19 ديسمبر، 2024 3:13 م

السيادة العراقية ومسعود واللعب مع الكبر

السيادة العراقية ومسعود واللعب مع الكبر

لا يوجد عراقي وطني نزيه وشريف لا يحزن ويأسف لما وصل إليه حال وطنه وشعبه في هذا الزمن الرديء الذي أصبح فيه التطاول على سيادته وكرامته ووحدة أراضيه أمرا عاديا يفعله الصدبق والشقيق والقريب والبعيد متى شاء.  

وليس لصواريخ الحرس الثوري الإيراني ومسيَّراته المرسلة إلى أربيل، تحديدا، سوى معنى واحد، هو أن النظام الإيراني الذي وضعته الثورة الإيرانية الشعبية في مأزق حقيقي صعب ودفعت به إلى محاولة جعلها حركة تمرد كردية انفصالية محصورة في مدن كردستان إيران المحاذية لكردستان العراق، وتحميل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني مسؤولية إمدادها بالرجال والمال والسلاح.

أنها عدوان غادر ليس على أطفال كردستان ونسائه وشيوخه، بل على الشعب العراقي وكرامته وهيبة دولته، دون نقاش.

ولكن حين يهدد الذي يبكي على السيادة الوطنية العراقية باللجوء إلى طلب الحماية الدولية إنما يستعين على الحرس الثوري الإيراني بحرس ثوري دولي، ويزيد تلك السيادة وأهلها مزيدا من الانتهاك والمذلة والهوان.

فقد أعلن القيادي في الحزب، نائب رئيس البرلمان الاتحادي العراقي، شاخوان عبد الله، في تصريح لوسائل إعلام تابعة لحزبه، “إذا استمر ضعف الحكومة الاتحادية بهذه الطريقة، ولم تتمكن من حماية سيادة البلاد، فإن جميع الأبواب مفتوحة أمام حكومة إقليم كردستان، بما فيها الطلب من المجتمع الدولي حماية الأرض والاجواء، عبر القنوات الدولية“.

ونسأل، من الذي فتَّ في عضد هذه البلاد، وأضعفها، وجعلها أرضا مشاعة لمن هب ودب؟ أليس هو من ارتضى أن يغدر بأهله، ويتعالى عليهم، ويتمرد على دولتهم، ويستقوي بأعدائهم، ويتوهم بقدرته على فرض إرادته، وهو الصغير، على اللاعبين الكبار؟.

ثم، ماذا عن صمت حلفائه القدامى من أيام المعارضة العراقية السابقة، وشركائه في ائتلاف إدارة الدولة الحالي، وهم يرون الأطفال والنساء والمزارعين يتقافزون هربا من نيران وليهم الفقيه؟.

في 30 تموز/ يوليو الماضي فوجيء العراقيون بصاروخ أطلقه مجهول على منتجع سياحي في دهوك، وقبل أن يَنتظروا تحقيقا مهنيا غير مسيس لتحديد الفاعل، ورغم نفي الحكومة التركية الفوري مسؤوليتَها عن الجريمة، واتهام وزير خارجيتها حزبَ العمال الكردستاني بتنفيذ الضربة، هاجت الساحة العراقية وماجت، وعلى الفور، واشتعل قادة الأحزاب والكتل والفصائل والحشد الشعبي غضبا، وتداعوا إلى إجراءات انتقامية (تأديبية) حكومية وحزبية وشعبية غير مسبوقة ضد تركيا، حتى لم تبق فضائية ولا إذاعة ولا جريدة ولا حسينية إلا وراحت تترحم على أرواح ضحايا الصاروخ، وتتفنن في البكاء على السيادة الوطنية المنتهكة، وتطالب بغلق السفارة التركية، وتقديم شكوى عاجلة لدى الأمم المتحدة، وهو صاروخ واحد قد يكون تركيّاً، وقد لا يكون.

أما اليوم، وقد أعلن الحرس الثوري، بشمم ودون خوف ولا حياء، عن قيامه بقصف كردستان العراق بسبعين صاروخا وبعدد من المسيرات، وتوعد بالمزيد منها، فإن بعضا من سكان البيت الشيعي العراقي صمَت صمت القبور، والبعض الآخر الذي تكلم منهم راح يطالب بالدليل على سقوط ضحايا مدنيين، ويبرر العدوان بدفاعٍ مشروع عن النفس.

بالمناسبة، لقد تزامن إرسال حزمة صواريخ الحرس الثوري إلى أربيل، تحديدا، مع الذكرى الخامسة لاستفتاء كاكا مسعود البرزاني على الانفصال.

وبهذه الذكرى العزيزة على قلبه خطب الرئيس وأعلن، بشجاعة وكبرياء، أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، وهدد، بعنفوان وجبروت، بالصعود إلى الجبال، ملوحا بالكونفيدرالية التي لا تقوم إلا بين دولتين مستقلتين. 

ولكنه بعد أربع وعشرين ساعة تلقى صواريخ الشقيقة المجاهدة فلم يجد ما يرد به على هذا العدوان الغادر، وعلى تهديدات الحرس الثوري بالمزيد منها، سوى أن يهدد باللجوء إلى طلب الحماية الدولية، “إذا لم ترتدع ولاية الفقيه وتأمر بوقف هذا العدوان الغاشم على السيادة الوطنية العراقية”، قبل فوات الأوان.

ويسأل حزبُ جماعة أربيل حلفاءه في ائتلاف إدارة الدولة الجديد “هل ستسكتون لو أن دولة أخرى قصفت بغداد بحجة وجود لاجئين عزّل من تلك الدولة فيها؟”، ثم قال لهم إن “قبول التدخلات الخارجية وانتهاك السيادة مسألة مبدأ، وعدم السماح لدولة ما بالتدخل لايعني السماح للأخرى”. ثم ذكّرَهم بـأن: “الوطنية ليست شعارات”.

والحقيقة هي أن عدوان الحرس الثوري كان يمكن أن يتلقى الرد الحازم والحاسم الأبيَّ الشجاع دفاعا عن السيادة الوطنية العراقية المقدسة فقط لو أبقى قادة العملية السياسية الشيعة والسنة والكرد سيادة حقيقية لكي يدافع عنها العراقيون.

وكان على القادة الكرد، قبل أن ينزعجوا من سكوت شركائهم في المحاصصة، أن يستحوا هم، أولا، ويُطئطئوا رؤوسهم اعتذارا لشعبهم الذي خدعوه بشعاراتهم القومية الفارغة، ووعدوه بالحرية والاستقلال، وبعضلات حلفائهم الأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين والفرنسيين.

حتى وهو يرى أن أقصى ما فعلته الولايات المتحدة، رغم مقتل مواطن أمريكي  بهجوم الحرس الثوري على كردستان العراق بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، هو أنها شجبته بقوة، ووصفته بأنه “انتهاك غير مبرر لسيادة العراق ووحدة أراضيه”، رغم أن اتفاقية الدفاع المشترك لم يجف الحبر الذي كتبت به، ورغم وجود عساكر الأمريكيين في عقر دار الرئيس البرزاني.

أما الموقف البطولي الشجاع الذي وقفته وزارة خارجية كاكا فؤاد حسين، فهو إقدامها على استدعاء سفير الشقيقة الكبرى إيران، وتسليمه مذكرة احتجاج (شديدة اللهجة)، وكفى الله المؤمنين شر القتال، فالعين بصيرة واليد قصيرة أمام الجنرال اسماعيل قاءاني وأحزابه العراقية ومليشياته التي لا ترحم.

طبعا، إن من غير المتوقع أن يتوقف الحرس الثوري عن قصف قرى ومدن الإقليم حتى تتوقف انتفاضة الجماهير الإيرانية المشتعلة عى كامل التراب الإيراني، ليوهم المتظاهرين بأن طرفا خارجيا وراء إشعالهاوليستثير فيهم الحمية القومية الفارسية، كما اعتاد أن يفعلفي عشرات أمثاله في السنين السابقة.

ولكن محللين كثيرين يعتقدون بأن هذه الصواريخ والمسيرات رسائل مشفرة مرسلة لمسعود البرزاني، تحديدا، تريد منه أن يتوقف عن استعراض العضلات، وأن يعود إلى أحضان الإطار التنسيقي في بغداد، حليفا ساكتا راضيا مرضيا، كما كان.

أحدث المقالات

أحدث المقالات