يصل قاطع الصحراء عطشانا الى واحة وفيرة الماء، واقفاً أمام خيارين، هما: السيطرة على الظمأ، متريثا في تناول الماء، يروي سبخ عروقه، حتى تبتل رويدا، من دون صدمة تضره، أو يندفع بـ “لا عرفة” يعب الماء مجنونا؛ فتصيب جسده علل، تشل معظم أجهزته.. ابسطها اكياس الماء في اعضاء بعضها مميت.
ما يحصل مع وفرة ثراء العراق، هو ان هذا القادم من الصحراء، عطشانا، يلقي بنفسه في بحيرة الواحة، قاصدا الشرب، فيغرق ويموت.
التوازن مع ثراء النعم التي اغدقها الله على العراقيين غائب، جراء أخطاء متراكمة، بعضها سياسي، ومعظمها اجرائي، بسبب تلكؤ المعنيين بادارة الثروات والخدمات وتنظيم المجتمع.
وهذه خطوة بحاجة لجرأة كبرى، لا تتحملها تجاذبات السياسة التآمرية، داخل مفاصل الدولة، من نواب ووزراء وكتل سياسية وقضاء وجيش وشرطة وصناعة وزراعة.
مثلا.. نحن في تجربة تحررية بكر، سبقنا اليها الآخرين، بحوالى عشر سنوات، هل يحق لنا ان ننتهج اسلوب احد الملوك، عندما اصدر قانونا باعدام من يخترق الشارع عرضا، ولا يعبر من خطوط العبور المخصصة للمشاة.
ربما لم يطبق هذا القانون، الذي يبلغ حد النكتة: “أعدم لعبوره من غير المناطق المخصصة لعبور السابلة” لم نقرأ في وثائق تلك الدولة، ارادة ملكية بأعدام مواطن على هذا الاساس، لكن القانون موجود، لم يلغَ لحد الان، وشعبهم منتظم مثل الساعة، لم يعد الفرد، في تلك المملكة يتذكر قانونا مريعا كهذا، لكنه لن ينسَ يوما نفسه، ويخترق الشارع.
ورئيس سن قانونا قريبا من ذلك، إذ خصص مكافأة مالية، لمن يدهس عابرا من غير المناطق المخصصة لعبور المشاة.
تلكما المثلان، نموذجان للبلدان ذات التجارب الوليدة، التي تتطلع لبناء حضاري رصين، وهما تلجآن لأساليب شديدة، تقوّم أخلاق الناس، بعد ان تعودوا الانفلات، وتطبعوا على بديهة المخالفة الهوجاء ضد السلوك التأملي.
لو أن حكومة العراق، لجأت لمبدأ: “آخر الداء الكي” في محاسبة الفاسدين، باستخدام أساليب قاسية يستحقونها؛ عملا بحكمة الامام علي.. عليه السلام: “ما اقسى كلام الحق، من فم مطالب بحق” فلو قست الحكومة على المفسدين، وطالبتهم بإعادة التخصيصات الفلكية التي رصدت لمشاريع مهمة، تسلموا التخصيصات ولم ينفذوا المشاريع؟ هل ستسكت كتلهم، على اعتبار العرف العشائري ينص بأن “السودة على صاحبها”.
أما ان يحال مدير عام الدائرة الخدمية، التي ذابت فيها اموال المشاريع، الى المحكمة، او يوضع شرط جزائي على المقاول الناكل او سقف زمني للأنجاز، فهذا من رابع المستحيلات، أما شرط مطابقة المنجز، للمواصفات المنصوص عليها، في العقد المبرم بين المقاول والدائرة الخدمية، فهذا اكبر من احلام المواطنين وهم يتضورون ألما وعوزا وصعوبات عيش جراء عدم أداء الدوائر لواجباتها.
الجودة في العمل، باتت بطرا من العراقيين، إذا فكروا بها، ما جعل المجاري تفيض لأبسط زخة مطر، وطوارئ المستشفيات، تنفق مئات الالوف من الدولارات، وهي تخلو من ابرة بنسلين وحبة اسبرين، والحال اقسى في المدارس ومراجعة دوائر النفوس والجنسية والمرور وسواها.
فهل تسمح الايدي المتحكمة بمجلس النواب ان تنزع الخواتم الفضية، ذات الخرز الخضر، وتعمل لمصلحة العراق وليس لمصلحتها الشخصية؟ قبل ان تتقول بشأن قصور الحكومة بالوقت الذي تثقلها عن التخفف من اعباء فسادهم هم، وتمنعهم من محاسبة المقصرين.
فاصلحوا ذواتكم يا نواب؛ يصلح أداء الحكومة، ويستريح الشعب، مترفها بثرواته رغدا وهناء ورفاها وسعادة، واقتصادنا قادر على ترفيه العراقيين واسعادهم، لو تركتم الحكومة تشتغل.