من الموكد أن من خطط لإنتاج فلم (براءة المسلمين) لم يقصد الإساءة العابرة فقط، من خلال عرض فلم قصير لا يتجاوز 14 دقيقة؛ وإنما من خلال ما يترتب على عرض الفلم، فقد انقسم المسلمون ما بين متطرف بطريقة إجرامية وبين متظاهر بطريقة سلمية وبين داعٍ إلى إقرار قانون يجرم المسيئين إلى الأديان، وكل من هذه الإتجاهات تُسعد منتج الفلم، فالمتطرف من المسلمين أرى العالم بأن ما أراد الفلم قوله لم يخطئ الهدف، فها هم المتطرفون المسلمون يتصرفون على سجيتهم ويدمرون ويقتلون، الأمر الذي جعل المنتج يثبت للعالم حقيقة ما ورد في الفلم.
وها هم المتظاهرون المسلمون يسبون ويشتمون ويتفاعلون مع عمل استفزازي لا يتوجب الرد عليه بهكذا تظاهرات غوغائية. أما الهدف الرئيس لمنتج الفلم؛ فقد حققه له مثقفو المسلمين ومفكروهم حينما أطلقوا دعوات كثيرة تطالب بسن قانون أممي! يجرم الإساءة إلى الإسلام والمسلمين والأديان بشكل عام، ويعاقب المسيئين. وإذا ما تحقق ذلك وسُن هكذا قانون؛ فإن المستفيد الأول من هذا القانون هو منتج الفلم، وأنصاره، واليهود بشكل عام، وأعداء المسلمين بشكل أعم، فأكثر الدعاوى- وفق هذا القانون المزعوم- ستُرفع من قبل اليهود، مدعين أن القرآن يسيء لليهود في كثير من آياته، فمن قوله: ( مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث) إلى قوله: ( مثل الذين حملوا التوراة ولم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)،وقوله: (… يحرّفون الكلم عن مواضعه…). وحينها سيقع المسلمون في مأزق أكبر من مأزق الإساءة العابرة، فأما أن يرفضوا الإنصياع إلى قانونٍ هم من طالب بسنه، وأما أن يكفروا بدينهم بالتخلي عن آيات من القرآن. وكحد أدنى فإن المحكمة الدولية ستمنع ذكر هذه الآيات- وهي كثيرة جداً- في المقررات الدراسية وعلى منابر المساجد، وعبر وسائل الإعلام، وسيبقى المسلم حذرا من ذكر اليهود حتى بآية قرآنية لئلا يتعرض للمساءلة القانونية، وستشكل لجنة في الموساد لمتابعة الإختراقات الكثيرة، لأن المسلمين لا يستطيعون أن يتوقفوا عن قراءة ختمات القرآن في وسائل الإعلام المسموعة، والمنظورالمسموعة، علما أن اسم الفلم: (براءة المسلمين) ربما يعبر عن هدفه: وهو أن يتبرأ المسلمون من قرآنهم الذي لم يذكر اليهود بخير في آية واحدة، كما يتبرأ المسلمون من تاريخهم، لأن المحكمة الدولية ستفضي بحظر أو بحرق كثير من الكتب التاريخية والتفسيرية التي روت عن غباء اليهود وظلمهم وحقدهم وغشهم وخداعهم، وقالت بتحريف التوراة، فمقولة تحريف التوراة وحدها ستؤدي إلى حظر جميع كتب تفسير القرآن، وتحاكم من يكرر قولها من شيوخ المسلمين، لأنها تعد- في نظر اليهود- إساءة إلى التوراة ككتاب سماوي، فضلا عن كونها إساءة لليهود- قديما وحديثا- كونهم محرفين.
إن الذي يخدم المسلمين هو: سن قانون يجرم المسيء إلى الأنبياء فقط، لأن كل الأنبياء مقدسون عند المسلمين، بشرط أن يذكر في ملحق القانون أسماء الأنبياء الذين يُجرَم المسيء إليهم، لأن بعض الأديان لا تعترف ببعض الأنبياء، وعلى المسلمين ألا يقترحوا إدراج فقرات تجرم المسيء إلى الأديان والكتب السماوية والمتدينين، لأن ذلك – كما ذكرت- سيقلب السحر على الساحر، ويُسقط المسلمين في فخ البراءة. علما أن اليهود سيصرّون على تجريم المسيء إلى المتدينين والكتب السماوية أثناء مناقشة القانون قبل صدوره، الأمر الذي يجعل المسلمن يقفون بالضد من سن هذا القانون ويعدوه إساءة إلى الإسلام! فنعود من حيث بدأنا؛ لنجني نتائج التسرع والتصريحات غير المدروسة.