لا يسعى هذا المقال الى تصوير ان الخطاب في اعلام ما بعد الفين وثلاثة في العراق هو فقط دس السم في العسل ، فلا يمكن لا أحد إنكار حجم التضحيات التي قدمتها الاسرة الاعلامية و مدى المخاطر التي تعرض لها الكثير من العاملين في هذا الحقل ، فضلا عن الادوار الوطنية و النبيلة التي قامت بها الكثير من المؤسسات الاعلامية و الكثير من الاعلاميين ، إلا أن هذا المقال و الذي سبقه يحاول التأشير على ظاهرة ( التضليل ) و السعي من أجل إحداث أجواء من الاضطراب و عدم الثقة المزمنة في أي عمل ، يمكن لنا أن نبدأ من البحث في العدد الكبير للمؤسسات الاعلامية سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية ، ففي التصور الاول ان هذا العدد الكبير هي ظاهرة صحية تعبر عن حرية الاعلام ، إلا أن قراءة هذه الكثرة في سياق الاهداف التي تأسست من أجلها وسائل الاعلام هذه يثبت أن الكثير من وسائل الاعلام هذه ، لا تتحرك إلا من أجل أهداف تتموضع في إسقاط التجارب و الاشخاص الفاعلين و العاملين أو من أجل أن تكون أداة للابتزاز و تحقيق مصالح معينة وتكون كما هي بعض القنوات الفضائية مشروع للتجارة وللاسترباح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، و لان مقالاتنا تبحث في كل ما يرتبط بالسلطة القضائية ، فلا بد من أجل بحث ذلك أن نتنازل عن اي صورة راسخة في أذهاننا عن القضاء اوجدها الاعلام سواءا إيجابية أو سلبية ، ونبدأ من تحليل الاتي :
أ: اللغة و الصورة التي تريد أن تنقل العمل القضائي و هو عمل تخصصي و أحترافي الى مادة للتداول الجماهيري عن طريق استخدام لغة انفعالية و عاطفية و بجمل مرسلة لا تتجاوز كونها كلمات أو عبارات تقييميه من غير أي منهج واضح أو أسلوب سليم ، و للتمثيل على ذلك سنقتصر على بعض النماذج : ( الاتهام المبني على الجهل في القوانين و الاجراءات هو العنوان الابرز لما نتحدث عنه فمثلا أتهام رئاسة السلطة القضائية بالتقصير في محاسبة الفاسدين أو الارهابيين و هكذا ، وهذا محض تجهيل لانها اي الرئاسة لا تباشر هذه القضايا و إنما مسؤولياتها بالكامل غير هذا ) هذا الاسلوب يعبر بشكل صريح أن هذه الوسائل هي للتجهيل و ليس للاعلام ، و عملية التجهيل هنا هي اسلوب للمحاكاة لحالة الغضب التي تعمل هذه المؤسسات على صناعتها و ادامتها و السعي من اجل ضخ كل ما يجعلها مستمرة عبر تغذيتها بالطرق المختلفة ، تحدثنا في مقال سابق عن ( منطق الزعيق ) و هو الاسلوب الذي يُلجأ إليه أثناء الغضب و فقدان الكياسة و الهدوء في الحكم و اتخاذ القرارات ، هذه المعادلة هي محض تلاعب نفسي في الجمهور العام و لذلك نجد ان سمة الخيبة و فقدان الامل ترسم تفكير الكثير من المواطنين العراقيين الذين هم بحاجة وعلى صناع الرآي ان يعملوا على بث الامل فيهم من أجل مواجهة التحديات و الاخطار التي تستهدف هذا الشعب و هذه الدولة العظيمة ، و بهذا تحقق المفهوم الذي كان يتحدث عنه المفكر العربي ادوارد سعيد ( خيانة المثقف ) في عمل الكثير من صناع الراي في العراق