدث المقالات