السوبر تخلف نظام ثقافي و اجتماعي و سياسي يطرح نفسه كبديل عن العقائد الديمقراطية و الديكتاتورية. لقد شاهد التاريخ البشري العلاقة الجدلية بين الديمقراطية و الديكتاتورية و تقلب المجتمعات و الدول من ديكتاتوريات إلى ديمقراطيات و العكس. لكننا اليوم نشهد ولادة عصر جديد هو عصر السوبر تخلف الذي يتطور بشكل متسارع في محاولته الخروج من ثنائية الديمقراطية و الديكتاتورية و التحوّل إلى كيان عقائدي مهيمن على الشعوب كافة.
للديمقراطية مبادىء و تعاريف عدة مترابطة. لكن الديمقراطية في الأساس ليست سوى حكم الحقوق الإنسانية كحق الفرد في أن يكون حراً. و الديمقراطية في جوهرها نظام تواصلي يهدف إلى صياغة أكبر قدر من المعلومات الصحيحة و نشرها بتساو ٍ بين الأفراد. و بذلك تحقق الديمقراطية الحرية و المساواة معاً. فبما أن الديمقراطية تسعى إلى زيادة إنتاج المعلومات الصادقة و توزيعها بين الجميع , إذن يضمن كل فرد في النظام الديمقراطي الحقيقي القدر الأكبر من المعلومات الصحيحة و بذلك يضمن التصرف الحر على ضوئها. فمن دون العدد الأكبر من المعلومات الصادقة يغدو الإنسان سجين المعلومات القليلة و الكاذبة و بذلك يفقد حريته. من هنا تحقق الديمقراطية الحرية لكل فرد من خلال تزويده بالعدد الأكبر من المعلومات الصادقة. كما تنجح الديمقراطية في تحقيق المساواة بين الأفراد بمعنى من المعاني من خلال توزيع المعلومات الصادقة بتساو ٍ بينهم. فعندما تتوزع المعلومات الصادقة بتساو ٍ بين الأفراد , يتساوى الأفراد فيما بينهم بفضل امتلاك المعلومات نفسها. هكذا تحقق الديمقراطية الحقة معنى أساسياً من معاني المساواة. فالتوزيع المتساوي للمعلومات يؤدي إلى أرجحية التساويٍ في امتلاك القدرات نفسها بما أن الإنسان يتصرف على أساس ما يعلم من معلومات.
هذا النظام الديمقراطي المُحلَّل على أنه نظام تواصلي و الهادف إلى خلق القدر الأكبر من المعلومات الصادقة و توزيعها بتساو ٍ ليس بالضرورة متحققاً اليوم في الواقع , لكنه النظام الديمقراطي الأمثل لمقدرته على تحقيق الحرية و المساواة معاً. و بما أن الديمقراطية نظام تواصلي يسعى إلى إنتاج المعلومات و تكثيرها , إذن من الطبيعي أن تنشأ العلوم و الفلسفات ضمن الديمقراطيات كما حدث و يحدث في تاريخنا البشري. هكذا تحليل الديمقراطية على أنها نظام تواصلي يهدف إلى إكثار المعلومات الصادقة و إيصال المعلومات الحقيقية إلى كل فرد هو في الحقيقة تحليل مقبول إلى أقصى حد لأنه يفسّر لماذا تنمو العلوم و الفلسفات في ظل الديمقراطيات بالإضافة إلى مقدرة هذا التحليل للديمقراطية على الجمع بين الحرية و المساواة. و
الديمقراطية مسألة درجات ؛ فرغم أننا لم نحقق هذه الديمقراطية الأمثل بعد , رصد التاريخ و يرصد درجات معينة من هذه الديمقراطية التواصلية.
بالإضافة إلى ذلك , بما أن الديكتاتورية نقيض الديمقراطية , نستطيع بحق أن نستنتج أن الديكتاتورية هي نظام تواصلي يهدف إلى إقلال المعلومات الصحيحة و عدم نشر المعلومات الصادق بين الناس على نقيض من الديمقراطية التي تسعى إلى إكثار المعلومات الصادقة و نشرها بتساو ٍ بين جميع الأفراد. و بما أن الديكتاتورية نظام تواصلي يسعى إلى إقلال المعلومات الصادقة و عدم توزيع المعلومات الحقة بتساو ٍ بين الناس , إذن الديكتاتورية تقضي على حرية الفرد تماماً كما تقضي على المساواة. و تفعل ذلك لأنها لا تقدِّم إلى الفرد العدد الأكبر من المعلومات الصحيحة فتسجنه في معلومات قليلة فتقتل حريته تماماً كما تغتال المساواة بعدم توزيع المعلومات بشكل متساو ٍ بين الأفراد من جراء احتكارها للقدر الأكبر من المعلومات الصحيحة. هكذا الديكتاتورية تتواصل مع الأفراد من خلال آلية إقلال نقل المعلومات إليهم بينما الديمقراطية تتواصل مع الفرد من خلال إكثار نقل المعلومات إلى كل فرد. و بما أن الوظيفة الأساسية للديكتاتورية كامنة في إقلال المعلومات , إذن من الطبيعي أن لا تنشأ العلوم و الأفكار و الفلسفات الجديدة ضمن الأنظمة الديكتاتورية. من هنا , ينجح أيضاً هذا التحليل للديكتاتورية في تفسير لماذا لا تولد العلوم و الفلسفات في ظل حكم الديكتاتوريات , و بذلك يكتسب هذا التحليل فضائله المعرفية فمقبوليته.
الديمقراطية نظام تواصلي يتواصل مع الفرد على أنه مستقل عن المجتمع و الدولة و بذلك يحافظ على حقوق الأفراد بينما الديكتاتورية نظام تواصلي يتواصل مع الفرد على أنه جزء لا ينفصل عن المجتمع و الدولة و بذلك يلغي فردية الفرد فإنسانيته فيقضي على حقوق الإنسان كافة. لكن السوبر تخلف نظام تواصلي يتواصل مع الفرد على أنه يمثل هذه المنطقة أو ذاك العرق أو تلك الطائفة أو هذا المذهب الديني أو العقائدي. و بذلك السوبر تخلف يختزل الأفراد إلى مناطق و طوائف و مذاهب و أعراق فيضفي على الأفراد هويات افتراضية و عادة هويات كاذبة بدلا ً من أن يتواصل مع الفرد على أساس هويته الأساسية و الحقيقية ألا و هي الهوية الإنسانية. هكذا يقضي السوبر تخلف على إنسانية الإنسان علماً بأنه يتواصل مع كل فرد على أنه جماعة عرقية أو مناطقية أو طائفية أو مذهبية فيُحدِّد الإنسان في سجون تلك الأدوار المعينة سلفاً. و بما أن السوبر تخلف يختزل الفرد إلى عرق أو طائفة أو مذهب , إذن السوبر تخلف يؤسس للعنصرية العرقية و الطائفية و المذهبية التي نعاني منها اليوم في عالمنا العربي الإسلامي.
السوبر تخلف نظام تواصلي يهدف إلى إنتاج و نشر القدر الأكبر من المعلومات المشوّهة و الكاذبة المُعتمِدة على وقائع و معلومات صادقة ما دعم انتصاره. فبالإضافة إلى أن السوبر تخلف عقيدة أيديولوجية تعترف بأن الجهل هو القيمة الأعلى , السوبر تخلف نظام اجتماعي و اقتصادي و ثقافي أيضاً. و هو بذلك نظام
تواصلي يؤسس الأنظمة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية السوبر متخلفة. و هذا متوقع بسبب أن أي عقيدة أيديولوجية لا توجد بالفعل سوى في حال تجسدها في أنظمة تواصلية تحدّد أدوار و هويات الأفراد على ضوء تواصلهم. فأي نظام اجتماعي ليس سوى نظام تواصلي يعيّن العلاقات بين الأفراد و وظائفهم الاجتماعية. الفرد آلية تواصل , و تواصله مع الآخر يُحدِّد دوره الاجتماعي و العكس صحيح أيضاً. و المجتمع تفاعل سلمي أي تواصل سلمي بين الأفراد. على أساس كل هذه الاعتبارات , السوبر تخلف عقيدة أيديولوجية تتمحور حول مبادىء عدة منها مبدأ أن الجهل فضيلة الفضائل و مبدأ أن الفرد ليس سوى جماعة عرقية أو مذهبية , و لذا هو نظام تواصلي يتجسد في أنظمة اجتماعية و اقتصادية و ثقافية تحدِّد للأفراد هويات و أدواراً مشوّهة و كاذبة. من هنا , يتخذ السوبر تخلف مقدرته على الانتشار و السيطرة على المجتمع من جراء كونه نظاماً تواصلياً ذات بُعد عقائدي و اجتماعي. فاعتبار الجهل قيمة عليا يشير بقوة إلى قبولنا أن الله وحده يعلم و أن علوم السلف هي العلوم الحقة فعلا ً و لا نتمكن من فهمها حقاً و بذلك اعتبارنا أن الجهل فضيلة الفضائل ليس سوى قبولنا للتراث و للدين و لِما نعبد من آلهة ماضوية. هكذا من دون عقيدة السوبر تخلف نخون التراث و الدين و الله. من هنا , هيمن السوبر تخلف على عقولنا و مجتمعاتنا الافتراضية.
كل مجتمع يحتاج إلى عقيدة أي إلى نظام تواصلي لتتحقق الأنظمة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية على ضوء كيفية التواصل بين الأفراد. لكن حين تزول العقائد الفلسفية و السياسية كالعقائد الاشتراكية و الديمقراطية يحدث الفراغ العقائدي. و كل فراغ عقائدي لا بد من ملئه بعقيدة ما ؛ فلا يحيا شعب بلا عقيدة لأن مَن لا عقيدة له لا نظام تواصلي له فلا مجتمع. على هذا الأساس , الشعوب العربية الاسلامية عانت مؤخراً و لعقود عدة من الفراغ العقائدي , و لم نتمكن من ملء هذا الفراغ سوى بعقيدة السوبر تخلف. و لذا السوبر تخلف يسيطر بقوة على مجتمعاتنا العربية الاسلامية. فالعقائد الأيديولوجية المختلفة قد فشلت في مجتمعاتنا الافتراضية من جراء تعاملنا الخاطىء معها. فمثلا ً , فشلنا في تحقيق الديمقراطية و الاشتراكية لأسباب عدة منها : أولا ً, اعتبرناها عقائد يقينية بدلا ً من نماذج لإنتاج فكر جديد فأسأنا فهمها و تقديمها , و ثانياً فشل القومية العربية و تحوّلها إلى ديكتاتوريات إشارة قوية إلى فشل الديمقراطية و الاشتراكية من منظور العقل العربي الاسلامي بما أن القومية العربية متضمنة للعديد من مبادىء الديمقراطية و الاشتراكية. من هنا فشل العقائد المختلفة في عالمنا العربي الاسلامي حتم ضرورة هيمنة عقيدة من الصعب أن تفشل ألا و هي عقيدة السوبر تخلف. فنحن لم ننجح سوى في تطوير التخلف , و بذلك لم ننجح سوى في السوبر تخلف أي في استغلال المنجزات الحضارية كافة كالعلم و التكنولوجيا و الدين من أجل نشر الجهل و التجهيل. و من الصعب أن تفشل هذه العقيدة لأن الفشل بالنسبة إليها فضيلة.
لقد نجح السوبر تخلف في أن يصبح نظاماً تواصلياً. و لذا سيطر على عقول و سلوك معظم العرب و المسلمين. و الوظيفة الأساسية للسوبر تخلف قائمة في صياغة و نشر القدر الأقصى من المعلومات الخاطئة و المشوّهة المُستنتَجة من معلومات صادقة. و بما أن معلومات السوبر تخلف كنظام تواصلي مُستنتَجة من معلومات صادقة , يكتسب السوبر تخلف بذلك قدرة هائلة على الهيمنة الفكرية و السلوكية و على احتكار الحقائق و تشويهها و اقناعنا بصدقها. و مثل أساسي على السوبر تخلف كنظام تواصلي يسعى إلى تبادل و إنتاج المعلومات الكاذبة و زيادة المنتوجات المعلوماتية المشوّهة و نشرها هو التالي : بالنسبة إلى السوبر تخلف , تحوّلت الديمقراطية من حكم حرية الفرد و حقوقه الإنسانية إلى حكم حرية الطوائف و المذاهب الدينية و حقوقها. و بذلك يعتمد السوبر تخلف على معلومات صادقة كمعلومة أن الديمقراطية حكم الحريات و الحقوق الإنسانية لكنه يشوّه هذه المعلومة الصادقة و يحوّلها إلى معلومة كاذبة مفادها أن للطوائف و المذاهب الدينية حقوقاً كحق أن تحيا بحرية و تمارس طقوسها علنياً و تنتشر و تسود و إن كان ذلك على حساب حرية الفرد و حقوقه. و بذلك السوبر تخلف يستغل الديمقراطية و الحريات و الحقوق الإنسانية من أجل تطوير التخلف الكامن في هيمنة الحقوق الافتراضية للطوائف و المذاهب. هكذا السوبر تخلف يستخدم الحرية و الحقوق الإنسانية كي يقتل حرية الفرد و حقوقه بإسم حريات المذاهب الدينية و الطوائف و حقوقها. و هو بذلك يستخدم الحرية و الحقوق الإنسانية من أجل قمع الإنسان و اضطهاده و اغتيال إنسانيته. هنا الحرية أمست أداة قمع و اضطهاد.
السوبر تخلف مرحلة ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية. فالديمقراطية هي نظام تواصلي يهدف إلى بناء و نشر القدر الأكبر من المعلومات الصادقة بينما الديكتاتورية نظام تواصلي يسعى إلى القضاء على المعلومات الصادقة و عدم نشر المعلومات الصحيحة. لكن السوبر تخلف نظام تواصلي وظيفته الأساسية كامنة في إنتاج و نشر العدد الأكبر من المعلومات الكاذبة و المشوّهة المعتمدة على معلومات صادقة , و بذلك يتخطى السوبر تخلف كُلا ً من الديمقراطية و الديكتاتورية فيفتتح عصر ما بعد الديمقراطيات و الديكتاتوريات. فبينما الديمقراطية تسعى إلى صياغة و نشر المعلومات الصادقة , يسعى السوبر تخلف إلى بناء و نشر المعلومات المشوّهة. و بينما الديكتاتورية تهدف إلى القضاء على القدر الأكبر من المعلومات الصادقة , يحافظ السوبر تخلف على المعلومات الصادقة لكنه يستغلها للوصول إلى نتائج مشوّهة و كاذبة. هكذا يختلف عصر السوبر تخلف عن عصور الديمقراطية و الديكتاتورية بفضل تطويره لآليات التخلف. و الديكتاتورية استعانت بالسوبر تخلف لنشر المعلومات الكاذبة لكن السوبر تخلف اتخذ لنفسه كياناً منفصلا ً من جراء اعتماده على معلومات صادقة في عملية صياغة نتائج مشوّهة و خاطئة. السوبر تخلف عملية تشويه للصفات الإنسانية كافة , و بذلك هو عملية اغتيال للحضارة الإنسانية. و قمة السوبر تخلف كامنة في تحويل العلم إلى جهل , و الجهل إلى علم ,
و تحويل الحريات و الحقوق الإنسانية إلى أدوات قمع و اغتيال , و تحويل الاضطهاد إلى حقوق و حريات افتراضية تمتلكها الأعراق و المذاهب و الطوائف.