ما زالت الدول تعتمد مباديء السوق العام أو الشامل في تحديد جغرافية السياسات العامة للدولة في مناحي متعددة مثل الاقتصاد والامن الوطني والامان المجتمعي والسلم الاهلي .. في عراق ما بعد 2003 ظهرت محاولات متعددة لرسم هذا السوق الشامل .. لكن أي من هذه المحاولات وقعت في فخ مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة وسلاحها المنفلت والاجندات الاقليمية والدولية للاحزاب المهيمنة على السلطة.. وهكذا بقيت تلك الأوراق التي عرضها امامي الدكتور موفق الربيعي مفتخرا بمفهوم عراقي للسوق الشامل ( the grand strategy) مجرد حبرا على ورق وجهود ضائعة لمجموعة من الخبراء العراقيين الذين قاموا باعدادها .
لماذا التذكير بهذا الموضوع اليوم ؟؟
تذكرت ذلك لسببين الأول ما تثيره جعجعة السلاح التركي شمال العراق مصحوبة بهوس التصريحات والخرائط عن ضم أكثر من ثلث الاراضي العراقية بعنوان استعادة ولاية الموصل عام 2023 بعد انتهاء عمر معاهدة لوزان عام 1923 والتي قرر فيها إعادة عصبة الامم المتحدة إقرار الوضع في هذه الولاية بعد مائة عام !!
اما السبب الثاني فيتمثل في مقالة الدكتور انتوني كروزدمان الناقدة لتطبيقات السوق الشامل للولايات المتحدة الأمريكية ردا على مقالة نشرت في دورية الشؤون الخارجية الصادرة عن المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية الذي يمثل احد مطابخ السياسات العامة للولايات المتحدة الأمريكية .
لكني اجد نفسي مجبرا على استعادة مقولة الجنرال البروسي كارل فون كلاتوفيتز في كتابه المعروف ( الوجيز في الحرب) الذي حدد فكرة الفعل السوقي الشامل ورود الفعل المطلوب في التخطيط الاستراتيجي حينما قال( اذا لم تستطع السياسة التوصل الى حلول مرضية يلجآ السياسي الى الحرب وبعد صمت المدافع يبدأ التفاوض عند نقطة وقف إطلاق النار) !!
اعتقد ان هذا القول ما زال فعالا بعد قرن ونصف وربما أكثر عليه ..ومقارنته اليوم مع مدخلات السوق الشامل للدولة هو ما جعل الدكتور كروزدمان يجادل بالضد من تلك الأصوات السلبية الداعية للانسحاب الأمريكي والاهتمام بالقارتين الأمريكيتين فحسب لفرض المصالح الأمريكية من دون الالتفات لشؤون الشركاء في الشركات متعددة الجنسيات التي مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من لعب دور الرئيس العام لمجلس إدارة هذه الشركات والمدافع عن وجودها فتحول الجيش الأمريكي وقواعد وجوده وحاملات طائراته إلى ( الحامي) الذي ربما يبطش حتى بالشركاء … لكن راسمال هذه الشركات متعددة الجنسيات تبقى وحدها القادرة على تدوير عجلة الاقتصاد الأمريكي واقتصاد الشركاء وصولا إلى التاثير المتكامل على الواقع الدولي .
لذلك يشدد كروزدمان على عكس ما تضمنه مقال مجلة مجلس العلاقات الخارجية إلى اهمية إعادة صياغة السوق الأميركي الشامل المنشود بما يركز الأرباح للاقتصاد الأميركي ويعزز الرفاهية الدائمة لها .
في العودة إلى السبب الأول .. ربما هناك العديد من الدراسات القانونية عن موضوع معاهدة لوزان ومنها ما يذكر عن اتفاقية 1930 بين المملكة العراقية وبريطانيا التي تضمنت موقفا عراقيا ذكيا يحسب لنوري السعيد حينما أستخدم نفوذ لندن في عصبة الامم المتحدة باصدار قرارا امميا يخرج الموصل من مضمون توصيف اتفاق لوزان ويؤسس لسيادة عراقية كاملة على الاراضي ضمن حدوده الدولية المعترف بها .
كل ذلك ينتهي الى طاولة الحوار الاستراتيجي المنتظر جولته المقبلة في واشنطن هل نمتلك الجراءة للمطالبة كما فعل نوري السعيد لالغاء جعجعة السلاح التركي شمال العراق ام سننتظر موقفا أمريكيا يستخدم هذه الجعجعة للمساومة على وحدة الاراضي العراقية؟؟
لا أعتقد أن الاحزاب المتصدية للسلطة اليوم تمتلك عمق النظرة التي كانت عند نوري السعيد ..بل بالعكس أرى أن الكثير منهم لاسيما بعض القيادات الكردية والسنية تمضي نحو تقسيم العراق وتبحث عن ضغوط خارجية لاستحداث ما يعرف ب( التقسيم الودي للعراق) وهكذا غابت كليا تطبيقات السوق الشامل المنشود في كيان دولة عراقية لا تمتلك اليوم أي ردود أفعال على مخطط بات معلنا لالغاءه من على الخريطة فيما يبقى الكثير والكثير جدا من احزاب مفاسد المحاصصة .. تتنابز بالاسم الفسوق عن علاقاتها مع هذه الدولة أو تلك وللعراق رب يحميه ولله في خلقه شؤون!!!