لا يزال موضوع السيادة يملى الفضاء السياسي والاجتماعي العراقي ضجيجاً منذ سنوات ما بعد سقوط النظام السابق والى اليوم حيث اصبح هذا التاريخ علامة لعدد من المسائل المثيرة للجدل، فبعد احتلال العراق انقسمت الطبقة السياسية بجميع تياراتها الى قسمين: القسم الاول: يرى ان العراق بلد منتهك السيادة، وانه محتل من قبل القوات الامريكية وحلفائها، في حين كان القسم الثاني يرى ان الوجود العسكري يمثل تحريراً للبلد الذي عرف الاستبداد منذ الخمسينات وحتى ما يعده هذا التوجه بالتحرير من قبل الولايات المتحدة، وقد كان القسمين مع اول حكومة منتخبة امام حالة مرضية تمثلت بنقل السيادة بمعناها السياسي الى الحكومة العراقية والسلطة التشريعية المنتخبة من قبل العراقيون، واستطاع القسم الاول منذ في بدايات عام2011ان يعقد اتفاقا مع القوات الامريكية يقضي بانسحاب كامل للقوات العسكرية للولايات المتحدة وبعض حلفائها آنذاك، وبعد ذلك تمثل الخرق للسيادة العراقية بالتدخل الاجنبي الاقليمي والدولي في الضغط على الاحزاب والكتل السياسية في تنفيذ بعض الاجندات تلبيه لعوامل الصراع الاقليمي حول النفوذ الجغرافي والسياسية من هنا راينا هناك من يسعى الى الحفاظ على الواقع السياسي بعده الانظمة المستبدة في ظل الضغط الشعبي وهناك من يدعم سقوطها اثناء ما عرف بحراك الربيع العربي، من هنا تحولت اغلب البلدان العربية ومنها العراق من اطار الدولة البوليسية الاستبدادية الى الدول الهشة، عندما ضعفت ادوات السلطة حلت محالها ادوات اخرى وابرز العنصر الخارجي، وهذا الامر تكرر ايضا مع ارهاب التنظيمات الجهادي التي اجتاحت بعض البلدان العربية حيث جعلت تلك الدول بحاجة الى معونة الدول المسيطرة وهنا لا نتكلم عن المساعدة في اطراها الاعتيادي، وانما عن حالات مختلفة يطفو على افاقها الصراع الاقليمي كتكتلات متناقضة ومتصارعة، وقد انقسمت القوى السياسية العراقيين ايضا الى قسمين: قسما يراها مسالة اعتيادية تدخل في باب مساعدة العراق في محنته والاصطفاف مع القوى الاقليمية الموحدة أيديولوجيا، وسياسيا في اطار سياسة المحاور، ورغم هذه المحاور يتفقون احيانا على محاربة الارهاب وقد يتفاهمون احيانا اخر في تفاصيل الاشتباك الا انهم يتبادلان التهم حول بعض المسائل كدعم الارهاب او تمويله، او العمل على خلق نفوذ لصالح هذا الطرف او ذلك وهو في حقيقته صراع حول المصالح، ومع انتصار العراقيون على التنظيمات الارهابية لاتزال الطبقة السياسية والدينية تعيش جدل السيادة لاسيما قبل وبعد استهداف عدد من القادة العراقيين والايرانيين قرب مطار بغداد بغارة جوية امريكية ضمت كلا من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس واخرون، لتردّ طهران بشن هجوم بصواريخ بالستية على قاعدتين عسكريتين تستضيفان جنوداً أمريكيين في الأنبار غرب بغداد وأربيل(شمال العراق). وأثار النزاع الأمريكي الإيراني غضباً شعبياً وحكومياً واسعاً في العراق وايران، وسط مخاوف من تحول البلد إلى ساحة نزاع مفتوحة أمام الولايات المتحدة، ففي خطبة الجمعة الاخيرة بتاريخ 10كانون الثاني انتقد السيد علي السيستاني اعلى مرجعية دينية في العراق، ضعف السلطات العراقية في مواجهة انتهاكات السيادة الوطنية وجعله ساحة للنزاع، في إشارة الى التوتر بين إيران وأمريكا. وقال السيد السيستاني، إن”ما وقع في الأيام الاخيرة من اعتداءات خطيرة وانتهاكات متكررة للسيادة العراقية مع ضعف ظاهر للسلطات المعنية في حماية البلد وأهله من تلك الاعتداءات والانتهاكات جزء من تداعيات الأزمة(الداخلية) الراهنة”، وأردف بالقول، إن استمرار الأزمة الداخلية وإصرار الأطراف على مواقفها من شأنه مفاقمة المشاكل في مختلف جوانبها، وأن يفسح المجال للآخرين بمزيد من التدخل في شؤون البلد وانتهاز الفرصة لتحقيق مطامعهم”. وطالب السيد السيستاني الجميع، بـ”وضع حل للأزمة الحالية بالاستجابة لمتطلبات الإصلاح للخروج من الأزمة”، ودعا الأطراف المعنية، إلى “الارتقاء لمستوى المسؤولية الوطنية ولا يضيعوا فرصة التوصل الى رؤية جامعة لمستقبل يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته”.
المرجعية الدينية التي سارعت في ادانة اغتيال القائدين ورفاقها ومشيده بدورهما في تحرير العراق من ارهاب تنظيم داعش، سارعت في الخطبة الاخيرة برفض كل عمل يمس السيادة العراقية وتحويل البلد الى ساحة لتصفيه الحسابات بين المحاور المتصارعة انطلاقا من خصوصية الدولة العراقية العاجة المشاكل وينتظر شعبها بفارق الصبر معالجة كل هذه المشاكل والاسراع في بناء الدولة وتحسين ملف الخدمات، ويبدو من خطاب المرجعية الدينية مايلي:
1. في خطابها هذا تريد المرجعية الدينية ان توكد على مواقفها السابقة الداعية الى سيادة العراق على نفسه، من دون منازع خارجي.
2. ادراكها ان أي صراع اقليمي وفق المحاور الحالية سيدمر ما تبقى من الدولة العراقية ويرهق بنيتها المتأكلة واقتصادها الريعي.
3. سيوفر التدخل الخارجي ملاذ كبير للتدخلات اخرى من اطراف تريد من العراق ان يتحول الى ارض للحرب الوكالة في ظل ازمة السلطة والفراغ الدستوري على مستوى الحكومة، والاحتجاجات التي تضرب عدد من مدن العراق في الوسط والجنوب.
4. ان انتهاك السياد سيوثر سلبا على بنية القوى الامنية المسلحة بالتالي سيهدد الامن الوطني العراق خاصة تهديد التنظيمات الارهابية.
5. ومن ثم ليس للعراق والعراقيون اذا ما ارادوا بناء دولتهم ليس لهم الا ان يبعدوا انفسهم ودولتهم عن أي صراع محتمل او جعل العراق منطلقا لحروب المحاور لاسيما في ظل الانقسام السياسي والمكوناتي، وتشتت الآراء حول القضايا المصيرية مما يجعل العراق في ظل هذه التحديات امام سيناريوهات خطرة قد تهدد وحدة أراضيه واقتصاده.