18 ديسمبر، 2024 4:59 م

السودان تشتعل… فتش عن أمريكا

السودان تشتعل… فتش عن أمريكا

باتت الأزمة السودانية أكثر أزمات الشرق الأوسط تأزماً على خلفية استمرار الاحتجاجات التي تضرب الخرطوم منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن، خلفت ورائها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وهي أعداد في ازدياد على مدار الساعة، بعد أن فشلت قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان في الاتفاق على الانتقال إلى حكومة مدنية.

وفي ظل محاول كل طرف استخدام شبكة حلفاء نسجها خلال خلال الأعوام الماضية للحصول على الدعم المطلوب بحث و تحقيق مصالحه الخاصة، ازدادت التدخلات الخارجية، الأمر الذي أتاح المجال أمام الأجندات الأجنبية للتدخل أكثر في الشأن السوداني وزيادة اشتعال النيران هناك.

لم يعد خافياً على أحدٍ أن السودان يمر بمنعطف خطير، ويواجه أزمة لها أبعاد سياسية خطيرة، وضائقة اقتصادية خانقة، ومظاهر اجتماعية منفلتة، تتطلب جهداً مخلصاً من القيادات السودانية المؤثرة في البحث عن مشتركات بينهما، تحدث توافقاً وطنياً حول أجندات وطنية تسهم في الخروج من هذه الأزمة والوصول الى بر الأمان قبل أن تستفحل وتصبح كارثة، تهدد الوطن بمزيد من التمزيق والشتات والحروب.

منذ أن تولّت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين احتكار وضع الحلول لمشكلة السودان، أصبحت المسبّب الأول لكل المآسي والمشاكل التي تعمل على إضعاف وتقسيم السودان ، خاصة بعد التحرك الانفصالي في الجنوب المدعوم استعمارياً الذي يعد حلقة في سلسلة مخططات تتناول محاولات لتقسيم السودان ودول عربية أخرى في اطار ما يسمى اعادة تشكيل العالم العربي التي طرحها كولن باول وزير خارجية امريكا منذ العام 2002.

اليوم تحاول الولايات المتحدة الحصول على موطئ قدم لها في السودان لمواصلة أهدافها في ثالث أكبر دولة في أفريقيا- البلد الواقع على نهر النيل والبحر الأحمر، ولديه ثروات معدنية وإمكانيات زراعية، وبالمقابل رأت إسرائيل التي ظلت مرفوضة من الدول العربية، فرصة في الحصول على منفعة من الحرب، واعتراف رسمي من السودان.

وفي الوقت الذي اختارت فيه واشنطن دعم جانب ضد آخر، وأرسلت حتى الأسلحة والمعدات العسكرية، ورجّحت كفة الميزان لصالح العسكر الذين يخوضون معركة بقاء في شوارع الخرطوم، أي بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

وهنا ثمة تساؤل:ماذا تريد امريكا من السودان؟ واشنطن الان تسعي للسيطرة علي الحكومة السودانية وتشجع المتظاهرين وتشجع التمرد وتدعمه لا تريد لشعب السودان أن يقرر من يحكمه ولا تريده يبني علاقته بنفسه وبالكيفية التي يراها ويستفيد من إمكانياته، ومن هنا من أولويات السياسة الأمريكية تحويل السودان إلى حليف دائم للغرب و تعزيز النفوذ الأمريكي والسياسات الموالية له في السودان، بالإضافة الى منع توسع النفوذ الروسي والصيني بعد الخلخلة الحالية في النظام الدولي خاصة في ما يتعلق بالمنشآت البحرية والموانئ السودانية على طول البحر الأحمر، فضلاً عن اعتراف السودان بإسرائيل بعد توقيعه على اتفاقيات أبراهام، والجهود المبذولة لتعزيز العلاقات السودانية الإسرائيلية.

مجملاً…هذا الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع ليس في صالح السودان ولا في صالح مستقبله، بل إنه قد يؤدى إلى عواقب كارثية، أهمها تعميق الانقسام بين أبناء الشعب وتعزيز الفوضى الخلاقة، ما قد يؤدي إلى تشجيع النزعات الانفصالية وظهور دول متعددة جديدة.

إن ما شهدته المدن السودانية خلال الأيام الماضية من أحداث مؤلمة يجب أن يدفع بكل القوى السياسية في السودان إلى السعي للجلوس حول طاولة حوار وطني تضم الجميع ولا تستثني أحداً تبحث في قضايا السودان الصعبة وفي مطالب أبناء الشعب السوداني وتخرج بخريطة طريق تستجيب لطموحات وتطلعات أهل السودان جميعاً وتجنب السودان وشعبه الخطيئة التي وقع فيها الآخرون، كما أن الظرف الدقيق الذي يمر به السودان الذي لا يكاد يخرج من أزماته المتتابعة والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، يحتاج من الجميع إعمال منطق العقل والحكمة والبحث عن مخرج حقيقي لهذه الأزمات بما يحقق مطالب الشعب السوداني ويجنبه الوقوع في الفوضى وعدم الاستقرار، بأن يبقى السودان وطنا عزيزا قويا، لأنه يمثل العروبة فى قلب إفريقيا

وأختم بالقول: نحن كعرب نواجه اليوم مشروع كارثي جديد، بعد غزو العراق والتدخل في سورية وليبيا و… فالولايات المتحدة التي تتعرّض لخسائر استراتيجية وخططاً سياسية، تعاند الوقائع حينما تفتح جبهة جديدة في السودان، لكن ما يشجّعها على مواصلة تدمير الكيانات الوطنية العربية لمصلحة مشروع الشرق الاوسط الكبير هو تراخي العرب، لذا لا بد للدول العربية أن تتحرك بكل الوسائل للتضامن مع السودان وخاصة مصر، فالسودان بلد عربي يتعرض للتدمير الانفصالي و لالغاء هويته العربية الاسلامية .

 

وكلنا أمل في أن تتكلل كل الجهود بأن يبقى السودان وطناً عزيزاً قوياً لأنه يمثل العروبة فى قلب إفريقيا.

 

[email protected]