مشكلة الكثير إن لم نقل معظم قيادات السنة في العراق, دينية كانت أم سياسية, إنها لم تقرأ متغيرات ما بعد عام 2003 بروية وعمق. الأمر ربما ينسحب بشكل ما على دول سنية بإستثناء تركيا التي بنت نموذجها الخاص بها والقابل للتصدير بإسم حماية السنة مرة و”العثمنة” في كل المرات, سوى أن النموذج الأخواني التركي أصطدم مع مصر السيسي الباحثة عن دور سني بمحتوى عروبي بخلاف النزعة الأردوغانية. قبل إسبوع توفي أمين عام هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري في إسطنبول ودفن في عمان. لكن مذكرة القاء القبض الصادرة بحقه دفنت في بغداد. لم يحقق شئ مما عمل عليه طوال السنوات العشر الماضية لانه إشتغل خارج الساحة وفي ظروف لم تعد مناسبة. التاريخ حسب ماركس يتكرر مرتين .. مرة على شكل مأساة ومرة على شكل ملهاة. غالبية قادة السنة اشتغلوا على الملهاة فوقعوا في الماساة والسبب هو القراءة الخاطئة لللتاريخ والجغرافية بل وحتى الرياضة والرسم. إشتغل غالبيتهم على ما عدوه كرامة مفقودة للعرب السنة بعد فقدان السلطة فدفع أبناء مناطقهم أثمانا باهظة من النزوح والتهجير والقتل والتدمير.
المحصلة التي إنتهى اليها السنة الآن منذ حقبة “ثوار العشائر” حتى حقبة “سنة المالكي” مرورأ بصرخة نساء العلم والضلوعية والدور والبوعجيل وربما الكرمة والبغدادي “وهادياه” وربما و”سليمانياه” هي نمط جديد من التيه بين المدن الشيعية والكردية. أرقام هذا التيه تتراوح بين المليونين ونصف الى الأربعة ملايين. لم يحصلوا الإ على منحة صالح المطلك وبيت شعر لابي تمام “السيف اصدق إنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب”. الحكومة الشيعية مالكية كانت أم عبادية وبرغم ما تعانيه من مشاكل المحاصصة وأزماتها وقيودها الثقيلة تبدي حرصأ على حل الأزمات الثقيلة بأقدر اقل من الخسائر. الامر نفسه ينطبق على المرجعية الدينية. فالسيد السيستاني الواقف على مسافة واحدة من الجميع يرصد كل حالة تجاوز حتى لو كانت رفع صوره بدلا من العلم الوطني.
مايصدر عن الجميع يشير بهذا القدر او ذاك ان هناك عدوا واحدأ هو تنظيم داعش. ولكون الحرب ضد هذا العدو ليست نزهة فإن من الضروري التمييز بين الإنتهاك المبرمج وبين الأخطاء الفردية بمن فيها المقصودة من أطراف ليست على وفاق تام مع الحكومة الحريصة على إنصاف السنة هذه المرة. مؤخرا سالتني فضائية عربية .. لماذا يتهم “الحشد الشعبي” من قبل الأزهر او مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بأنه هو وحده من يرتكب التجاوزات والإنتهاكات دون سواه؟ كانت إجابتي واضحة.. دققوا في نعوش ضحايا الحرب الآتين من تكريت والمتوجهين الى مقبرة “وادي السلام” بالنجف ستجدون غالبيتهم العظمى من متطوعي الحشد الشعبي. هم رأس الحربة في الحرب. هؤلاء يأتون من البصرة والناصرية وكربلاء والسماوة ليموتوا في تكريت. هم شيعة وهي سنية. من يعمل مجازر الإبادة حسب توصيف الأزهر او مجلس حقوق الإنسان لايعود ملفوفا بالعلم. هناك عدو والمواجهة شرسة.
التجاوزات قد تحصل وربما الإنتهاكات ايضا. لكن هذا ما يحصل في كل الحروب حتى أكثرها نظامية.