18 ديسمبر، 2024 8:17 م

السودان تحت ضغط التطبيع!

السودان تحت ضغط التطبيع!

عندما ترشح ترامب لرئاسة الولايات المتحدة لم يكن لديه تصور محدد لتسوية الصراع العربي-الاسرائيلي، و كل ما طرحه هو دعم دولة اسرائيل “كوطن قومي لليهود فقط” دعماً مفتوحاً بلا حد و التحامل علي المسلمين..
لذا عندما فاز ترامب فوزه الذي فاجأ العالمين رمت السعودية و حلفاءها “الامارات” بثقلهم كله لاحتواء “اضرار ترامب علي المنطقة و العالم الاسلامي” و كانت رشوة القرن و التي بلغت قيمتها نحو 400 مليار دولار و التي بعدها اختلفت لهجة ترامب و انكسرت حدتها قليلاً خصوصاً في مواجهة السعودية و الخليج..
و كانت بعدها صفقة القرن التي انطوت علي حوافز مالية “زهيدة” لقاء القبول بمجمل افكار ترامب و التي يسميها خطة و مشروع تسوية تجاوزاً! و ابرز ملامحها القبول بوضع القدس كعاصمة لاسرائيل و تأييد ضم مستوطنات الضفة المشيدة علي اراضي تم احتلالها في 1967م، و التنازل عن مبدأ حل الدولتين و الأرض مقابل السلام .. فيما لاتزال المبادئ الجديدة غير محددة أو غير واضحة “السلام مقابل السلام”!!
في مثل هذا الظرف، و في ظل فشل دبلوماسي اميركي غير مسبوق خصوصاً في ملفات ايران و كوريا الشمالية و الصين و روسيا و سياسات معادية لأوروبا و الجارتين “كندا و المكسيك” و هزيمة الولايات المتحدة دبلوماسياً في مجلس الامن بصورة غير مسبوقة “في مشروع قرار حظر الاسلحة علي ايران، حيث صوتت معها دولة واحدة فيما رفضت القرار ثلاثة عشر دولة” يجد ترامب نفسه محاصرا باستحقاق رئاسي فطفق يبحث عن انجاز سهل في الشرق الاوسط فوجد استعداد من الأمارات و معظم دول الخليج و مصر ايضاً لدعم و تسويق كل مشاريع ترامب! في حين ان الجميع يعلم ان الانجاز الحقيقي يكون في مسارات سوريا و لبنان – اسرائيل و ليست الأمارات و البحرين!! و في تسوية ازمات سوريا و اليمن و ليبيا و لبنان و العراق …
في هذا السياق جاء ميلاد حكومة السودان الجديدة و ثورته التي اطاحت بحكم البشير و الاسلامويين الذين ارهقوا اميركا و مصر و دول الخليج و اسرائيل ايضاً.. حتي انتهوا في معظمهم الي حلفاء و داعمين للبشير و حكومته بعد ان كانوا مقاطعين و محاصرين لها و ساعين الاطاحة بها! و عوض ان تجد تلك الحكومة الجديدة دعم اميركا و دول المنطقة اغري ذلك الوضع اميركا لتضغط علي السودان ليلتحق بمركب التطبيع!
في هذا السياق جاءت زيارة البرهان “رئيس مجلس السيادة الانتقالي و قائد المكون العسكري الذي مثل في أيام الاطاحة بالبشير عقبة في وجه الانتقال المدني الديمقراطي” الي اوغندا حيث التقي برئيس وزراء اسرائيل هناك،تلك الزيارة التي اعادت للأذهان زيارة البشير الي دمشق لاعادة ادماج الاسد و نظامه في منظومة حكومات المنطقة؛ ففي كلا الزيارتين كان شاغل اعلي منصب سيادي في السودان يقوم بدور المبعوث خدمةً لمصالح الاخرين و تنفيذاً لرغباتهم و ليس خدمة للمصلحة الوطنية المباشرة! كما تأتي ذات السياق اليوم زيارته للامارات، و زيارة وزير خارجية اميركا للخرطوم قبل شهر تقريباً..
هذه الضغوط الدبلوماسية التي تستغل حال الهشاشة السياسية الملازمة لفترات الانتقال و الهشاشة الاقتصادية و الأمنية و الإجتماعية الناتجة عن هيمنة جماعة الإسلام السياسي علي السلطة في السودان طيلة ثلاثة عقود؛ تلك الضغوط تتجاوز درجة الدبلوماسية لتبلغ مستوي الابتزاز الصريح و الانتهازية السياسية و تدخل صارخ في شأن سوداني و انتهاك للسيادة الوطنية..
فالسياسة الخارجية لكل دولة هي شأن وطني تحدده كل دولة وفقاً لما تمليه مصالحها الوطنية و ليست شأن خاضع للاملاء و الفرض من الخارج مستغلة حالة ضعف سياسي أو اقتصادي.. ان التطبيع و السلام مع اسرائيل المعروض أمام السودان و أمام غيره من الدول التي طبعت أو التي تنتظر بالصيغة المطروحة و بموجب شروط ترامب و صهره “كوشنر” هي اتفاقات استسلام و خضوع و ليست اتفاقات سلام و تطبيع..
بالمقابل فان الاستجابة للابتزاز و للاغراء و وضع اشتراطات مقابلة من شاكلة طلب ازالة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للارهاب و اشتراط تقديم مساعدات مليارية يعني دخول سوق مزادات و مزايدات المواقف و السياسة الدولية و بيع و طلب مقابل مباشر للمواقف الدولية و هو ذات ما كان يفعله نظام الاسلامويين و البشير في تنقله من محور بغداد الي محور طهران ثم الي محور الرياض و بيع الموقف الدولي لمن يدفع اعلي سعر؟!!
فالموقف الذي اعلنه حمدوك ابان زيارة بومبيو الاخيرة “عدم ربط ملف الارهاب بملف التطبيع” هو موقف مبدئي و صحيح و عادل، فيما وضع اشتراطات من الشاكلة التي اشرنا لها يعني قبول الابتزاز و قبول خلط الاوراق و قبول اللعب السياسي علي المسرح الدولي دون اي قواعد لعب!