17 نوفمبر، 2024 8:26 م
Search
Close this search box.

السلطة والمسخ الأخلاقي

السلطة والمسخ الأخلاقي

-1-
الرقة والانسانية والشفافية ، نادراً ما يتسم بها السلطويون الذين ينغمسون الى الأذقان في الظلم والتنمر بداعي الحفاظ على سلطانهم وسيطرتهم على الأمور ..!!

إنّ تعاملهم مع الأشخاص والأحداث قائم على أساس مُغايرٍ تماماً للأصول الشرعية والقانونية والاخلاقية .

فالإتهام هو سيّد الاحتمالات في كلّ ما لايروقهم من قول أو فعل ، مع أنَّ الاصل هو براءة الذمة حتى يثبت العكس .

-2-

” ذكر العتبي وغيره من الأخباريين :

ان عبد الملك لما سأله الوليد عن خبره -وهو يجود بنفسه- أنشأ يقول :

كَمْ عائدٍ رجلاً وليس يَعودُه

إلاّ لِيَنْظَرَ هل يراه يموتُ

(المسعودي /مروج الذهب /ج3/133

إنَّ (عبد الملك) بن مروان هنا يتهم ابنه (الوليد) أنه انما جاءه لا ليتفقد أحواله وانما لينظر هل مات أم لا ؟

والسؤال الآن :

لماذا اتجه (عبد الملك) الى هذا الاتهام ؟

إنّ حبه للسلطة ، وحُزنَه الشديد عليها – وهو يلفظ أنفاسه – جَعَلَهُ

يتصور أنَّ وليّ عهده وابنه (الوليد) لايهمه الاّ موتُه ليصل اليها ..!!

لقد ملكت السلطة عليه أقطار نَفْسِه ..!!

ويقال :

{{ ان عبد الملك نظر الى الوليد وهو يبكي عند رأسه فقال :

يا هذا أحنين الحمامة ؟

اذا أنا متُّ فَشمّرْ واتّرز ،

والبس جلد نَمْرِ ،

وَضَعْ سيفك على عاتِقِكَ ،

فَمَنْ أبدى ذاتَ نفسه لك فاضرب عُنقه ،

وَمَنْ سَكَتَ مات بدائِهِ ،

ثم أقبل عبد الملك فقال :

إنّ طويلَكِ لقصير ،

وإنّ كثيرَكِ لقليل ،

وان كنّا منكِ لفي غُرور }}

انّ بكاء الوليد – حسب هذه الرواية – يُكذّبُ اتهام عبد الملك له ، بأنه انما جاءه ليرى هل مات أم لا، وصولاً الى تبوء موقع رئاسة الهرم في الدولة ..!!

إنّ بكاءه يعبر عن الألم وهو يرى أباه يجود بنفسه ..!!

ثم إنّ اللحظات الاخيرة من حياة الانسان، لابُدَّ أنْ تتوّج بالتوجه الى الله، وطلب الرحمة والغفران منه، على مابَدَرَ منه من تقصير، وما اجترحه من سيئاتٍ ومعاص جمّة …

ولكنّ أنّى لعبد الملك – وهو الظلوم الغشوم – ان يكون كذلك ..؟!

لقد أوصى وَلَدَهُ أنْ يسير على نهجه في القمع والفتك والضرب بيد من حديد في كل ما يُواجهه من معارضيه ..!!

وهذه الوصية انما تكشف عن عمق المسخ الاخلاقي الذي تحدثه السلطة في نفوس عُشّاقها ….

إنَّ الدنيا بالنسبة الى (عبد الملك بن مروان) وأضرابه، هي مملكتُه الحبيبة التي لايريد فراقها ، لأنه يعلم – علم اليقين – ما ينتظره في الآخرة من حساب وأهوال …

ومن هنا تراه يخاطبها فيقول :

” بأنّ طويلك لقصير “

إنَّه يعتبر السنين التي قضاها في الحكم ، -رغم طولها وامتدادها -قصيرة…

وليتها تمتد به الى عقود أخرى ..!!

” وإنَّ كثيرَها لقليل “

وما قدّمته الدنيا لعبد الملك مِنْ متع وملذات، وفرص للتحكم بأمور البلاد والعباد ..، لاينظر اليها الاّ بعين الانتقاص ، فهي عنده قليلة يسيرة، ولسان حاله يقول :

(هل من مزيد) ؟!

ثم انه يصحو من غفلة ، ويرى نفسه مُطوّقاً بالمصير الأسود الذي آل اليه فيقول :

(وان كنّا منكِ لفي غرور )

نعم ، لقد لفّه الغرور فأعماه عن رؤية الحقائق ، وجَعَلَهُ يتلذذ بكل ما يُتاح له من متع الحياة ، بعيداً عن حسابات الآخرة والاحساس برقابة الله الخفيّة ، فباء بالخسران العظيم .

وهكذا هم كلُّ الحكّام الذين يسيرون على هذا النهج الأعوج المحفوف بأشدّ المخاطر …

*[email protected]

أحدث المقالات