ذبابٌ يحارب النحل.
ليس لأن النحل اعتدى عليه، بل لأن نوره يفضح ظلمة الذباب، ولأن جهده يكشف عجزهم.
يتسلل الذباب حيث لا يُطلب جهد، يتغذى على الفضلات، ويقتات من بقايا تعب الآخرين.
بينما النحل يصنع عسله من رحيق الأيام، يعمل بصمت، ويترك أثره في الحقول، وفي قلوب العابرين.
لكن الذباب لا يحتمل الفرق.
يحاول طمس الفوارق، ليس بالارتقاء، بل بتسقيط من يعلوه.
يشكك في العسل، ينشر عنه الشبهات: أنه مُرّ، أنه مضرّ، لعل أحدهم يتوقف عن الإعجاب به.
وإن لم يُفلح، سرق تعب النحل ونسبه لنفسه، لا بحرفية، بل بحيلة.
لا يعرف العمل، لكنه يتقن التملق، ويجيد الوقوف في الصورة، حيث يلمع العسل ولا يُذكر النحل.
هذا الذباب…
تجده في مواقع العمل، في ممرات المؤسسات، في زوايا الحياة، حيث يدّعي وجهًا حسنًا ويُخفي سمًّا ناعمًا.
لا تُجدي معه المواجهة، لأن التبرير لديه خُطة، والمغالطة مَذهب، و”اعمل نفسك مش إنت” عقيدة.
المراوغة زاده، والتصيّد مهارته، والنميمة صوته الوحيد.
لا يطلب حياءً، ولا يعرف كرامة.
يحسب خبثه ذكاء، ويظن أن طريق القمة يُختصر عبر أكتاف الآخرين.
لكن…
ألا ترى أن حلاوة العسل الممزوجة بلسعة النحل، أجمل من سكرٍ مسروق لا طعم له ولا روح؟