23 ديسمبر، 2024 5:48 ص

السلوك الانساني بين الجوانب الايجابية والجوانب العدوانية

السلوك الانساني بين الجوانب الايجابية والجوانب العدوانية

ما أحوجنا اليوم للتزود بالحكمة والعبرة، بما يعزز مجتمعنا وقيمنا، ويتصدى لما يعتريهما من تشويه أو تقصير و بتنمية وتعزيز الثقافة التي تعني الرُقي في الأفكار والُرقي في الأخلاق والسلوك والمعارف والفنون التي يطلب الحذق بها، والذي يرى كوبر وهيرون ونيوارد أن تعديل السلوك والتي تتحكم به المثيرات التي تسبقه وهو العلم الذي يشمل على التطبيق المنظم للأساليب التي انبثقت عن القوانين السلوكية وذلك بغية إحداث تغيير جوهري ومفيد في السلوك الأكاديمي والاجتماعي.

هناك من البشر من تعلّم بأن العنف هو سلوك ناجح لحل المشكلات أو تذليلها ، وقد تكون نزوة تعلمها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حيث ينقل الى المشاهد نماذج العنف بطريقة مشوّقة و أكثر من يتأثر بها الأحداث والشباب.. السلوك الانساني هومجموعة من التصرفات الداخلية والخارجية التي يقوم بها الفرد خلال نشاطه اليومي ، من اجل إشباع حاجاته ورغباته وهي قواعد طبيعية ومادية مبرمجة طبقاً للخريطة الوراثية المرسومة لكل فرد من الأفراد من خلال الجينات التي يحملها.

إن تنوع متطلبات الحياة اليومية للبشرية و تعقدها لابد و إن تحمل معها مشكلات مختلفة ، كما إن تعرض الإنسان لضغوط و ارهقات مهنية و اجتماعية متنوعة تجعله بحاجة إلى أساليب تقنية تساعده في التخفيف من هذه الإرها قات و المتطلبات الحياتية بشكل عام ، ومن اللافـت أن البعض يجـدون في سلوك العنفي وسيلة للتخلّص من القيود النفسية التي حملوها من صغرهـم وممـا وقع عليـهم من أذى ومن حرمان ، فإذا بهم يتشبهون بمـن اعتدى عليهم وعلى مشاعرهم ، ويمارسون مثل سلوكه على غيرهم.

مما لاشك فيه ان هناك الكثير من الاشخاص في حياتنا لديهم القدرة على الظهور بشكل ودود لطيف، ‏في الوقت نفسه يمارسون فيه هوايتهم بتعكير مزاج الآخرين، لا يظهرون غضبهم أو استيائهم بشكل مباشر، و ‏‏هناك من يختفي خلف ذلك ويعتمدون على أساليب أكثر مكرًا و في مزاجٍ سيئ أو تركه بشعور سيئ ‏حيال نفسه ، ولا يستطيع من أمامهم إمساك شيء عليهم يلومهم عليه، وإذا فعل سيتم اتهامه بسوء الفهم أو عدم تقبل المزاح، ويسمى نمط شخصية هؤلاء “الشخصية العدوانية السلبية” او ذوي “السلوك العدواني السلبي” وهناك البعض من السلوكيات تثير غضب المحيطين يُعتبر هذا السلوك ناتج من بعض العوامل الاجتماعيّة والبيولوجيّة و يتلذذون بإلحاق الأذى بالآخرين، سواء كان لفظي أو جسدي.

في الغالب ان الغضب هو من أكثر الإنفعالات المؤدية الى سلوك العنف والعدوان والذي يتوجه عادة وبصورة آنية ومباشرة الى المصدر الذي أثار مشاعر الغضب لديه، إلا أن الكثير من حالات العدوان لا تقتضي توفّر الغضب في نفس القائم بها, كما يتضح من الممارسات العدوانية التي يقوم بها الأفراد في ظروف ومواقف خالية من الغضب الناجم عن إثارة نفسية؛ كما أن للغضب بحد ذاته أن ينتهي بالعدوان،غير أن هذه الإمكانية تتوقف الى حد كبير على مقدرة الفرد في ضبط انفعالاته وعلى تمتعه بالعقلانية الكافية التي تمنعه من تصريف غضبه عن طريق اللجوء للعنف.

هناك طرق مختلفة يمكن فيها تتعامل مع الشخصيات السلبية العدوانية ولا ينبغي أن نهرب من الذي يمكن ان يكون معقدًا جدًا بالنسبة لنا للتعامل معه و يجب أن نفعله و نفهم أساسيات هذا الاضطراب حتى نستطيع السيطرة عليه، ونحاول ان تغييره بطرق مقنعة و ألا نأخذ المواضيع على محمل الهزل بل بالجد ويكون بمحمل شخصي، ودائمًا تحاول إصلاح سوء الفهم للتفاهم مع المتعامل معه .نحاول أن تتجنب الدخول في جدال، لاننا سنجد انفسنا نلجأ إلى نفس تعامله ‏ويجب أعطِاء النقاش طابعًا رسميًا، ورسم حدودًا لذلك الشخص الذي امامك حتى لا ‏يتمادى في أسلوبه

ولم يسجل التاريخ الإنساني حتى الآن فترة زمنية أو حضارية إختفت فيها ظاهرة العنف والعدوان من حياة الإنسان ، والدليل على هذا أن التواصل في ممارسة العدوان ثابت بوضوح في سجلات التاريخ الحافلة بالأحداث والحروب منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، ناهيك عن حوادث الإعتداء والعنف والتي لا تحصى بين الأفراد والجماعات إذا نحن أضفنا الى الممارسات العدوانية التي تستهدف الأرض والمُلك وسلامة الشعوب،

وهناك الممارسات التي تستهدف الإيذاء النفسي من نوع أو آخر والتي تبيّن لنا بوضوح بأن ظاهرة العنف والعدوان هي أكثر الظواهر السلوكية الملازمة للإنسان على مرّ العصور.

هناك الكثير من الدراسات تؤكد أن العدوان سلوك مكتسب أثناء الحياة بفعل عوامل إجتماعية وبأنه يتعزز ويتواصل بفعل هذه العوامل، ويتحقق هذا الإكتساب للسلوك العدواني نتيجة التعرّض لمثله والتعلّم من نماذجه، خاصة إذا اقترن ذلك بالمكافأة على القيام به أو توقع هذه المكافأة ، ومع أن هذه النظرية للسلوك العدواني لا تقر بوجود غرائز داخلية ينبع منها العدوان تلقائياً ، إلا أن من الواضح أنها تتفق مع نظرية الدوافع العدوانية في أن ما يثير العدوان يأتي من عوامل إجتماعية أو محيطية تجعل من هذا السلوك ممكناً.

وهذه الظاهرة استرعت اهتمام الإنسان منذ القدم في محاولة للحد منها، وقد عُنيَ بها الفلاسفة والحكماء ورجال الدين والقانون والأدباء وعلماء الإجتماع والنفس والسياسيون والمختصون في العلوم البيولوجية والفيزيولوجية العصبية وغيرها من ضروب العلم والمعرفة.

وبالرغم من الجهود الحثيثة ، فإن هذه المحاولات لم تسفر الى نتائج إيجابية ولم تؤد الى خفض حقيقي لحوادث العنف ، وعلى العكس فإن ظاهرة العنف بمختلف أشكالها, هي حتى في هذا العصر الصفة المميزة للسلوك الإنساني, وهي في تزايد مرعب ، ولها أن تعطي الإنطباع بأن شيطان العنف الإنساني قد أفلت من قمقمه وأن لا سبيل لإرجاعه إليه.

العالم الشهير سيجموند فرويد يرى أنَّ السلوك العدواني ناتج عن غريزة فطرية، وأنَّ العدوان رد فعل طبيعي لما يواجه الفرد من إحباطات، على مستويات مختلفة، وأن هذا الشعور ينبع من المشاعر والاتجاهات وتكون أسبابه اجتماعية ونفسية وأيضاً بيولوجية.

لقد بات من المؤكد أنَّ ثمة أسباب ودوافع أخرى تتسبب في مثل هذا السلوك منها الحرمان والإحباط والغيرة والظروف الاجتماعية أو المادية والأسرية أيضا. وعوامل التربية والتنشئة المجتمعية هي التي تشكل شخصية الفرد، فإما أن يكبر بصفات وسلوكيات تجعل منه إنسانًا طيب الخلق والذكر، أو عدوانيا وغير مرغوب مجتمعياً، ولا قدرة لأحد على أن يتواصل معه أو أن يستمر في ذلك.

صحيح أنَّ الشخصية العدوانية تحتاج لمن يأخذ بيدها، ويمنحها المشاعر الإيجابية النبيلة، لكن أيضًا على الشخص العدواني نفسه مسؤولية أن يراقب نفسه، ليدرك جيداً طبيعة الصفات التي يعيش بها، عليه أن يحاسب نفسه بما قام ويقوم به يوميًا، حتى يجد الحل لكل ما يعيشه ويعاني منه الآخرون بسببه، و إذا ما اشتدت وطأة الحياة وتأزمت الكلمة وعجز العقل عن التمييز بين الواقع والخيال، أو بين الشيء ونقيضه، عندئذ نلجأ للحكمة التي هي خلاصة تجارب الناس لمئات السنين ، والحكمة لا تأتي إلا من تجربة، والتجربة لا تأتي إلا بالعمل، وقيل قديما: اسأل مجرب ولا تسأل حكيم