23 ديسمبر، 2024 2:42 م

السلاح.. بين الدولة والفوضى

السلاح.. بين الدولة والفوضى

اذكر عندما انسحب الجيش العراقي من الكويت عام ١٩٩١، وفي خضم الانتفاضة الشعبانية وخروج اكثر من اربعة عشر محافظة عن سلطة النظام الديكتاتوري ، اجرت سلطة البعث في حينها حملات تفتيشية حاصرت من خلالها الاحياء السكنية في بغداد بحثا عن السلاح ، ونجحت في جمعه الى درجة ان اطلاقة واحدة لم تبقى مع السكان سوى المخولين وهؤلاء ايضا اصبحوا عرضة للمسائلة ومراجعة هيئة عليا مسؤولة عن جمع السلاح واعادة منح التخاويل.

هذه الحادثة تذكرني بما نحن عليه اليوم من فوضى السلاح.. واي سلاح!! ليس الخفيف فحسب بل المتوسط وحتى الثقيل وبيد من نعرف ولاءه للدولة ومن لا نعرف؟؟.

حادثة التفتيش تلك ليست مجالا للاقتداء ، لان الفكرة اساسا مستوحاة من احداث ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي المناطق التي تم تطهيرها من النازيين ، لان انتشار السلاح كان سببا مهما في زعزعة استقرار تلك المناطق باستمرار مقاومة بقايا الالمان المؤيدين لهتلر واندلاع اعمال عنف بين السكان ، وعلى ما اذكر ان الجميع مراقبين ومتابعين ومهتمين رشح قيام الامريكان بعد عام ٢٠٠٣ بخطوة مماثلة في مدن العراق التي شهدت ضياع سبعة ملايين قطعة سلاح خفيف ومتوسط فقدتها قرابة 13 الف مشجب تابع لمعسكرات الجيش السابق تعرضت للنهب ، وفق تقديرات غير رسمية ، ولا يخفى ان جل هذا السلاح استخدم لذبح الشعب العراقي فيما بعد .. ولسنوات.

وبعد سقوط الموصل منتصف هذا العام ودخول داعش؛ ترك الجيش العراقي المنسحب سلاحا يعادل قوة فيلقين من مختلف الانواع ، وكان المفروض ان لا يتفرق هذا السلاح بين البيشمركة او القوى الساندة للقوات المسلحة بل يعود الى حظيرة وزارة الداخلية والدفاع استجابة لمنطق الحقوق والمصلحة الوطنية من جانب. ولفتوى المرجعية الدينية العليا بضرورة حصر السلاح بيد الدولة من جانب اخر. واذ  جرى ما جرى فاننا ننتظر هزيمة داعش والنصر الناجز لتجمع الدولة السلاح بيديها من جديد وتنتهي الفوضى التي احدثها بانتشاره غير المبرر.

لكن مفاجئة الولايات المتحدة الامريكية تأتي لتخلط الاوراق بصورة غريبة ومتسارعة ، باعلان الكونكرس قبل اسبوع قانونا يتجاوز حكومة المركز في تسليح البيشمركة لمواجهة داعش ، وان كان هذا مقبولا مثلما يدفع البعض للضغوط الكبيرة التي يتعرض لها اقليم كردستان في مواجهة الارهاب ولتذليل صعوبات الروتين التي تعيق وصول السلاح الى المقاتلين ، فانه من غير المقبول اعلان البيت الابيض بالامس تسليح جيش من العشائر يقارب المئة الف مقاتل لمواجهة داعش باتفاق غير رسمي مع شيوخ عشائر من المنطقة الغربية ومحافظتي صلاح الدين ونينوى يجري في واشنطن ، لانه ببساطة يتجاوز الدولة مرة اخرى وهو بمثابة اعلان رسمي لتقسيم العراق وفق خطة بايدن سيئة الصيت ، وايذانا بفوضى سلاح كبيرة وجديدة ودوامة من النزاعات بين ابناء البلد الواحد … قد تأكل ما تبقى من الاخضر؛ واليابس.