22 ديسمبر، 2024 3:24 م

السوداني بين مطرقة امريكا وسندان الاطار

السوداني بين مطرقة امريكا وسندان الاطار

لهذه الحكومة التي انبثقت عن كتلة الاطار التنسيقي باعتباره الكتلة الشيعية الاكبر في البرلمان العراقي الحالي (بعد انسحاب الكتلة الصدرية) مباديء وأساسيات تعتبر من أولويات برنامجها الانتخابي والسياسي ومن هذه المباديء الذي كان شعاراً مرفوعاً للاطار التنسيقي هو شعار أخراج القوات الامريكية من الاراضي العراقية , حيث صوت في 5 يناير 2020 البرلمان العراقي بالاجماع على قرار يلزم الحكومة العراقية بإنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية لأي سبب كان، ومن الملفت للنظر أن رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني كان أحد المصوتين على هذا القرار عندما كان وقتها نائباً في البرلمان العراقي بل كان من المنددين بالتجاوزات للقوات الامريكية التي كانت تستهدف القوات الامنية العراقية على الحدود السورية التي كان يصفها بالانتهاكات الخطيرة للسيادة الوطنية العراقية ويدعو الحكومة (وقتها) للتحرك لمنع تكرار هذه التجاوزات فما حدا مما بدا ؟ فقد كانت مفاجأة للجميع ما صرح به رئيس الوزراء العراقي لصحيفة وول ستريت جنرال الاسبوع الماضي بتأييده لبقاء القوات الاجنبية في العراق لوقت غير محدد، فهذا التصريح يخالف التعهدات والشعارات التي كان ترفعها الاحزاب والكتل التي تشكل كتلة الاطار التنسيقي وتعبر عن تطلعات جماهير هذه الاحزاب ورؤيتها، وهي المشكلة لهذه الحكومة والمختارة للسوداني كرئيس للحكومة، وهذا الامر يضعنا أمام تساؤلات عدة ويفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات مفتوحة التأويل ترتكز على معطيات لا يمكن أغفالها منذ إرهاصات تكوين الحكومة بل ما قبل تكوين هذه الحكومة التي جاءت على ركام أحداث معقدة كانت حبلى بملابسات وصراعات بعضها دموية حاولت فيها الكتلة الصدرية أبقاء الحكومة السابقة على قيد السلطة برئاسة الكاظمي ، عبر احتجاجات واعتصامات واقتحامات للمنطقة الخضراء وسقوط ضحايا توجت بقرار مقتدى الصدر الانسحاب من البرلمان مما سمح لكتلة الاطار التنسيقي تشكيل الحكومة ولكن بشروط متعسفة من قبل القوى المؤثرة في المشهد السياسي منها إرضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة برئاسة الحلبوسي اللذان كانا يشكلان التحالف الثلاثي مع التيار الصدري بعد الفشل في تشكيل حكومته بفعل الثلث المعطل الذي قاده الاطار التنسيقي، بالاضافة الى إرضاء الفاعل الامريكي الحامل في جعبته كمية أجندات وخطط وتطلعات حملتها على ظهرها السفيرة الامريكية الجديدة في بغداد الينا رومانسكي، التي كانت لها شروط صارمة وحادة مقابل السماح بمرور حكومة الاطار بسلاسة وان رفض الاطار فأمريكا لديها أدواتها في عرقلة تمرير هذه الحكومة وهي واضحة وشاخصة أمام أنظار الاطار التنسيقي فتجربة حكومة عادل عبد المهدي الذي حاول حرف أتجاه بوصلة العراق أقتصادياً على الاقل بعيداً عن أمريكا والتخلص من التبعية لها بأتجاه الصين والمانيا بتحريكها للشارع عن طريق عملاء يوجهون جمهور ما عرف بتشرين وأسقاط الحكومة ومعاقبتها ومن ثم فرض حكومة عميلة تماماً لأمريكا ومنساقة لأجنداتها في المنطقة وحمايتها ومحاولة إبقائها حتى بعد إجراء الانتخابات الاخيرة أو إعادة تدويرها عبر حركة التيار الصدري ضمن موجة الاحتجاجات ، فرومانسكي تلوح بيدها ورقة تشرين والتيار والتظاهرات، لتحصد مكاسب لصالح أمريكا وما زياراتها المكثفة بعد تشكيل الحكومة لرئاسة الحكومة والوزراء بشكل يخرج عن دائرة عمل السفير الطبيعية أشارات واضحة عن فرض خارطة طريق لهذه الحكومة وتنفيذ أوامرها ومخططاتها والتي كان من أولها هو تنفيذ التعهد بالسير على وفق مسار حكومة الكاظمي السابقة وتنفيذ جميع كما أتفقت عليه وما أبقاء وضع ميناء الفاو و أنبوب البصرة – العقبة النفطي وأبقاء القوات الامريكية لأجل مفتوح الا كواشف عن القبول من قبل حكومة السوداني بما تعاقدت عليه حكومة الكاظمي مقابل أستقرار نسبي يسمح بحركة أعمار نسبية لا تتعدى جزء بسيط من تطلعات الجمهور العراقي المتأمل لأن يستفيد من ثروته في بلد تجاوزت نسبة الفقر 28%  وسط تسونامي من الفساد غير مسبوق في العالم وشراهة من قبل الجانب الكردي لقضم أكبر قدر ممكن من ثروة العراق بمساندة ودعم الامريكان وانشغال سني بسرقة أكبر ما يمكن من حصتهم في الحكومة، كل هذا يقف شاخصاً أمام أنظار كتلة وعدت أن تكون هذه الحكومة مختلفة تماماً عما سبقتها وبعد وعود أن تكون حكومة خدمات ومحاربة للفساد ولكنها مكبلة بالتعهدات الماضية مسلمة رقبتها للمتحكم الامريكي بالقرار السياسي العراقي،

أمام كل هذه المعطيات يبدو أن السوداني يحاول مسك العصا ليس من الوسط بل من طرف واحد ، فبأعطاء الامريكان ما يرغبون وترضية الكرد والسنة قدر الامكان مقابل كسب نوع من الاستقرار النسبي على حساب المباديء التي أستند عليها والوعود التي قطعها على نفسه وعلى حساب مصلحة ورغبة وتطلعات الجمهور الشيعي كالعادة ، لعله يحقق سير عجلة الحكومة بشكل أنسيابي لتحقيق بعض تطلعات جمهور الاطار مع فتح عينه على المارد الصدري المتربص والمؤمل لانهيار الحكومة للانقضاض عليها، وهو موقف أكيد نابع عن ضعف أمام مواجهة هذه الضواغط الخارجية والداخلية فمن المعلوم أن أمريكا اليوم منشغلة بأولويات أوربية وأسيوية تشغلها عن الاهتمام بشؤون الشرق الاوسط ومنها العراق ، فكان يفترض أن يستثمر صاحب القرار السياسي العراقي هذا الانشغال والتوجه الامريكي نحو ما يمثل أولوية قصوى في مواجهة الروس في اوكرانيا خلال الحرب التي تدخل عامها الثاني في تطور مهم لصالح الجانب الروسي على الرغم من الدعم الامريكي لأوكرانيا وفي الجانب الاخر في أقصى الشرق حيث يقبع التنين الصيني الذي يمثل الخطر الاستراتيجي على الهيمنة الامريكية وأنفرادها بقطبية التحكم في العالم التي تسعى لفرض تعدد القطبية والذي يهدد عرش امريكا على العالم، بالإضافة الى ان امريكا ليست بحاجة لخادم جديد في المنطقة كما صرح السوداني في لقائه الصحفي : بان (العراق يرغب بعلاقات مماثلة مع واشنطن لما تتمتع به السعودية ودول الخليج، نحن نسعى جاهدين لتحقيق ذلك) فلا يمكن أن ينافس العراق السعودية في خدماتها لأمريكا فدول الخليج لديها شراكة مستدامة مع الأمريكان وخدمة على طول الطريق بلا ارادة أو أعتراض لا يمكن أن يمثل العراق جزء من هذه الشراكة مع معرفة امريكا لنوع الشعب العراقي المعادي لها بأغلبيته والرافض للوجود الامريكي الذي يعتبره أحتلال لأراضيه مع وجود 2000 عنصر أمني أمريكي في قاعدة عين الاسد وأكبر سفارة امريكية في بغداد مع استحضار لصور الاحتلال والحروب والقتل والتهجير ومساندة الدكتاتور في قمع الانتفاضة الشعبية 1991 وسرقة ونهب ثروات العراق وتسليط وحماية الفاسدين على رقاب الشعب العراقي ، بالاضافة الى أنه يعبر بالعراق من سياسة عدم التمحور الى المحور الامريكي الصهيوني الخليجي وهنا فالسوداني يلعب بالنار بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ويبدو أنه تصريح غير مدروس ومستعجل تماماً،

فالانصياع للاوامر الامريكية بهذا الضعف والهوان أنما ينطلق من أوهام أثبتت التجربة أن أمريكا لا تهتم بمن يطيعها بل تحترم من يقف نداً لها بلا ادنى شك ولو كان للحكومة قدر من الثقة بجمهورها لوقفت مع مصلحة البلد والشعب في خياراته، أما مخاوفها من ورقة التحرك الداخلي ضد الحكومة عن طريق التظاهرات التي تلوح بها بعض الاطراف وحاولوا اشعالها مع الارهاصات الاولى لتشكيل الحكومة فهي ورقة أحترقت ولن ينجح اشعالها في استقطاب أي دعم جماهيري كما حصل في 2020 مطلقاً فالشعب قد خبر هذه الحركة بل أن الشعب العراقي اليوم يحمل تظاهرات تشرين مسؤولية تخلف العراق وكل ما حصل بعد أشعال ما تسمى ثورة تشرين من تردي اقتصادي ومعيشي وتخلف تنموي فالتخوف من المظاهرات والتعامل معها ليس بأمر جلل خاصة أن الحكومة قد سحبت منهم العديد من مسامير الاشعال عندما عينت عشرات الالاف من المتعاقدين والعاطلين عن العمل والمحاضرين المجانين وغيرهم أما التيار الصدري فالحكومة مازالت تتناغم معه من خلال أسكاته بإعطاء المناصب الحكومة لأتباعه ولكن بعيداً عن الاعلام وبشكل مخفي عن الاعلام وغير صريح ليكون الظاهر أنه معزول عن الحكومة ولا يتحمل مسؤولية أخطائها رغم أشتراكه بها بشكل فاعل ليناغم رغبة جمهور التيار، وفي المقابل فإن هذا التحول نحو الامريكان لكف شرهم عنه سيحمله ثمناً باهضاَ لايقدر عليه فكما ذكرنا هناك عامل الجمهور الضاغط بأتجاه أخراج القوات الامريكية التي يعتبرها قوات محتلة ويحملها جريمة أغتيال قادة النصر الشهيدين ابو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني، كما إن السوداني يحتاج بشكل كبير الى مساندة الكتلة الشيعية في البرلمان العراقي والا سيكون في مهب الريح ويواجه موجات عارمة من ومعقدة من المشاكل مع البرلمان واللجان التي ستقف بالند منه بدل مساندته وهو يسابق الزمن لتحقيق منجز على الارض بل سيواجه احتمالية الازاحة والاستبدال إن فقد مساندة كتلة الاطار التنسيقي التي رشحته لهذا المنصب فالسوداني وضع رأسه بين مطرقة الامريكان وسندان الاطار وسيكون الثمن باهضاً،