23 ديسمبر، 2024 4:41 ص

السويد .. شيء عنها

السويد .. شيء عنها

أيار عام ١٩٨٩ . وصلت من سوريا ( دمشق ) . بجواز يمني يعتبر محترم أنذاك . حصلت عليه من السفارة اليمنية في دمشق بجهود رفاق وأصدقاء خيريين . الى العاصمة التشيكية ( براغ ) . وجهتي مملكة السويد لاجئاً يبحث عن متسع حتى لو كان ضيقاً أو هامشياً من الحرية وحرية الكلام والعيش الأمن بعد أن ذقت الجوع والمرارة والخوف من المجهول في العاصمتين طهران ودمشق .
حدث هذا , بعد أخر عملية أنفال عام ١٩٨٨ عقب أنتهاء الحرب العراقية الايرانية . وترك مواقع النضال .
أنا لم أعرف .. لماذا أختارت مملكة السويد في اللجوء ؟. ربما جملة خطوات من العلاقات ( الهامشية ) . هي التي قادتني لا على التعيين الى ذلك . في يومها , كان على أرض الشام أراء مخالفة ومضادة من عملية اللجوء , لسبب ساذج سوف نكون بعيدين عن أرض وهموم الوطن , سوف ننصهر في بوتقة الامبريالية , لكن للطريفة عن هؤلاء المدعيين سبقونا الى دول اللجوء .
في براغ .. أستقبلني المرحوم عامر عبدالله بأهتمام ورعاية كبيرين . كانت العاصمة التشيكية ( براغ ) . ليس بعيدة جغرافياً ولا حتى سياسياً عن تطورات الوضع القائم . كان في يومها تتصاعد الأحداث بأتجاه الانفجار المدوي في حياة شعوب المنظومة الاشتراكية بعد أن أنهكتها قيود الحرب الباردة وخنق الحريات في تراتيب المنظومة الاشتراكية .
نخرج يومياً نمشي في شوارع براغ لنرى بأم أعيننا حركة الشباب ونمط العلاقات وطبيعتها والشوارع النظيفة المشجرة .
سألني المرحوم عامر عبدالله .. هل تعرف شيء عن السويد أقتصادياً وسياسياً ؟.
حدود معرفتي بها سياسياً ضمن دائرة الغرب والمصالح الامبريالية وحدودها ضمن هذه الدائرة أمريكيا وسياستها .
أجتماعياً مبنية على قاعدة كبيرة من الحريات العامة والصحافة الحرة وحرية التفكير .
وأقتصادياً ضمانات صحية وأجتماعية وخدمات عامة وطرق عيش متطورة ومضمونة . هنا توقف المرحوم أبو عبدالله في الحديث عن نظام الضرائب القاسي في السويد وموضوعة فائض القيمة ونظام ماركس في البناء الاقتصادي . حقاً للمرة الاولى يدخلني في تفاصيل شوشت عندي كل أفكاري ومعلوماتي البسيطة عن نمطية العلاقات الاقتصادية في السويد وطرق بنائها .
تقودني الصدفة في أستقراري السويدي أن أعمل بهذا المجال موضوع التجارة ( البزنس ) . أستيراد وتصدير وحواليه وبحكم تلك التجربة البسيطة في هذا المضمار , تعود بي تلك التجربة الى تلك الأستقراءات السياسية في شوارع براغ التي كانت تشهد غليان في قلب الوضع العام حول نمطية أطرها السياسية الرتيبة .
النظام الضريبي في السويد , ممكن اقربه للقاريء والمتابع كأي نظام مخابراتي ( شرق أوسطي ) . يخضع للتهديد وضمر المعلومات والخوف الدائم ودوامة القلق من نظام المراقبة والتساءل .. حدث مرات عديدة حولنا كجالية , وتحديداً الجالية العربية في تصادم وعدم فهم حول تفاصيل القوانيين السويدية وطرق أستخدامها في توظيف عملنا .
أغلب تلك الفئة من الجالية دخلوا هذا المضمار بدون دراية ولو بسيطة بالنظم الاقتصادية المعمول بها بالسويد , أي بدون دراسة نظرية ولا حتى خبرة عملية في مجالات العمل الواقعي اليومي .
في السويد .. المجالات مفتوحة لك في الدراسة والمعرفة من خلال مؤسسات مكاتب العمل والشؤون الاجتماعية في أعطاء لك دروس ومعرفة وخبرة بدون ثمن مادي مقابل أي مجاناً . لكن سهولة أنجازات فتح شركات ومباشرة العمل بها سهل للطامحين أن يدخلوا هذا المضمار بدون الاستعانة أو الاستفادة من الامكانيات الموجودة الممنوحة لك مجاناً . مما سهل للعديد في التصادم مع وطأة قوانيين النظام الضريبي في الدخل والربح وفائض القيمة .
السويديون .. في نظامهم الاقتصادي وقوانيين العمل به مستفادين بدرجة كبيرة فيما يخص الخدمات والضمانات الاقتصادية والصحية من البيان الشيوعي الذين صاغاه كارل ماركس ورفيقه فردريك أنجلز , ومن المدرسة الماركسية , والتي هي منهج لافكار ماركس , وهما بدورهما أستندوا في صياغته على الفلسفة الالمانية ( هيغل ) . والاقتصاد السياسي الانكليزي ( أدم سمث ) . والواقعية الاشتراكية الفرنسية ( برودون ) والمرتبطة بالتعاليم الثورية .
في وجودي في براغ من ١٥ الى ٢٥ أيار . شهدت براغ عاصفة من النشاط السياسي واللقاءات والاجتماعات والأراء المعارضة والمتفقة في الشأن السياسي العراقي بقدوم مبعوث النظام الدائم السيد مكرم الطالباني ونية النظام الغير صادقة في تقوية الجبهة الداخلية بعد أنتهاء الحرب العراقية الايرانية من خلال أدعائه بجملة أجراءات وخطوات في التعددية السياسية وحرية الرأي والصحافة وأطلاق سراح السجناء السياسيين والكشف عن المفقودين ومصير المعتقلين الذين غيبوا في السجون ووقف الاعتقال الكيفي . كانت مجرد أدعاءات أو تصريف أزمة لم يحقق منها شيء , وكان تشكيك الشيوعيين بتلك النوايا واقع حال . كنت أحضر اللقاءات في التصدي لتلك التطورات . وكان الرفاق صادقيين في تحليلاتهم حول نية وطبيعة النظام الدكتاتورية , الذي لم يقبل ولايسمح لأي طرف سياسي نظيف أن يشاركه في العمل السياسي في العراق , رغم أنها كانت فرصة ذهبية للنظام أن يخرج من عنق الزجاجة في ترتيب بيته الداخلي الذي يتداعى , لكنه ذهب وغير مأسوف عليه , رغم ما تركه للعراقيين من ويلات ومصائب ستبقى عالقة في الذاكرة الجمعية العراقية .