23 ديسمبر، 2024 2:28 م

السنة من الدولة الوطنية الى الصوت الطائفي..!

السنة من الدولة الوطنية الى الصوت الطائفي..!

تصدى العراقيون الأحرار للأحتلال البريطاني 1914_1918 وحين أفتت المرجعيات الشيعية بحرمة التعاون مع المحتل الأجنبي ،انعزلت غالبية الشخصيات السياسية والدينية والعشائرية الشيعية عن المشاركة ببناء الدولة المدنية الوطنية العلمانية الأولى 1921 _1958 وبحسب مايرى بعض المؤرخين فقد تقلص حضور الشيعة واصطحب معه انحسار في الحقوق والتمثيل وزيادة في الأقصاء والتهميش والأضطهاد .
 وخلال اربعة عقود تمكن الحكام العراقيون من انشاء المملكة العراقية ، دولة عراقية ذات هوية متميزة في ابعادها الأجتماعية والسياسية والأقتصادية والعسكرية ، وكان سر النجاح بالموضوع انها لم تعتمد مبدأ الدولة الدينية او الطائفية او العرقية المنغلقة بل الدولة المدنية العلمانية التي أنشأها رجال سياسة محترفين وكفاءات علمية مختصة في سياقات تقوم على قدر كبير من النزاهة والوطنية ، دولة ناجحة في معيار النمو والتطور لكنها لم تهتم بأنتاج ثقافة المواطنة ، ولم تتح الفرصة لأندماج الثقافات والأنتماءات الفرعية والأنصهار في بوتقة ثقافة وطنية واحدة كما هو الحال في ايران او تركيا وغيرها من الدول التي يتشارك ابنائها بروح المواطنة ، ولعل الظاهرة العراقية ترتبط الى حد بعيد بسيطرة الصراع السياسي الذي برز بعد تبلور الأحزاب ذات الأفكار الشيوعية والأشتراكية والقومية  وتراجع الصراع الطائفي امام قوة ونفوذ الصراع الطبقي او السياسي .
   اسقاط الحكم الملكي الديمقراطي والدستوري وانشاء الحكم الجمهوري 1958_1968 اسقط معه البلاد في دوامة الصراعات السياسية الدموية وفوت على العراق مشروع النهوض الدولي الكبير الذي بدأ التخطيط له اوائل الخمسينات بهدف انشاء مشاريع كبيرة تحقق قفزات في كافة الميادين ، ولم تنته مرحلة الدولة العراقية الثانية باعدام الزعيم عبد الكريم قاسم في دراما دموية تراجيدية كما بدأت فأن تلك الدماء لم تتوقف عند حدود العائلة الحاكمة كما حدث مع العائلة الملكية ، بل امتدت لتحدث مجزرة وطنية انتهت بحياة مئات الشيوعيين وانصارهم في عموم العراق وتدعم نمط حكم عسكري تم  بموجبه شطب ثقافة المواطنة امام عنف الصراع السياسي وشهوة الغاء الآخر في ظل قيادات عسكرية منقادة وهزيلة لاتملك استراتيجة او رؤية للحكم والبناء والتطور بل انهكت البلاد في جدل الصراع والشعارات القومية الجوفاء ، واختفى الحلم ببناء دولة مدنية ديمقراطية .
 مجيء حزب البعث العربي الأشتراكي للسلطة في تموز1968_2003 اعاد انتاج نمط الدولة القومية في مجموعة تشريعات وقوانين تتجه لخدمة شعار القومية العربية وتضر كثيرا بالمصالح الوطنية ، بل اهملت مشروع البناء الوطني وتغافل البعثيون عن حقيقة التنوع القومي والأثني في العراق بل سعوا لمصادرة هذا الحق باجراءات شوفينية متعصبة للقومية العربية وتجلى قصورهم الفكري والأيدلوجي بالتسليم للشعار السياسي الصادح والفارغ من اي مضمون اجرائي واقعي ، بل اندفعوا بفعل ثروة النفط التي تفاقمت عندهم الى شراء الأصوات والمواقف المؤيدة لهم من داخل الساحات العربية المجاورة في وهم نجاح وانتشار سياسي وايديولوجي بينما هم كانوا يندفعون وبعجالة نحو سلوكيات الحزب الواحد والسياسية الشمولية الأقصائية لللآخرين و وينحدرون للفكر الشوفيني العنصري الذي سمح لهم أبادة اعداد كبيرة من الكرد والتركمان والفيلية والشيعة والشيوعيين والمسيحيين وغيرهم من القوى الوطنية التي كانت تطالب بالحرية او تحقيق مطاليبها الوجودية والروحية الأخرى ، مشروع ثقافة المواطنة انسحق تحت اقدام دكتاتورية صدام وحزب البعث الحاكم تحت لواء القومية العربية التي تركته وحيدا في مواجهة حروب دولية انتهت بسقوط النظام الصدامي الدكتاتوري باحتلال امريكي اسقط مشروع الدولة القومية واطلق حريات التعبير والثأر والأنفتاح والتفجر عند كافة الثقافات الفرعية المكبوتة في اكثر من اربعة عقود من السنين ،وجاءت امريكا بأحزاب اسلامية واخرى ذات هويات علمانية ووطنية نشأت في خارج البلاد وليس لها اواصر مع العراقيين الذين عاشوا تحت سطوة الممنوع والتحريم والعزل الفكري والسياسي اربعة عقود متواصلة ، جاءت الأحزاب الطائفية المقصية والأخرى القومية والأثنية لتجد لها حواضن من جنسها وتتشارك في حكم يقوم على التمثيل العرقي والطائفي والأثني وبما اصطلح عليه بالمحاصصة سيئة الصيت ، وفي ظل دستور ثابت شكل ارضية خصبة واعطى اجواءا صالحة للمكونات الفرعية ويغفل عن قصد اوغير قصد فكر وثقافة المواطنة ، وبهذا اكتملت خطوط الهدم والتفتيت والتمزق لروح المواطنة واصطحب معه نسف ممنهج لمشروع الدولة العراقية المدنية الديمقراطية التي اشار لها الدستور في المادة الثانية .
  الدولة العراقية الثالثة 2003_ ؟  دولة تقوم على التمثيل الطائفي والمذهبي والقومي والأثني وبهذا فأنها تعد انموذجا لدولة المغامرة في التجريب السياسي ، وخلال عشرة سنوات فأنها برعت بأنتاج صور مدهشة ومبتكرة في الفساد السياسي والأداري والمالي وبكل شيء ، كما انتجت حربا طائفية وحروب سياية مشتعلة في كل مكان ، وتختزن مشروع حروب اخرى قومية ومناطقية وغيرها .وهكذا اختفى مشروع الدولة الوطنية المدنية ، اما عن مشاركة ممثلوا اهل السنة في العراق بمشروع اضمحلال الدولة الوطنية فهو مانأتي عليه في المحور اللاحق ، السنة والدولة الطائفية .
 
[email protected]