18 ديسمبر، 2024 11:40 م

السياسات الامريكية : عينة سياسة دفع المضرَّة بسلاح الكذب !

السياسات الامريكية : عينة سياسة دفع المضرَّة بسلاح الكذب !

جميع السياسيين بالعالم يرون ان القناعة السياسية , أحيانآ , تصل بهم الى عينة سياسية يتبنون فيها لسان الكذب كسلاح لتحقيق المنجزات الوطنية أو الشخصية على حد سواء بدلآ من الحرب , إلا في حالات نادرة جدآ يلجأ فيها سياسيو الدول الى الحرب عند توفر الأهداف الواضحة .
وهؤلاء السياسيون يعرفون أيضآ أن مايجري على الساحة الخليجية هذه الأيام هي تطبيقات لهذه العينة من السياسة , إذ أن قناعة ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو قد اوصلتهم الى تبني هذه العينة من السياسة لإدامة الهيمنة الأمريكية على الشعوب وخاصة في تواجدها العسكري في منطقة الخليج الغنية بالثروات النفطية ومن دون اي حشر للقوات العسكرية , ودفع المضرّة بها عن تلك الهيمنة ومن ثم إغتنام المغانم من اعماق تربتها بدلآ عن الحروب التقليدية .
هذه القناعة لم تلد من رحم السياسة الترامبية , بل ان فكرتها مستوحاة أصلآ من عاملين ; أولهما هو احد الدروس المستنبطة من الحرب الفيتنامية , حيث خرجت امريكا بدرس يحذر من ان الخروج من الحرب يعد اكثر تعقيدآ من الدخول في أي صراع , خاصة بالنسبة لديمقراطية امريكا . اما العامل الثاني فهو الحكم الطريف الذي اصدرته المحكمة العليا الأمريكية بتاريخ 28 حزيران 2012 وهو التعديل الثاني لها بهذا الخصوص الذي جرى مرتين , في المرة الأولى لم يكن للأمر أن يحمي الأكاذيب ,
اما التعديل الثاني فقد اجازت المحكمة فيه الأكاذيب ووصفتها بالجيدة وهي من عقيدة السياسي كعقيدة الذهاب الى الكنيسة إذا كانت لأسباب مشروعة . لذلك أرتأت السياسة الأمريكية الترامبية الدخول بصراع مع ايران تقوده هذه العينة بدلآ من التدخل العسكري المباشر لتحقيق الأهداف .
خلال سنوات حكم الرئيس رونالد ريغان , قدم البنتاغون فكرة مفادها أن عقيدة التدخل العسكري تتطلب اهدافآ سياسية واضحة , ودعمآ عامآ قبل إعلان الحرب وإستراتيجية خروج معدة مسبقآ . وجاءت هذه العقيدة بعد فشل الحرب التي شنتها امريكا على نيكاراغوا في عهد ريغان , حيث وصلت قضية تدخلها العسكري والأضرار التي تسببتها بالبنى التحتية الإقتصادية لنيكاراغوا وموت المئات من المدنيين الأبرياء الى المحكمة الدولية عام 1986التي ادانت التدخل وحملت ريغان وإدارته تبعية الأضرار جراء خرقها للقوانين الدولية , وكانت بذلك درسآ بليغآ لفكرة عقيدة التدخل العسكري .
وبناء على ذلك فقد تمسك الرئيس جورج بوش الأبن بهذا المبدأ خلال حرب الخليج عام 1991 من خلال وقف العمليات العسكرية والخروج من الكويت بمجرد تحقيق الهدف العسكري الأساسي المتمثل بتحريرها .
ولكن بعد عقد من الزمان , ظهرت الدروس المؤلمة من الحرب الفيتنامية مرة اخرى عندما عادت القوات الأمريكية الى العراق ووجدت نفسها في ورطة حرب برية تفتقر الى حل سياسي ودبلوماسي واضح .
لكن لجوء ترامب لهذه العينة من السياسة مع بومبيو منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية هو نمط لعقيدة جديدة بالنسبة للكثيرين ممن يهتمون بالشأن السياسي , إذ فيه يوصل الخيال بالواقع وخاصة مع إيران الإسلامية وآخر نتاج هذه العينة كذبة ارتباطها بعلاقة مع القاعدة وتقديمها للعون في هجمات 11 سبتمبر .. الخ من الأكاذيب التي بدأتها منذ انسحاب ترامب من الإتفاق النووي , إنما بقصد إثارة التوتر والرعب في المنطقة بعد ان قطعت شوطآ طويلآ في هذه السياسة التي لا تنتسب الى أي حقل اخلاقي سوى حقل إثارة الخوف لإبتزاز دول الخليج ودفعها الى اهداف تراها استراتيجية لإدامة تواجدها العسكري .
والغريب ان دول الخليج تولول بالظاهر من هذه الأكاذيب لكنها تموت من الضحك في باطنها على شعوبها المسكينة التي لا تعلم ان حكامها وجدوا في هذه اللعبة ضالتهم للبقاء بالسلطة . إن مايؤلب على هذا الإستنتاج هو ان إيران ليست بعيدة عن هؤلاء الحكام ليذهبوا اليها وبيان صحة هذه العلل للخروج معآ من هذا الصراع .
ولو ان سياسي الدول وخاصة الدول غير المرتبطة بالمصالح الأمريكية لا يدركون هذه الحيلة لرأينا أن جميع خطاباتهم بالصحف ومعهم جميع المراقبين بكل تعليقاتهم تتحدث بالإستنكارلهذا الموضوع , ولكن نظرا لإرتباطهم بالمصالح الأمريكية وخاصة دول الخليج ولأنهم انفسهم يمارسون هذه القناعة كما قلنا , لذلك لايستنكرون الكذب الصادر عن إدارة ترامب خوفآ من العقوبات والعزلة التي دأبت عليها امريكا في التعامل مع الخصوم .
لقد رأينا كيف ادخل ترامب الغواصة النووية يو اس اس جورجيا الى مضيق هرمز اثناء تفاقم التوتر بالمنطقة وهي عادة تتصف بإستعراض العضلات الامريكية لزياد الضغط على ايران , ولكن لم تلبث هذه الغواصة حتى خرجت من الخليج . لماذا ؟
لأن ترامب لاتوجد لديه اهداف سياسية واضحة ومقنعة يستطيع ان يقدمها للكونغرس من اجل الفوز بقرار التدخل العسكري بالمنطقة , بل ان الكونغرس بزعامة نانسي بيلوسي صوّت على مشروع قرار يحد من قدرة الرئيس دونالد ترامب على القيام بأي عمل عسكري ضد إيران. ويستند النص إلى قانون سلطات الحرب الذي أُقر عام 1973 , حيث يمنع الرئيس من شن حرب ما لم ينل موافقة الكونغرس، وهو من ناحية اخرى يُطالب الرئيس بوضع حد لاستخدام القوات المسلحة الأمريكية في أعمال عدائية في إيران أو ضدها أو ضد حكومتها أو جيشها.
وهذا القرار جاء بعد حادثة اغتيال قادة الحشد الشعبي العراقي والتشكيك بالمبررات التي اعطتها ادارة ترامب لنفسها في تنفيذ الإغتيال الذي يعتبر انتهاكآ واضحآ للسيادة الوطنية العراقية وخرقآ للقوانين والأعراف الدولية , ولو ان الحكومة العراقية حقآ تتمتع بالسيادة العراقية وغير خاضعة للتأثير الأمريكي لتحتم عليها إقامة الدعوة على الحكومة الأمريكية في حينه كما فعلت نيكاراغوا . لذلك جعل الكونغرس امر التدخل العسكري بكل اشكاله بيده وليس بيد ترامب .
اذن سلاح الكذب والتضليل الذي انتهجته سياسة ترامب له اكثر من مبرر لبلوغ الهدف الذي يرتأيه ومن وراءه مايك بومبيو الذي يستشيط في هذه الأيام بالإعلان عن العديد من فرض العقوبات ولاشيء غير العقوبات .
والغريب ان حكام الخليج مازالوا يضعون الزيت على النار من اجل خلق المبررات المناخية للتطبيع مع اسرائيل أولآ والحفاظ على بقائهم بالسلطة جراء الأستمرار بلعبة الكذب والتهديد الإيراني . وبالطبع ان هؤلاء الحكام لايشيعون هذا المبرر لشعوبهم , لذلك تراهم يتخلون عن الذهاب الى ايران القريبة لإنهاء التوتر , إلا من الإصرار على إفشاء مبرر واحد وهو ان ايران تريد نشر المذهب الشيعي بالمنطقة كما تفعل مع اليمن .
هذه العينة من سياسة ترامب وحكام الخليج هي التي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بمرحلة الإنهيار العراقي التام لكل شروط التقدم بالعملية السياسية , لذلك نرى السياسيين جميعآ ملتزمين ببناء شكل واحد من السياسة للخروج من تاثيرات سياسة ترامب ومن قبله اوباما وربما من بعده الرئيس الجديد بايدن , ذلك الشكل هو محاربة الفساد بالظاهر فقط من دون عزم للقضاء عليه من الداخل أو حتى الإفشاء بأسماء الضالعين فيه لتستمر العملية السياسية بالفشل بينما الفاسدون يشيّدون ثرواتهم وهي لاتعدو ان تكون رمزا للفساد الذي مُني به العراق منذ 2003 .
ان فشل السياسة التي اتبعها ترامب ومعها السياسة الخليجية ضد ايران طيلة فترة رئاسته وفشلت معها كل العقوبات الإقتصادية يدل على ان ترامب لم يكن مع اعضاء إدارته على مستوى من الوعي السياسي المفتوح , بل كانت كل اهتماماته السياسية تهدف الى ثلاثة امور , الأول هو الوقوف بالضد من استمرار منجزات الحزب الديمقراطي بقيادة سلفه الرئيس اوباما بإعتبارها منجزات شخصية وحزبية ,
وثانيآ , تعزيز شأن الكيان الصهيوني وذلك بإعترافه بمرتفعات الجولان السورية وإعترافه بالقدس عاصمة للكيان الغاصب وتحفيز حكام الخليج على التطبيع معه , وثالثآ , تعزيز إقتصاد امريكا وذلك عن طريق إنسحابه من المعاهدات والأتفاقيات والمنظمات الدولية وحجب المستحقات المالية عنها , وخلق الحروب الإقتصادية مع الصين ولاشيء غير ذلك .
ولو لم يكن وعي ترامب السياسي مغلقآ وهو شخصيآ متهورآ ونرجسيآ لما لجأ الى هذه العينة السياسية المتمثلة بالكذب وإغراق نفسه مع بومبيو الى حد الإبتذال في بحر الكذب وفشله بالوصول الى حل عقلاني مع ايران أو إتفاق جديد إيجابي ودبلوماسي وفي كافة المجالات الدولية ليهيأ كرسي الرئاسة للرئيس المقبل بايدن بمناخ يستطيع مزاولة عمله لصالح بلده بدلآ من المناخ المعتم الذي وضعه فيه . وهذا الوعي المغلق ينطبق على السياسيين العراقيين الذين مازالوا يبحثون عن العينة السياسية التي تتيح لهم إيجاد خرم الأبرة ليخيطوا بها ثوب الفساد الطاعن .