23 ديسمبر، 2024 4:39 م

السنة الأولى وعبور المستعصيات

السنة الأولى وعبور المستعصيات

قبل أيام , انقضت السنة الأولى على تولي الدكتور المهندس عبد الكاظم الياسري مهامه رئيسا لهيئة التعليم التقني , ورغم إن السنة الواحدة لاتكفي للحكم على مدى كفاءة وفاعلية من يتولى المسؤولية في مؤسسة كبيرة تتكون من ( 46 ) كلية ومعهد , فضلا عن ديوان الهيئة ومركز تطوير الملاكات ومواقع المعاهد التي أنشأت أخيرا في المحافظات , إلا إن من حق المؤمنين بمسيرة التعليم التقني إن يطرحوا سؤالا من باب الاطمئنان , وهو هل استطاع الياسري أن يحقق التغيير المنشود الذي يتناسب مع عمر الهيئة الذي بلغ ( 45 ) عام ومكانتها المفترضة محليا وإقليميا ودوليا ؟.
وقبل الإجابة عن هذا التساؤل لابد أن ندرك جميعا المشكلات التي كانت تعيق تقدم الهيئة قبل استلامه المهام والتي استطاع أن يشخصها بشكل دقيق , ولاتها كثيرة سنعرض عشرة منها , فأولها طبيعة الهيكل التنظيمي الذي يتصف بالبيروقراطية والمركزية المفرطة وثانيها ضعف الموارد المادية المتاحة بشكل لايتناسب مع انتشارها الجغرافي وعدد الطلبة المقبولين سنويا والذي لايقل عن ثلث مجموع الطلبة المقبولين في الجامعات الحكومية , وثالثها عدم الموضوعية في توزيع الموارد البشرية على وفق المؤشرات التخطيطية  , ورابعها اختلال هيكل التدريسيين من حيث الشهادات والألقاب العلمية , وخامسها الفقر المدقع في البنى التحتية وعدم ملائمتها لإدخال التقانات الحديثة , وسادسها عدم مواكبة اغلب المناهج مع مثيلاتها السائدة في الدول المتقدمة , وسابعها شيوع استخدام الطرق التقليدية في التدريس والتدريب , وثامنها تراجع تسلسلها في اغلب مؤشرات التقييم التي تجريها المنظمات العراقية والأجنبية , وتاسعها ضعف العلاقة مع المؤسسات الإقليمية والدولية بحيث إن مقر الاتحاد العربي للتعليم التقني الذي هو من حق العراق تم نقله إلى خارجه ولم يعاد, وعاشرها الاعتماد على المبادرات الفردية وانتظار الأوامر من المركز بشكل افقد الكثير من العمل بروح الفريق .
ومما لاشك فيه إن التصدي لهذه التحديات (التي تفسد شهية التغيير على الأقل ) , تتطلب دعما غير اعتيادي لغرض النهوض بالواقع الموجود وإحداث التغيير المطلوب , إلا إن ولوج أساليب الدعم الداخلي المضاف أو الاعتماد على الدعم الخارجي ينطوي على مخاطر عديدة أبرزها مايتطلبه من وقت غير معروف في الانتظار بشكل يفضي إلى التفريط بمورد الوقت , لذا فقد اعتمد الياسري على منهج تفعيل الإمكانيات المتاحة وتوظيفها دون تبذير وولوج مايمكن إضافته من إمكانيات من خلال توسيع الفعاليات الإنتاجية وتحفيز عمداء الكليات والمعاهد التقنية لاستثمار علاقاتهم للحصول على موارد من موازنات تنمية الأقاليم والبترو دولار , باعتبار إن معاهد كليات الهيئة تنتشر في جميع المحافظات وتقدم خدماتها المباشرة فيها, وقد راهن  في منهجه في التغيير على الجانبين البشري والإداري لأنه من خلالهما يمكن إيجاد المعولة في توفير الجزء الناقص من الإمكانيات المادية وبما يحقق أعلى عائد من الموجود وماستتم إضافته للتعجيل في التطوير .
ولتدعيم هذا الجانب فقد زرع روحية التغيير الهادف المبنية على قناعة من يعنيهم الأمر بالتغيير , بشرط أن لايكون راديكاليا أو براغماتيا ألاحين تتطلب الضرورة الموضوعية لاستخدام الجانب الأول فحسب , واعتمد في تغييره على مبادرات الكليات والمعاهد التقنية من خلال منحها الصلاحيات اللازمة وتفقد انجازاتها ميدانيا من باب التشجيع وتحفيز الآخرين , ولم يعتمد على ديوان الهيئة إلا في الأمور الحصرية والتي تحرمها التشريعات النافذة ,
, وكان لبذراه في المستعصيات العشرة وغيرها , نمو زرعه في مجالات عديدة , إذ تشهد الكليات والمعاهد التقنية جميعا أعمالا في الاعمار والتحديث لبناها التحتية , فيوميا تفتتح أبنية ومختبرات وورش جديدة وهنك مشاريع عديدة جدا في طور الاستكمال , كما ان خطة تحديث المناهج سائرة في الطريق الصحيح و مقر الاتحاد العربي للتعليم التقني سيحجز تذكرة العودة إلى أحضان بغداد العزيزة , وقد تم ترسيخ توجها في إشغال الدرجات الوظيفية والتعيين الجديد بشكل يتوافق مع الاحتياج الفعلي وليس بناءا على الرغبة فحسب وبدون اية تدخلان غير مشروعة .
وخلاصة ماحصل وما يجري خلال السنة الأولى , هو إعادة مسار الهيئة ليكون في الاتجاه الصحيح لإنقاذها من التقهقر والتقدم نحو أهداف واضحة ومعروفة وليس السير في سراب , فكل مايتم تنفيذه مبني على وفق استراتيجيات يتم تبنيها بمشاركة جماعية وليس الاعتماد على ( الفزعات ) كما إن المصاعب والمشكلات التي تواجه الأفراد تحل موضوعيا على أساس المصلحة العليا والاستحقاق وليس من باب المكرمات والهدف من التواجد الميداني هو لنشر روحية التغيير ليس لدى القيادات فحسب وإنما لدى الأفراد بمختلف مستوياتهم العلمية والوظيفية لتعميق الإيمان بالتغيير .
وما نتج عنه انعقاد مؤتمرات محلية وعالمية ونشر بحوث ذوات معامل التأثير وزيادة براءات الاختراع وإيقاف التراجع في مستويات التقييم وحصول تقدم نسبي في اغلب المؤشرات , وبعد أن كانت تشكيلات الهيئة تركز اهتمامها على الأعمال اليومية بشكل تقليدي فقد تحولت بشكل ملحوظ وليس مطلقا إلى مسارح للمبادرات والابتكارات مما يعطي اطمئنانا في الوقت الحاضر على الأقل , ولعل المتتبع لأخبار ونشاطات الهيئة من خلال وسائل الإعلام المختلفة , يتلمس المساحة التي باتت تحلتها الهيئة عند المقارنة مع الجامعات الاخرى.
إن ماتحقق خلال السنة الأولى لا يرضي المخلصين من العراقيين والمؤمنين والمحبين لمسيرة التعليم التقني بشكل كامل , ولكنه يطمأن النفوس المخلصة بان الهيئة قد أدركت المشكلة التي كانت تعانيها وباتت تمتلك مفاتيح الحلول مما يولد يقينا بان القادم أفضل لأنه سيؤتي بثمار تثلج صدور العراقيين جميعا , ومع إن الدكتور الياسري كان له الدور الفاعل في كل ماوصلت إليه الهيئة ولكنه لم يكون وحيدا في التغيير , فقد اشترك معه العديد العديد في التخطيط والتنفيذ, ولعل من أسهم في إبراز الحالة الجديدة هي القدرات التي يمتلكها رئيس الهيئة فقد ساعدته ليتحول إلى قائد يؤثر ويتأثر بالآخرين , فرغم انه حازما اتجاه الباطل إلا انه يتعامل بروحية الإيمان والاحترام لقدرات الناس صغارا وكبارا عندما يكون مصبها المصلحة العليا والتنكر للذات , كما إن له أفكار خلاقة تدفع بعجلة التقدم ليس خطوات بل مسافات بعيدة للإمام لاختصار الزمن والتكاليف في بلوغ الأهداف, فأصبح له شركاء في مشروعه الوطني الذي تحول مشروعا للجميع يتقاسمون فيه الأدوار ليلتقوا في المشتركات المقدسة وهي مخافة الله وحب الوطن والولاء للعمل والسعي لخدمة شعبنا المظلوم لتعويضه عن حرمان كبير .