19 ديسمبر، 2024 12:43 ص

السلفية الانتهازية تفجر براكين الفتنة داخل البيت السياسي الشيعي!

السلفية الانتهازية تفجر براكين الفتنة داخل البيت السياسي الشيعي!

هكذا سمحت التطورات والتفاعلات السياسية التي حدثت في العراق بعد عام 2003 بتمدد الخطاب الإسلامي داخل المجتمع العراقي، من ثم حدث الانقلاب الفكري بعد تآكل الأطروحة الأيديولوجية لجميع قوى الإسلام السياسي وتحديدا (أحزاب الإسلام السياسي السُني) وخير مثال (السلفيون) الذين تحولوا بقدرة قادر من معسكر أبن تيمية وزعيمهم الروحي محمد عبد الوهاب مُنظر السلفية الحديثة إلى معسكر ولاية الفقيه. لكن من سخريات القدر أن تصبح السلفية بأديباتها ومرجعياتها وملامحها، وآثارها السلبية على الدين ومضارها الاجتماعية محل اهتمام من قبل بعض القوى السياسية الشيعية، بالرغم من أنهم على خلاف وصراع فكري واجتماعي وثقافي مع السلفيين إلا أن الحل الناجع في صراعهم مع أشقائهم داخل البيت السياسي الشيعي، هو استحضار السلفية الانتهازية إلى جانبهم بحسب رأيهم. بيد أن هذا الهوس والتمسك بالسلفية جعلها تتحول إلى وباء خطير لنشر الفتنة داخل البيت السياسي الشيعي.
وفي ربط هذه العَلاقة ببعض القضايا الأساسية في المشهد السياسي العراقي، نلحظ أن السلفية الانتهازية تعاني من أزمتين أولهما، الترديد الببغائي وبحسب الجهة التي ينتمون إليها، أيا كانت عقيدة وأيديولوجية هذه الجهة، ليبرالية، إسلامية، يسارية. وثانيا، هستيريا العودة إلى مسرح السياسة من خلال فن التمثيل. وبصراحة شديدة قرأنا كل شيء عن السلفية لاسيما أن أطروحة الدكتوراه كانت عن الإسلام السياسي وجذور السلفية، ومن خلال أكثر من 400 مصدر ومرجع يتحدث عن السلفية، المفكرين والمنظرين، الجذور، التاريخ، المرجعية وأدبياتها، بل حتى كتاب الجاسوس البريطاني بعنوان (مذكرات مستر همفر) أتهم محمد عبد الوهاب منظر السلفية الحديثة أنه جاسوس بريطاني، إلا موضوع التمثيل فلم أجد مصدر واحد، كتاب أو بحث أو دراسة بسيطة ذكر فيها أن السلفية تُجيد فن التمثيل، وهذا ما حدث صورة وصوت في الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي، لاسيما أن فن التمثيل للسلفية لم يكتفي بالتعامل مع سيكولوجية المجتمع والتعامل مع مزاجه العام، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بتوظيفه سياسيا، حقا لقد تطور فن الدراما لينقل المسرح من تلك الخشبة الى أرض الواقع فتتسع مساحة كتابة السيناريوهات لتشمل أغلب جوانب حياة البشر. هذا ما يحصل في استراتيجيات العهد السلفي الحديث الذي يعيشه المجتمع العراقي حاليا، شخصيات وعناوين تتميز بإداء أدوارهم البهلوانية إضافة لجماهير تصفق بحرارة أو تُسحق وفقا لتوجيهات المخرج الخفيّ. وكل هذا من أجل قطف كلمة السيد الرئيس. فبين الحلم النرجسي للعودة إلى المنصب وبين الواقع السياسي الحالي، اصطدمت السلفية الانتهازية بجدار برلين (السيد الحلبوسي)، الحلبوسي الذي أطاح بالسلفية ولم يسمح لها أن تستعيد أمجاد السنين الخوالي، أما التيار الصدري فقد ذهب أبعد من ذلك حيث جعل السلفية تتنفس الخرافة. وعليه فقد انكشف خصاء السلفية الانتهازية أمام العراقيين. الجدير بالذكر أن السلفية لم تلتفت إلى أنها تعاني من الخصاء منذ دخولها في العملية السياسية، فتتصرف بغرور وعنترة الثيوقراطي المستبد. وبما أن الاستبداد صفة تلازم الغباء، وكل مستبد وغبي مفلس في السياسة. إذن السلفية الانتهازية في العراق تهرب باتجاه خيالاتها فلا تُبصر ما تشرق عليه الشمس جليّا في الواقع.
وتأسيسا لما تقدم، على القوى السياسية الشيعية أن تدرك الكلفة التاريخية في حال تمسكها ببعض من رجالات الحرس القديم وخاصة الكهول في المكون السني، ويجب ألا يتصور من احتضن السلفية أنها ورقة تفاوض أو ضغط على الآخرين بقدر ماهي تزوير فاضح ضد العقيدة والمذهب والأيديولوجيا، لأن هذه الرؤية وفق ما يراه العقل والمنطق أصبحت تثير السخرية. في الجانب الآخر المكون السُني نفسه خرج في الانتخابات ليعلن براءته من هذه الوجوه.
ووفقا لما تقدم، فإن هذه الأسماء قد انتهت وهي في مرحلة الإنعاش السريريّة لكن ليس في (مستشفى أبن سينا)، فلم يعد قلبه المريض باستطاعته أن يضخ دماء لأذرعه، وستشلّ جميع الأذرع المسرطنة بالفساد.
في السياق ذاته كان ومازال للإعلام وتحديدا بعض القنوات الفضائية دورا كبيرا وفاعلا في تبييض مثل هذه الأسماء، وأمّا عندما يكون الإعلام له أجندة معينة يقوم بعملية غسيل لهذه الوجوه وتلميع سياستها بين الأوساط العامة، فهو يخدع الناس بما يخدم أجندته. حيث تحولت بعض البرامج السياسية في قنوات معينة إلى بوق يضلل الحقائق. إن ما يجري اليوم في بعض المنابر الإعلامية العراقية هو تبرير الفساد بتلميع صور اللصوص وفرض شخصيات غير مناسبة على المجتمع. بهذا الوصف يمكننا اعتبار أصحاب القنوات الفضائية عملاء يخدمون أجندات حزبية. فالإعلام النزيه يجب أن يكون ناقد ومشرع للسلطة التشريعية وهو في نفس الوقت قاضي يحكم كل انحراف وتجاوز يصدر من المسؤول الذي يخالف القوانين أو يضر بالصالح العام.
وبما أن قوانين الأشياء لا تسمح أن تستقر الشواذ والتناقضات في كيان لا ينسجم معها، ولذلك تحدث الحركة بفعل التنافر والتضاد في عملية خلق استقرار أو انسجام فيما نسميه الواقع. ورغم أن السلفية الانتهازية استطاعت أن تخلق الفتنة بين كل القوى السياسية وليست فقط البيت الشيعي، لكن التفاهمات والتحالفات وعقد الصفقات من الوسائل التي تنتج الحل عندما تتعقد الإشكالات وتعجز العقول عن ايجاد صيغة لمعادلة مقبولة أي من خلال السياسة.