23 ديسمبر، 2024 6:51 م

السلطة القضائية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية

السلطة القضائية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية

(لا توجد في الحكومات البشرية سوى قوتين رابطتين قوة السلاح وقوة القوانين، فإذا لم يتول قوة القوانين قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة فأن قوة السلاح هي التي ستسود حتما وبذلك تؤدي إلى سيطرة النظم العسكرية على المدنية)
تستمد الدولة اسس سيادتها من وجود القانون، الذي ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم وعلاقاتهم بالدولة والعلاقة بين السلطات المعترف بها في الدولة وعلاقات الدولة بالدول الاخرى ، والغاية الاساسية من السلطة القضائية تطبيق القانون وتفسير قواعده . فالسلطة القضائية وان كانت لاتصنع القواعد القانونية المنظمة لسلوك الأفراد والجماعات والتي هي من اختصاص الأجهزة التشريعية , فان السلطة القضائية هي التي تضمن اتزان النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وخاصة في أوقات التغييرات السريعة , فهي بذلك تكون عامل رئيسي في زيادة كفاءة الأفراد والمؤسسات وتوجيه طاقات المجتمع وموارده إلى البناء بدلا من تبديدها في المشاكل والمنازعات التي تؤدي في النهاية في أغلب الحالات إلى خسارة جميع الأطراف .
الحقيقة أن النص على ضرورة إستقلال السلطة القضائية في الدستور والقانون وتناولهما مبادئ وأحكام عامة من شأنه أن يشكل عامل ردع لكل من أشخاص السلطة التنفيذية والتشريعية، ومنعهم من التدخل في أعمال السلطة القضائية ، وبالتالي لن تكون هنالك أي رقابة ولا إشراف على أعمال السلطة القضائية ولا سلطان عليهم سوى القانون.وهذا كله من شأنه أن يدعم وبكل قوة مبدأ إستقلال السلطة القضائية وعدم تغول أي سلطة عليها.
 وقيام سلطة قضائية مستقلة في الدولة من المبادئ التي كرستها معظم المواثيق و الاتفاقات الدولية و منها قرارا الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم(40/32) في 29/تشرين الثاني/1985 و (40/146) في 29/كانون الثاني /1985 الذي أورد المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية و السبل التي تؤدي إلى هذا الاستقلال كما تؤكد أغلب الدساتير في العالم على اعتبار استقلال القضاء مبدأ دستوريا يتعين على باقي سلطاتها احترامه، و يتوجب على قانونها تكريسه. و قد تعددت العبارات المستعملة في هذا الصدد ، فمن الدساتير من يقتصر على اعتبار القضاء مستقلا عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، دون أن يرفعه إلى مصاف السلطة بالمعنى اللفظي للكلمة، كما هي حال المادة 82 من الدستور المغربي  و منها من لا يتحدث إلا عن استقلال القضاة كأشخاص رغم اعتباره القضاء سلطة، حيث نصت المادة 97 من الدستور الأردني الواردة في الفصل السادس منه تحت عنوان “السلطة القضائية”، على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. و من الدساتير من يعتبر القضاء سلطة كقرينتيه التشريعية و التنفيذية، مشيرا صراحة إلى استقلاله كما هي حال المادة 123 من الدستور السوداني التي تنص في فقرتها الثانية على أن السلطة القضائية مستقلة عن الهيئة التشريعية و السلطة التنفيذية و لها الاستقلال المالي و الإداري اللازم. و منها أخيرا ما تلتقي فيه كافة المواقف المذكورة مثل مافعل الدستور العراقي الدائم في الفصل الثالث منه الخاص بالسلطة القضائية وما يتعلق بها، حيث تطرق في المادة (85) منه على استقلال القضاء والمحاكم بمختلف أنواعها بنصه ( السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون)، وهذا يعني استقلال القضاء الوظيفي، أي من ناحية ممارسته لوظيفته، ثم يتطرق الدستور الى ماهو أهم في المادة التي تليها بنصه (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة)
ادت التطورات التي حدثت على الصعيد الدولي الى تأكيد وتعزيز موقع السلطة القضائية في هرم الدوله الحديثه فبعد ان كانت تذكر في ذيل القائمة بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية اصبحت قمة ذلك الهرم باعتبارها السلطة المخولة بمحاكمة السلطات الاخرى بضمنها رئيس الدولة والحكومة ومجلس النواب طبقا لاجراءات محددة في نصوص الدساتير الوطنية فهي السلطة التي لها الحق في نقض اي تشريع صادر عن السلطة التشريعيه او اي قرار صادر عن السلطة التنفيذية استنادا الى تفسيراتها لنصوص الدستور ولاتملك السلطتين الاخريين الحق في ذلك والا عد ذلك خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات فمن ينادي بشعار دولة القانون يَقصِدْ حُكْما سمو سلطة القضاء على بقية السلطات . فقد شهد العالم رئيس اقوى دولة في العالم والمقصود هنا الرئيس الامريكي بيل كلينتون وهو الذي لديه حصانة قانونية ودستورية باكيا امام المدعي العام وهو يحاصره طوال ساعات بأسئلته فيما عرف بفضيحة مونيكا ليونسكي ولم يشفع لذلك الرئيس انه حقق اعلى نمو في الاقتصاد الامريكي ولم يجد امامه من مفر سوى ان يعترف بذنبه ويطلب الصفح من الشعب الامريكي .كما شهد العالم القضاء البريطاني وهو يتابع رئيس تشيلي السابق دون الالتفات الى تاريخه كرئيس دولة سابق بالاضافة الى القضاء الفرنسي وهو يحاكم الرئيس السابق جاك شيراك دون ان ننسى محاكمات القضاء الايطالي لبرلسكوني رئيس الوزراء الايطالي السابق وهي شواهد تبرهن على الدور الكبير الذي بدا العالم يعطيه للسلطة القضائية في بناء واستقرار النظم الديمقراطية .
 وعلى مستوى الدول العربية نرى ان القضاء العراقي قد حقق سبقا فهو اول قضاء عربي يحاكم نائب رئيس الجمهورية وهو في السلطة بل ويصدر ضده حكما بغض النظر عن حيثيات ذلك الحكم الاانه موقف يحسب لذلك القضاء الذي يتعرض الان الى هجمة غير مسبوقه ففجأة اصبح هذا القضاء الذي كان السياسيين يتسابقون في وصفه بالنزاهة والعدالة والتاريخ العريق اصبح هدفا للطعن والتشهير وانقلب القضاء النزيه ذو التاريخ العريق بمجرد ان تغيرت المصالح السياسية الى قضاء مسيس وغير عادل .
من المفهوم ان حرية الرأي مصونة ويجب ان تحترم  في المقابل فإن للحرية حدود واخلاقيات ،  اما كيل التهم وتوجيه الانتقاد للسلطة القضائية بصورة اجمالية فهو انعكاس لعدم المهنية وعدم ادراك واستيعاب للتطورات العالمية فان كان هناك اخطاء فيجب تشخيص تلك الاخطاء واعطاء الحلول وعدم الاكتفاء بتوجيه التهم فأن كان هناك عدد من القضاة لايتمتعون بالحيادية او عدم الكفأة فلايجب ان يتم تحميل تلك الاخطاء للنظام القضائي وسرد واقعة محددة معززه بالادلة والتي تتبع الطرق القانونية في التقاضي تخدم الاهداف ولاتعطي الحق لاي كان في تلطيخ سمعة السلطة القضائية لان القاريء البسيط سوف يفهم من ان الحالة المنشورة هي مثال يتكرر وبالتالي فإن الاثار السلبية لهذا المقال ابعد بكثير مما يظنه من يطلق تلك الاتهامات لان فقدان الثقة بالقضاء يعني هدم لاساس الدولة فهو الملاذ الامن للمواطن في تحصيل حقوقه ومنع الظلم فان ضاعت الثقة بذلك القضاء تحول الموطن الى شريعة الغاب لذلك ندعو الى النقد البناء الذي يقصد الاصلاح وليس النقد الذي يستهدف غايات سياسية والله من وراء القصد