23 ديسمبر، 2024 7:39 ص

اعترف بأني قد اصبحت في عداد المدجنين، او ربما كان اسمي مسجلا في مقدمة قوائم اليائسين، لاني اضعت جزءا من الوعي وفقدت القدرة على التعامل مع الواقع بالشكل المطلوب، والغيت من قاموس معرفتي الحكمة التي تقول ان من اصعب الاشياء في حياة الانسان هي كيف نتعامل مع الزمن.
كنت اعتقد ان الحياة هي صرخة مدوية في دهاليزها لكي تكشف ماذا خبأت وماذا تخفي وماذا تعد للقادم لكني ايقنت ان الحياة غير معنية بصراخي ، وفيها من العبث في لفت انظار الاخرين، لانها بمثابة  عواء في صحراء مترامية الاطراف، لايرد فيها احد على استغاثتك  سوى صدى لايطفي نيران فاجعة ،ولايروي من عطش او يحسسك  ولو قليلا بالامان .
لقد بح صوتي من كثرة صراخ لاينفع، ونفدت الصلوات وجفت  الترانيم ، ومرت قطارات على مدى مايقرب  من اثني عشر عاما دون ان يتوقف احدها في محطتي التي انتظر واصرخ فيها  ،ولم يترجل منها احد ،ولااعرف الى اي تذهب تلك الجموع الغفيرة التي ملأت العربات المتتالية وهي تلوح بأيديها من خلف الزجاج الاسود.
لم اكن اتمنى قط ان اكون معهم او واحدا منهم ،لاني اكره الذهاب الى المجهول والطرق الغامضة والاتجاهات المهدومة ومسارات العتمة ،لكني مازلت اصرخ ليس من وحدتي حسب بل من وحشة فاضت على جوانبي حتى امتداد الافق ،عندها احسست ان الزمن لم يغادرني بعد عندما رنت اجراسه في مخيلتي اليائسة واعادت صياغة ترتيبها بما يبعدني عن رؤية السراب المخادع  ، او الاستمرار في الانزلاق تحت منابر التيه ، لكن الادهى من كل ذلك اني ايقنت تماما بأن السماء لاتمطر  ذهبا ولافضة ، بل انها باتت حقيقة مفهومة رسختها سنوات العمر.
لم تفسد البصيرة بعد مادام الجسد سليما رغم انه يعيش في فراغ كبير بحجم الكون، ولم يعد الوهم يؤرجحني ونزف الذاكرة لم يحرق كل ماهو متراكم ، فقد تعلمت من جديد كيف تكون البدايات واولها ترك الصراخ ومغادرة الحزن اليومي وشقاء الروح.
لم اكن وحدي في مركب منخور تتقاذفه الامواج ، مزقت الرياح العاتية اشرعته لانعرف متى تأكل اجسادنا الحيتان.
اثنتا عشرة سنة تذكر دموع عيني ، فماذا ننتظر اذن ؟