لم تَدَعِ الحكومةٌ فرصة للقوى السياسية خارج الحكومة لتوحيد الخطاب معها خلال الأزمات . في العادة ، تتظافر المواقف والجهود ، كعرف سياسي اخلاقي وتقليد يرقيان الى مستوى القانون ، لتجاوز هكذا أوضاع . إختلال هذه المعادلة في القضايا المصيرية ، ناتج عن ان تلاحق الازمات واندماجها عبر ثمان سنوات ، وجلها من صنع الحكومة ، يجعل تناغم الخطاب المعارض مع الحكومي خيانة اخلاقية وشرعنة لتلك الأزمات وتعميقها لاينبغي الانجرار اليها .
في الملف الأمني ، الأكثر تهديدا ، يتوافق الفريقان على معاداة الإرهاب ومجابهته ، ويفترقان عند توصيفاته وتداخلاته السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، وآليات الحرب عليه ، فتتفرع عن ذلك تفاصيل خلافية إضافية في مقدمتها المصالحة والإجتثاث والمؤسسات المنحلة والتهميش والفساد . التوظيف السياسي لهذه القضايا من قبل السلطة يجعلها محاور لأزمات مستدامة ، تستحيل معها وحدة الخطاب السياسي .
في الشأن الداخلي ، يتجذر صراع الهويات ليزيد في الإنقسام العام ، فإنحشار الدولة في شرنقة الطائفة ، بعد الإحتلال ، ضاءل فرص العدالة والوحدة والسلام والتنمية ، وتكريسُ تقاسم السلطة بمقاسات الطائفية السياسية عزز المسار نحو دولة المكونات ونسفَ مرتكزات دولة المواطنة ، هدف ائتلاف الوطنية ، ورئيسه الدكتور اياد علاوي أبرز الوجوه غير المشاركة في الحكومة . ممارسة السلطة للتحريض ضد معارضيها ، زاد من التعبئة ضد الهويات الفرعية والقضايا المشروعة كما الحال مع اقليم كردستان العراق ، وإعتصام المحافظات الغربية ، والمظاهرات المطلبية في سائر ارجاء العراق ، وباينَ الخطاب إزاءها .
وعلى صعيد العلاقات الخارجية ، تقليديا تمثل السياسة الخارجية للدول مصالحها الوطنية ، وتمارس عبر المؤسسات الرسمية المتخصصة . في العراق ، تماهي الدولة مع ايديولوجيا الحزب او الجماعة في إعتماد الرؤى التاريخية المأزومة تخرج الأمور عن سياقاتها الطبيعية . غياب منطق الدولة عن السياسة الخارجية يحفز المعارضة لملأ الفراغ الناشيء ، فالدور البديل تفرضه الاوضاع الشاذة لتقطيع نسيج العلاقة بين المجتمع العراقي وعمقه ، العربي خصوصا ، وهي واحدة من اسباب تنافر الخطابين الرسمي والمعارض ازاء الازمات في علاقات العراق العربية .
الطلاق في الخطاب السياسي اثناء الازمات يعبر عن سعة الهوة القيمية والمعرفية بين أطراف متباينة الرؤى والاهداف : حكومة تعمل على استمرار قبضها على السلطة بأي ثمن ، وقوى وطنية تكافح للإطاحة بمشروع فاسد ، وإقامة دولة مدنية متسامحة .