23 ديسمبر، 2024 6:38 ص

السلام من مطلب نخبوي الى نزوع شعبي !

السلام من مطلب نخبوي الى نزوع شعبي !

لا يُعرف بعد عدد المشاركين في مظاهرة دعاة السلام المضادة للحرب في ساحة التحرير وساحات الوطن الأخرى, الجمعة الفائتة…. وبغض النظر عن ذلك والأهم منه هو تحول رفض الحرب وجرّ العراقيين الى اتونها الى مطلب شعبي وظاهرة عامة قبل ان تكون نخبوية سياسية محدودة !
خصوصاً بعد انخراط تيار اسلامي شعبي واسع, في الدعوة اليه, وهو التيار الصدري, في سابقة تاريخية حيث كانت شعارات السلام ومناهضة الحروب والنضال من أجل تحقيق هذه الأهداف محصورة بالشيوعيين والديمقراطيين فحسب.
لكن هل نحن حقاً إزاء تحول جذري في التفكير العراقي بالجنوح نحو التعامل السلمي على كل المستويات في حل تناقضاتنا ؟
لايمكن نفي ذلك, لأن النزوع الفطري الأنساني الطبيعي هو دائماً نحو الحياة والأستقرار وليس العكس… اضافة الى عذابات العراقيين من تجربة تاريخهم القريب المريرة عن الحروب التي لازالت مآسيها طرية في ذاكرتهم, لا سيما وان وقودها كان دائماً الكادحين والفقراء .
ان تحول ذلك الى ثقافة ومبدأ, فيما لو حدث, سيُعد تحولاً ايجابياً في طريقة التفكير العراقية بعد معاناة طويلة من ثقافة العنف والسلاح وسياسات شن الحروب.
وبرغم ان للضغط الشعبي حوبته وتأثيره الا ان الكابح الأكبر للسلام الداخلي يتمثل في مناهج وأجندات القوى السياسية واذرعها الميليشياوية التي تمتلك السلاح وتهدد به السلام الأجتماعي, وضرورة تغييرها.
وهذا يستوجب, قبل كل شيء, وجود قرار حكومي حازم بأحتكار السلاح بيد الدولة ممثلة بالقوى الأمنية والجيش وتجريد اية قوى اخرى منه, وفرض سلطة القانون ومباديء دستور البلاد.
ان القوى المسلحة ترى نفسها اليوم أزاء مفارقة جديدة, الا وهي توفر قناعة عامة لدى المواطن العراقي بأنتفاء الحاجة لوجودها. فقد ادت الدور المناط بها في سحق الدواعش وآن أوان نزع سلاحها وتحولها الى أداة بناء ما دمرته المواجهات الحربية, لاسيما وأن اذرعها السياسية فاعلة على المسرح السياسي ولها وزنها المؤثر,الذي تستطيع من خلاله, لو خلصت نيّتها, خدمة المواطن العراقي الذي يفتقر لأبسط الخدمات, وهو لعمري التحدي الأعظم.
لم يعدْ الأنحياز نحو دعاة الحرب والصدام العسكري, والموت من أجلهم, امراً مقبول شعبياً, حتى ان هذا المنطق اصبح سارياً حتى في اوساط مؤيدي هذه التشكيلات المسلحة.
ولا هو توجهاً جدياً لدى قياداتها بعد تراجع نبرة تصريحاتهم النارية وتهديداتهم بمواجهة القوات الأمريكية على الأراضي العراقية, بسبب الكُلف الباهضة التي ستتكبدها بفقدها الأمتيازات والمنافع والغنائم التي تنعم بها, لذا يبدو تورطها بالمواجهة مستبعداً.
لايكفي تعبير حكومتنا الموقرة عن عدم الانحياز واستعدادها للتوسط بجمع رأسي الخلاف تحت خيمة تفاوض حلال, لتجنيب البلاد آثار اندلاع مواجهة مسلحة محتملة بينهما, بل يجب اتخاذ اجراءات عملية في المجالات الأقتصادية والسياسية والأجتماعية لتلافي تبعاتها على المواطنين, وعلى كيان البلاد ووحدة ترابها الوطني.
وأخيراً, ” لا تظن أبداً ان الحرب, مهما كانت ضرورية او مبررة ليست جريمة “. كما قال أرنست همنغواي.