الحراك المجتمعي ما كان له إن ينفجر في (العراق) لولا تفاقم وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية؛ التي أثرت مشكلاتها وأزماتها على الواقع الاجتماعي بشكل ملحوظ وواسع النطاق؛ بعد انهيار القطاعات الخدمية من ماء.. والكهرباء.. والمشتقات النفطية.. وارتفاع الأسعار.. والبطالة.. وتدهور قطاع الصحة.. والتعليم.. ومؤوسسات الصناعية.. والإنتاجية.. والزراعية؛ بما لم يعد أي قطاع في البني التحتية والفوقية إلا وقد أصابه الدمار والخراب، ليبقى الشعب يعاني من ظروف معيشية صعبة في خضم هذه الأوضاع المزرية؛ وسلطات الدولة التنفيذية.. والتشريعية.. والرئاسية؛ تتراجع وتخفق من مواجه وإيجاد حلول لهذه الأزمات والمشكلات المجتمعية.
وهذا التراجع والتجاهل من قبل سلطات الدولة (العراقية) وعدم إيجاد حلول ومعالجات واقعية؛ وبقاء الأسباب والمسببات الأوضاع على أزماتها وتراكماتها؛ والتي تفاقمت أكثر وأكثر مع مرور الزمن؛ طالما بقيت الأسباب التي أدت إليها، لتكون هذه الاختناقات في صلب مطالب الشعب لمعالجتها؛ ولكن بقائها لأكثر من ستة عشر عاما؛ هو الذي فجر هذا الحراك الجماهيري بعد إن وجد الشعب كل مسببات الأزمة باقية دون إن يتم إيجاد مخرجات لحل هذه الاختناقات التي جلها تعود إلى مضمون (الدستور) الذي تم كتابته في ظل أوضاع استثنائية اثر احتلال (الأمريكان) لدولة (العراق) في 2003، ولم يتم طوال هذه الفترة تعديله أو تغيره، وتغير نظام الحكم القائم على المحاصصة والطائفية والتي تم توظيفها من قبل ميلشيات حزبية ولصالح أجندة خاصة محلية وإقليمية تعبث بأمن الدولة وسيادته بحملها السلاح الخفيف والثقيل؛ لدرجة التي أصبحت قوة هذه المجاميع المسلحة الخارجة عن القانون أقوى من قوة الدولة؛ لتتدخل في رسم سياسية الدولة والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والمالية، وهؤلاء اليوم هم الذين يعبثون بأمن الدولة وسيادته واستقلاله بتنفيذ أعمال إرهابية قمعية باندساسهم بين المتظاهرين ليشعوا الفوضى والخراب بممتلكات الدولة؛ وهم من يقوم بتخطيط وتنظيم وتنفيذ إعمال الشغب؛ فيغتالون ويقتلون النشطاء المتظاهرين من أبناء الشعب وهم عزل مسالمين خرجوا بالتظاهرات مطالبين بحقوقهم المشروعة؛ لإظهار المتظاهرين إمام أجهزة امن الدولة وسلطاتها بكونهم ليسوا متظاهرين سلميين بقدر كونهم أناس خارج القانون؛ ليتم قمع انتفاضتهم الشبابية الرائعة، والحكومة تعي بكل هذا دون إن تقوم بأي تحرك للحد من تدخل المندسين من أفراد الميلشيات الحزبية؛ وتغمض الطرف؛ وربما هي الأخرى تشارك بمثل هكذا تصرفات الغير الأخلاقية لسببان:
الأول، بكون سلطتها اقل من سلطة هؤلاء.
وثانيا، أنها غير قادرة.. وليس لها حلول لمعالجة الأوضاع والاختناقات المجتمعية.
ولهذا فان الحكومة (العراقية) من اجل الإسراع في إنهاء التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية؛ ولعدم اتساع رقعتها بحجة فرض القانون، لجئت إلى أسلوب المطاولة والمراوغة لكسب مزيدا من الوقت؛ ولعلا يسعفها في ذلك تغيير أحوال الطقس ليتم تراجع المظاهرين، دون إن تعي الحكومة ومن يحميها من الميلشيات الحزبية بان هذه التصرفات باتت مكشوفة لدى جميع المتظاهرين؛ وهو الأمر الذي يزيدها إصرار في الصمود والتحدي والبقاء في التظاهرات وشوارع المدن؛ سواء في (بغداد) أو في بقية المحافظات (العراقية)، لحين تنفيذ مطالبهم برحيلها وتغير النظام القائم؛ بكونهم كل يوم يمضي من عمر التظاهرات يزيدهم وعيا وإدراكا بما يجري خلف كواليس وأروقة الحكومة والسلطات الدولة، لان في نظر أبناء الشعب بان الحكومة وسلطات الدولة فقدوا شرعيتهم بعد إن رفعوا السلاح بوجه الشباب لم يحملوا السلاح ليستشهد برصاص امن الدولة والميلشيات والقناصين؛ ليستشهد أكثر من (ثلاثمائة شهيد) وأكثر من (اثني عشر ألف جريح) منذ بداية التظاهرات الجماهيرية في (الأول من تشرين الأول) الماضي، فالدولة وسلطاتها لهم يد في هذه الجرائم المرتكبة بحق الشعب (العراقي)؛ لان الشباب المتظاهر لم يحمل في احتجاجاتهم سوى أعلام (عراقية) وكممات لتقيهم من الاختناقات؛ بسبب إن أجهزة امن الدولة تستخدم وبشكل مفرط القنابل المسيلة لدموع لإجبار المتظاهرين بالتراجع والانصراف؛ وهذا ما جعل الشباب المتظاهر يصر البقاء في الشوارع ويرفع سقف مطالبه بإسقاط الحكومة وتغير النظام .
فالحكومة الفاقدة الشرعية تقاعست ولم تقديم سوى وعود وقوانين ترقعية مخدره لتهدئة الأوضاع دون تنفيذ أو تطبيق منها شيئا، وهي بذلك تعمل من وراء الستار مع هذه النخب الحزبية الميلشاتية التي تشارك في الحكم، ولهذا فإنها تعمل بإمرة هذه الميلشيات لتستخدم العنف المفرط بحق أبناء الشعب واستخدام كل أساليب القمع ضدهم؛ وهذا ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء في صفوف المتظاهرين الشباب، فهذا الإرهاب المستخدم من قبل الحكومة ضد (شباب العراق) المسالمين المطالبين بمطالب معيشية وبالوطن الحر المستقل ليتم لها قتل وجرح ألاف الشباب ما يجعها تفقد شرعيتها؛ ليس فحسب إمام الشعب (العراقي) بل إمام الدول ومنظمات الدولية وحقوق الإنسان .
ومن هنا ارتفعت سقف مطالب الشعب المنتفض إلى إسقاط الحكومة (عادل عبد المهدي) والذي لا بد من المسائلة وتقديمه إلى العدالة بعد ارتكابه هذه الجرائم الشنيعة بحق أبناء الشعب؛ لينال جزاءه العادل بكونه قائد العام للقوت المسلحة؛ وان أوامر القمع والقتل صدرت من مكتبه وبإمرته، وما تم ارتكابه من جرائم فانه يتحمل كل المسؤولية؛ وكذلك فان البرلمان (العراقي) الذي ظل يتراوح في مكانه؛ وبعد مرور أكثر من شهر كامل من بداية هذه التظاهرات مازال يتفرج على المشهد بدم بارد؛ دون تدخل ودون نزول أعضاءه للمشاركة الجماهير في التظاهرات؛ بكون كل عضو من أعضاء البرلمان (العراقي) يمثل مائة إلف مواطن؛ الم يكن من باب الأولى لعضو البرلمان إن يمثل هذه الشريحة من المجتمع؛ النزول إلى الشارع مع المتظاهرين؛ متضامنا معهم……!
ولكن لأنه جاء إلى البرلمان عبر التزوير وتلاعب بأصوات الناخبين فانه لا محال لا يعلم عن أي شريحة هو يمثل …….!
وهذا هو واقع الحال؛ لان هؤلاء الأعضاء انشغلوا بالمغانم.. وحصص.. وصفقات.. وتهريب الأموال.. واستثمار الغير المشروع؛ الأمر الذي يجعل اليوم ابسط مواطن من الشعب (العراقي) يدرك هذه الحقائق، ولهذا بعد إن يأسوا المواطنين؛ هبوا متظاهرين مطالبين بالإلغاء كل منظومة الحكم في (العراق)؛ ليتم رسم صورة جديدة لهذه المنظومة التي لم تحكم (العراق) إلا بالفساد.. وبالتدمير.. وبالتخريب البني التحية والفوقية لدولة (العراقية)، لذلك فان مطالب الجماهير ارتفع سقفها.. وسترتفع؛ لحين إن تتحقق ثورة الشباب.. ثورة الكادحين.. ثورة الفقراء والأحرار؛ على ارض الواقع، وستتحقق – لا محال – لان الشباب (العراق) خرجوا إلى الشوارع وهم يحملون وعي وإدراك عالي بقدرتهم على تغيير أوضاع البلد عبر تظاهرات سلمية، لنرى اليوم كيف تتحول تظاهرتهم إلى مهرجانات شعبية احتفالية – رغم سقوط وجرح ألاف منهم ولكن عزيمتهم بالصمود هو اعتزازهم بدم إخوتهم الشهداء ليكونوا قدوة لعملية سلمية خرجوا وجندوا أنفسهم لها من اجل (عراق حر مستقل) – لتعم جميع محافظات (العراق) وشوارع (بغداد) .
إما موقف (الرئاسة العراقية) فلا يحسد عليه؛ بكونه لم يكن أفضل حال من إسلافه في رئاسة (التنفيذية) و(التشريعية)؛ فان رئيس الجمهورية العراقية (برهم صالح)؛ بعد كل هذا المخاض يخرج ليقدم لشعب (العراقي) بعد طول انتظار وصبر مقالة إنشائية لا تقدم ولا تؤخر من شيء؛ وكأنه كاتب لمقال يقدم نصه إلى صحيفة محلية؛ وليس خطابا موجها إلى الشعب يصدر في قمة أزمة يعيشها الوطن والشعب؛ وهو يمر في اخطر مرحلة من تاريخه المعاصر، فرئيس الجمهورية الذي كان من المفروض إن يكون حازما في قراراته للحد من هذا التسويف الذي تمارسه السلطة التنفيذية والتشريعية؛ ولكن للأسف جاءت كلمته وخطابة مخيبا .
ومن هنا أدركت الجماهير المتظاهرة في شوارع (العراق) بان ليس إمامها من أي خيار سوى مواصلة نضالها لإسقاط الحكومة والبرلمان وتغير لنظام بمجمله؛ وإجراء انتخابات برعاية (الأمم المتحدة) التي دخلت على خط الأزمة في (العراق) وإدانة استخدام العنف بحق الشعب، مما حد بالبرلمان (العراقي) بدعوة حضور رئيس الحكومة (عادل عبد المهدي) إلى البرلمان ومطالبة الكتل التي رشحت (عبد المهدي) إلى تقديم الاستقالة وحفظ ما وجه قبل إن تبادر على إرغامه بالاستقالة؛ والأخير اشترط حضوره إلى البرلمان (العراقي) بان تبث الجلسة على الشعب مباشرة، ويبدو إن مهاترات كلامية مرجحة على التصعيد – وهو أسلوب الذي تعود علية ساسة (العراق) منذ قيادتهم للسلطة بعد 2003 ؛ والذي أوصل الوطن إلى هذه الاختناقات القاتلة – وهذا بدون ادني شك؛ سيزيد من اختناقات الشارع الذي هو أصلا متوتر بكون أبناء الشعب والجماهير الشباب والنخب الطليعة من العاطلين عن العمل والعمال والطلبة والمعلمين والأساتذة والمحامين وكل النقابات العاملة في (العراق)؛ بل وقام الأطباء الأحرار بنصب مخيمات في شوارع لمعالجة الجرحى من المتظاهرين ميدانيا، وهكذا ليدخل كل شرائح الشعب وطبقاته ومكوناته المجتمعية إلى ساحات التظاهر مخترقين ساعات حضر التجوال التي فرضته الحكومة اللا شرعية في الدولة؛ ليناصروا إخوتهم في ساحات التظاهر ليحتجوا معا بصوت واحد من اجل وطن حر وحياة كريمة، بعد إن أيقن (العراقيين) الأحرار بان هذه (الكتل) التي مرارا وتكرارا تشكل الحكومة (العراقية) هي ذاتها منذ 2003 تنتج نفسها بنفس الخط والسلوك والأسلوب؛ إن لم تزد من انحرافها وتسترها لبئر الفساد؛ والتي أوصلت البلد إلى هذه الاختناقات المجتمعية؛ مما يجعل أي نتائج يتمخض عن (السلطات الثلاث) مرفوضة من قبل الجماهير (العراقية)؛ لان قوى النشطاء في الاحتجاجات توجه الجماهير على حفظ وجودها و زخمها في الساحات التظاهر من اجل قلب المعادلة السياسية في (العراق) وإحداث التغيير المنشود على كل أصعدة الحياة من اجل بزوغ شمس عراق جديد .
ومن هنا فان (العراق) يمر في هذه المرحلة من التاريخ بمنعطف خطير يتطلب من قوى الشباب مزيدا من الثورية ومزيد من الوطنية في العمل ودون التراجع من اجل استقلال قرار الشعب لبناء مستقبل مشرف لـ(لعراقيين) في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية.
فالوطنية اليوم مطلوبة من كل أبناء الشعب (العراقي)؛ والتسليح بها وبحب الوطن أصبح واجب مقدس؛ والعمل على الجمع بين مكونات الشعب الواحد دون تميز؛ والإجماع على وحدة أطيافهم.. ومكوناتهم.. ودياناتهم.. وقومياتهم.. ومذاهبهم؛ والعمل على محافظة ألأمن وسيادة واستقلال الوطن؛ والتضحية من أجل حماية الحرية؛ والعمل من اجل رفع شان (العراق) بين الأمم عبر رؤية تنموية اجتماعية وتنمية مهاراته البشرية من أجل مواكبة الشعوب الحرة في النهضة والتطور والتحرر؛ والعمل على ترميم ما تم تهشيمه من قيم (عراقية) خلال سنوات الماضية بروح من التعاون والعمل الجاد ومكافحة الفساد الذي أنهك كل مفاصل الدولة (العراقية) والمحاصصة والطائفية التي أوهنت الدولة ومفاصل الحكم وسلطاتها؛ والتي ترتب عنها استشراء الجوع.. والبطالة.. والفقر.. والحرمان بين أبناء الشعب المغلوب عن إمرة في ظل سطوة القوى المتنفذة على قرار الدولة، ورغم شكاويهم وارتفاع معاناتهم وأوجاعهم وصرخاتهم المجتمعية؛ إلا أنها بدون جدوى بقت مطالبهم دون حلول؛ والتي عجزت الحكومات السابقة والحالية من حلها؛ والتي كانت سببا رئيسا لاستعار التذمر لدى أبناء الشعب والذي أدى إلى هذا التوهج وهذا الانفجار لاندلاع شرارة الاحتجاجات والحراك المجتمعي الكبير بسبب الجوع.. والبطالة.. والحرمان.. والفقر .
ومن هذه الحقائق الموجعة يتطلب من الجماهير درجة عالية من الانضباط والاستمرار؛ لان أي تراجع فإننا سنعود إلى المربع الأول؛ مربع التهميش.. والإقصاء.. والتميز.. والعنصرية. والمحاصصة.. والطائفية.. والفساد.. والبطالة.. والجوع.. والقهر.. والفقر.. والتشرد.. والنزوح.. الهجرة.. وسرقة أموال العامة.. وتدمير البني التحتية والفوقية؛ بما يجرف الدولة إلى منزلق الانهيار الكامل واللا الدولة، وعلينا إن نتعلم من التجارب السابقة لنضيف للمشهد السياسي صفحة مشرقة وبوجوه شابه لنضخ الحياة (العراقية) بقوتهم وتطلعات الشباب من اجل غدا مشرق للشعب والوطن ومن اجل الحرية وسيادة الدولة واستقلال قرارها، وليس إمام الشباب والشعب سوى طريق التغيير من واقع (العراق) الحالي إلا بالتحرر والنضال؛ وهذا لا يأتي إلا بالثورة وبإيمان الشباب بقوة الثورة من اجل التغيير والإصلاح، وهذا لا يأتي ما لم يكن لدى الشباب المتظاهر استعداد ثوري ونضالي قائم في صميم تطلعاتهم المستقبلية في النهضة والتحرر والتقدم ومن طراز خاص يساهم في تنظيم صفوف المتظاهرين وتوجيه نضالهم للارتقاء بالعمل الجاد؛ يشكل مضمونه ثورة سياسية في التغيير الشامل للبنية الاقتصادية والاجتماعية، لان (التغيير) هو مفهوم إرساء البديل السياسي الذي يتجه نحو تنمية شاملة في البنية الاقتصادية والاجتماعية؛ والذي يتطلب وعي جماهيري ونضال جاد في تنظيم صفوف الجماهير والطبقات الكادحة ضمن حركة سياسية ثورية ونضالية تحررية، لان قوى المضادة لن تقف إمام هذه التطلعات الثورية دون إن تمارس أبشع وسائل القمع والألاعيب القذرة لإجهاض نضال الحركة الشبابية الثورية التي تتطلع لتغيير واقع السياسي في (العراق)؛ وهذا ما يتطلب من قوى الشباب الثوري والجماهير المنتفضة توحيد صفوفهم ونضالهم مع كل مكونات المجتمع (العراقي) من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه؛ دون تميز لا دينيا.. ولا مذهبيا.. ولا طائفيا.. ولا قوميا؛ لإحداث التغيير المنشود الذي يتطلع إليه كل أبناء الشعب (العراقي)؛ بعد إن ذاق الوجع المر والمعاناة القاسية طوال الحقبة الماضية .