19 ديسمبر، 2024 8:15 ص

السيادة العراقية …والهذيان الحكومي

السيادة العراقية …والهذيان الحكومي

تعني السيادة ، ببساطة ، ان تكون الدولة صاحبة قرار خارجي وداخلي مستقل ، وان تمتلك الامكانات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية لفرض هذه السيادة ومنع اي طرف خارجي من التدخل في الشؤون الداخلية للدولة

نأتي الى واقع حالنا لنتسائل : هل العراق اليوم دولة مستقلة ؟ وهل هو قادر على حماية امنه الداخلي والخارجي ومصالحه الحيوية بامكاناته الذاتية ؟ وهل النخبة السياسية الحاكمة تمثل بحق كل مكونات الشعب واطيافه

وتطلعاته ؟ وهل هي قادرة حقا ان تمارس السلطة بضمير وطني خالص بعيد عن الولاءات والضغوطات الخارجية ؟ بمعنى هل تستطيع الحكومة حتى وان ارادت ان تكون مستقلة القرار في الداخل والخارج ؟

في العشر سنوات ونيّف السابقة هل حافظت الحكومات على مصالح البلد العليا ووحدته الاقليمية وتماسكه الداخلي ؟ هل عملت لتقريب مكونات الشعب مع بعضها ام على شحن عوامل البغضاء والكراهية والانقسام فيما بيتها؟

واقع الحال يشير الى ان العراق وبسبب ارتباطات النخب السياسية وولاءاتها الخارجية ، اصبح “ حايط نصيص” لكل من هب ودب : دول الجوار القريب والبعيد كلها تتدخل في شؤوننا الداخلية ، ولهذه الدول ولاميركا والدول الكبرى

أزلامها في السلطة وفي الاحزاب المؤثرة وفي الفعاليات الشعبية والعشائرية وغيرها تنوب عنها في الداخل في تحقيق اجنداتها المتناقضة والمتصارعة …وصار العراق حلبة صراعات هذه الدول ومكسر عصا بين عصبة الهلال الشيعي والمشروع السني المنافس له .

حدود العراق مستباحة : فلا سيطرة حقيقية للدولة عليها وحتى المنافذ الرسمية تخضع لسيطرة الميليشيات والاحزاب المتنفذة ….ويذرعها جيئة وذهابا المهربون والمسلحون والجهاديون الذين تجشموا عناء السفر من مناطق بعيدة للمشاركة في حملة ذبح العراقيين بالساطور والمفخخات والكواتم .

ميليشيات مدعومة علنا من من دولة مجاورة لا تخضع لسلطة الدولة وتجد نفسها اقوى من الدولة وفوق قانونها

تمارس التطهير العرقي من قتل وخطف وسرقة وتحمي مافيات الفساد وتستعرض في الشوارع بكامل اسلحتها الخفيفة والثقيلة …..فهل من دولة تحترم نفسها وتعتز بسيادتها تقبل بذلك ؟

القاعدة صالت وجالت مع مجاهديها الذين استجلبهم الغزو الاميركي للبلد ، وظلت الحكومة ترمي بالتهم الجزاف على مثلث الرعب – القاعدة والبعث الاجرامي والصداميين – ويتحفنا الناطق الرسمي باسم القائد العام كل يوم ببشرى قتل المئات من الارهابيين واسر المئات الاخرى حتى صارت المقابر والسجون لا تتسع لهم ….نتفاجأ ونحن نهيّأ انفسنا ليوم الظفر المجيد بالظهور الهوليودي لـ “ داعش “ – الوليد غير الشرعي والاشرس للقاعدة ( فهل كنا نراقب الامور بجدية ؟) لتقلب الامور راسا على عقب بيوم وليلة وتحتل ثلث العراق وتستولي على سلاح وعتاد 3 فرق عسكرية كاملة كان اقل من نصفها كافيا لاحتلال دولة الكويت بـ 12 ساعة عام 1990 .

وبعد ان كانت الدولة تتغنى بـ “ صولات الفرسان “ لانهاء وجود الميليشيات التي اصبحت دولة موازية ومنافسة للدولة ، نرى الحكومة تسارع لهذه الميليشيات لنجدتها وتعلن الحشد الشعبي وكأننا دولة عشائر من العصر الجاهلي حين كان الاعتماد على الفزعة وليس دولة ديمقراطية ذات سيادة وجيش …فيرتفع عدد الميليشيات الى 50 بلا ضوابط ولا

قيادة …يمارس بعضها السلب والقتل بنفس طائفي شوه الفزعة الحقيقة للمخلصين الحقيقيين .

وبعد ان تغنت حكومة المالكي بانها حققت انجازا كبيرا “ بارغام “ اميركا على الخروج عسكريا من العراق عام 2008 ( ودعت العراقيين للاحتفال بذلك واحد اللوكيين اقترح ان يكون تاريخ توقيع اتفاقية الانسحاب الاميركي من العراق عيدا وطنيا ) ، وان ذلك عزز استقلال البلد وسيادته ، وجدت نفسها في وضع مهين وهي تتوسل غازي الامس المطرود للعودة مرة ثانية لانقاذها ولكن هذه المرة بشروطه المذلة ، والانكى انها راحت تبعث بالدعوات المجانية لكل دول العالم أن هلمو الى حملة العمل الشعبي لقصف العراق لكل من استطاع الى ذلك سبيلا ….فتجمعت كل ملة الكفر والتدليس مرة ثانية في تحالف دولي مريب ظاهره مقاتلة داعش التي لا يستدعي قتالها هذه العدة وهذا العديد ولا هذه المدة الزمنية الطويلة المعلنة لقتالها الا ان يكون وراء هذا التحالف ماوراءه من اجندة مخفية ….لكن المهم ان العراق سيكون هدفا للقصف والقتل والتخريب طيلة فترة قادمة لا يعرف مداها ونهايتها الا الله والضالعون في الامر .

كل المخابرات الاقليمية والدولية تعمل على ارض العراق …….والقوات الايرانية موجودة داخل العراق وفي كردستان …والمستشارون ( وهي الصيغة المخخة لمصطلح الجواسيس والمخابرات ) موجودون في المفاصل الحساسة من الا

ستخبارات العراقية والقوات المسلحة وينسقون مع الميليشيات وبعض احزاب السلطة علنا وبرضى اميركي خفي . والموساد يلاحق علماء العراق ويغذي القتل الطائفي …ومخابرات تركيا ودول الخليج واميركا تشرف ميدانيا على عمل عملائها ، ولم يعد هذا بالامر الصعب على الرؤيا والفهم ….فالمنطقة مركز صراعات معقدة واي وجود لطرف يستدعي بالضرورة وجود للطرف المناوئ له ضمن لعبة توازنات القوى …

الارهابيون من اصحاب دولة الخلافة يشكلون ولاياتهم والمعارك على بعد بضعة كيلومترات عن العاصمة ولم تستطع قواتنا ( لنقص التدريب والتسليح وضعف القيادة ) طيلة سنة من تحرير الفلوجة التي تبعد 50 كم عن بغداد فكم سيستغرق تحرير باقي مناطق الخلافة؟.

الارهابيون يتقدمون ويحاصرون قطعات عسكرية ويذبحون جنودها وسلطة الدولة تتقلص وتختفي في مناطق كثيرةةواجهزتنا الرسمية مازالت تلقي باللائمة على شياطين خفيين واصبحت تهمة داعش والدواعش تلقى جزافا على كل من يفتح فمه بكلمة حق فيما الدواعش الاصليون ماضون في معركتهم “ المقدسة “ .

الكيان الكردي في الشمال لا ينتمي لجمهورية العراق الا بالاسم فيما لا يرفع العلم الوطني داخله ولا فوق مقرات واليات جيشه المستقل تماما عن المركز ….يصدر النفط ويشتري الاسلحة ويصادر اسلحة الجيش العراقي في كركوك وديالى استعدادا للمعركة الفاصلة القادمة مع الدولة العراقية ….ويستولي على كل كركوك ونصف نينوى وديالى وصلاح الدين ليخلق واقع حال جديد يخدم انفصاله المستقبلي ( وقد يكون من حق الاكراد الانفصال ولكن ليس من حق البرزاني ان يبني امبراطورية باستغلال ضعف الدولة العراقية وفقدانها المؤقت لسيادتها على اجزاء من البلد )….والخيبة العسكرية في الموصل جعلت اميركا ودول الغرب تنسق سياسيا وعسكريا مباشرة مع الاقليم دون ان تعطي بغداد مجرد خبر علم … وياسلام على السيادة ….؟

كل هذا يحدث ، ويخرج علينا وزير الخارجية الجديد المعروف بانه خطيب مفوه كثير الكلام ( وان لا يفهم من حديثه شيئا في بعض الاحيان ) ليقول لنا : انه اخبر دول التحالف بان للسيادة العراقية خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها ….لكن للاسف لم يخبرنا اين هي هذه الخطوط الحمراء التي اصبحت غير مرئية في المشهد العراقي الملتبس وبعد ان صارت كل الاشارات خضراء من اول الحدود الى اخرها ؟؟؟؟ وانا متاكد ان سيادته نفسه غير قادر على تحديدها ولكن القاء الكلام على عواهنه اصبح عادة لدى المسؤولين وهو امر يظهر مدى استهانتهم بحمل المسؤولية الخطير .

بدوره ادلى رئيس الوزراء بدلوه ليخبرنا انه اخبر بدوره القيادة الاميركية ان العراق لا يوافق على مشاركة دول عربية في الحملة على داعش في العراق ….فاذا كانت كل دول العالم قد تم دعوتها الى مائدة اللئام لنهش العراق فهل توقف الامرعلى ولد الخايبة العرب حتى لا ياخذوا لهم “ ورج “ فيها ؟ وهل حلال على ايران وبقية دول العالم المشاركة وحرام عليهم ؟ انا اعتبرها بصراحة تفرقة عنصرية على منظمة حقوق الانسان التدخل لادانتها …ومع ذلك نسأل السياسيين الالمعيين ..ماهو خط طيران طائرات السعودية ومشيخات الخليج الاخرى في ذهابها وايابها لقصف الاهداف داخل سوريا وبالقرب من حدود العراق الغربية ؟ الا تمر في اجوائنا ؟ ام هذه لا تعتبر انتهاكا للسيادة او لا تعتبر مشاركة عربية ؟

ثم فوق كل هذا وذاك يخرج علينا فخامة الرئيس معصوم ليقول ان التدخل البري ينتهك سيادة العراق….وكأن السيادة تقاس هوائيا وبريا …..فانتهاك السماء ، والقاء القنابل منها على الارض والبشر والبنية التحتية ليس انتهاكا للسيادة ؟ ومع ذلك نقول من اين تقلع وتهبط طائرات الاباتشي الاميركية في غاراتها ومن يديرها …اليست طواقمها كلها على الارض العراقية ؟ وماهو دور 1600 مستشار عسكري اميركي على الارض ، وغرفة التنسيق المشتركة الاميركية في اربيل ؟ والجنود الاستراليون والاميركيون الذين سياتون للعراق …ياترى سياتون للسياحة والتفرج على اثارنا ام للمشاركة في العمليات البرية ؟ الا ينتهك هذا سيادتنا البرية ياحظرة العبقري ؟

ويبقى أمر اخير

الجنسية في بلد تعني هوية الانتماء لشعبه وتاريخه والارتباط الروحي به ….وكما ان منح الجنسية يعطي حقوق المواطنة للفرد فانه يفرض عليه التزامات منها الاخلاص للبلد وتلبية خدمة العلم دفاعا عنه عند الضرورة ….ازدواج الجنسية غير مسموح به في اي بلد للذين يتسلمون مناصب خطيرة ، وقد اقر دستورنا – على علاته ذلك – وحتى اسرائيل التي تسمح بازدواج الجنسية تبقي الامر في مستوى الرتب الدنيا في الجيش ….وهل بعمرك سمعت بان رئيس فرنسا او اميركا عراقي الجنسية ؟

لننظر الى دولتنا : رئيس الجمهورية من تابعية صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا ، وكذا حال رئيس الوزراء ، ووزير المالية ( زيباري ) ووزير التعليم العالي ( الشهرستاني ) ووزير الخارجية ( الجعفري ) ونائب رئيس الوزراء ( الاعرجي ) ، ونائب رئيس الجمهورية ( اياد علاوي ) وحفنة من الوزراء والوكلاء من حملة الجنسيات البريطانية والدانماركية والكندية …. يعني

كل الذي يمسك بالسلطة اليوم استيراد ولو كان لهم حظ في البلد الذي منحهم الجنسية الجديدة لما صدروا خيبتهم الينا وكأن العراق قد انقطع نسله لنستورد من يحكمنا وهم الذي تقبلوا ان يكون بلدا اخرا موطنا لهم ( وبلا تصديع الراس بمقالات المعارضة والضرورات القاهرة ….فمن قبل لنفسه وطنا اخر يعني قبوله التخلي عن حقوق المواطنة ، وهناك الالاف الذين بقوا على عراقيتهم في المهاجر والاف من تجنس لكنه لم يأتي الينا مطالبا بمنصب وثأر ) .

يعني ان سيادتنا من فوق منقوصة ومخالفة للدستور فكيف تريدون “ ترقيع “ السيادة من تحت …وكل السادة اعلاه يعاقبهم القانون العراقي بجرم الهروب من الخدمة العسكرية ( وتذكروا ان احد المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية فيلا مصر خيرت الشاطر منعته المحكمة من الترشح للمنصب لان جنسية امه اميركية واخر لتهربه من تادية الخدمة العسكرية ) ، فلماذا  يصح عندنا ماتحرمه كل شرائع العالم …..هل السيادة الوطنية للعراق حالها كحال باقي الشعارات خاضعة لبازار البازار المحاصصة والتفقّه من قبل الدهاقنة سياسيي اخر وقت ؟ وهل بعد خراب العراق وتمزيقه حصص بين ذئاب الغابة الجائعة تأتون لتتفتون لنا بمقاييس جديدة للسيادة ؟

رجاءا لا تتكلموا عن السيادة فهي نكتة لا تضحك احدا

أحدث المقالات

أحدث المقالات