منذ دخول الاحتلال الأميركي إلى العراق عام 2003 وحتى اليوم، كان الصوت الأعلى والدم الأغزر في مواجهة هذا الوجود هو صوت الشيعة ودماء أبنائهم. القوى الشيعية السياسية والفصائل المقاومة كانت وما زالت رأس الحربة في مشروع التحرر الوطني، فيما اكتفى كثير من شركاء الوطن بالفرجة أو الاصطفاف مع المشروع الأميركي من خلف الكواليس، بل إن بعضهم اعتبر الوجود الأجنبي “ضمانةً” لمصالحه السياسية!
هنا لا نتحدث عن رأي سياسي أو تحليل إعلامي، بل عن حقائق مثبتة بدماء آلاف الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال الأميركي. كان الشيعي أول من لبّى نداء المقاومة، وأول من حمل السلاح دفاعاً عن الأرض والسيادة، بينما اكتفى غيره بالصمت أو التبرير أو التنصل.
لكن الحقيقة المؤلمة أن العراق ليس ملكاً للشيعة وحدهم، والسيادة ليست قضية طائفة دون أخرى، بل هي مسؤولية مشتركة يتحملها الجميع: شيعة وسنة وكرد وتركمان. فهل يُعقل أن يبقى الشيعة وحدهم في ساحة المواجهة، بينما الآخرون ينتظرون النتائج؟
على القوى السنية أن تخرج من عقدة الماضي، وأن تضع حساباتها الوطنية فوق أي حساب آخر. لم يعد مقبولاً أن يظل موقفها متردداً أو مهادناً للوجود الأميركي. وعلى القوى الكردية أن تدرك أن الرهان على الوجود الأجنبي لن يصنع استقراراً في كردستان، بل سيجعلها ساحة صراع دولي مستمر.
إن الإنصاف يقتضي أن يُقال بوضوح: لولا موقف القوى الشيعية ومقاومتها البطولية، لبقيت القواعد الأميركية تنتشر في كل مدينة عراقية، ولظل القرار الوطني مرهوناً بالسفارة الأميركية. وهذا ليس خطاباً طائفياً، بل هو وصف لواقع يعرفه الجميع.
اليوم، إذا كان الشيعة قد أدّوا واجبهم وما زالوا يتحملون الكلفة الباهظة، فإن الواجب يحتم على السنة والكرد أن يقفوا الموقف نفسه، وأن يُظهروا للعالم أن العراقيين جميعاً، بمختلف قومياتهم ومذاهبهم، يرفضون بقاء أي وجود أجنبي يعبث بسيادة العراق.
السيادة ليست شعاراً للاستهلاك، بل امتحان وطني كبير. والنجاح فيه لا يُسجّل لطرف دون آخر، بل يُسجَّل للعراق كله إذا ما تحمّل الجميع مسؤوليتهم.