23 ديسمبر، 2024 5:20 ص

-1-
من يتابع الامام الحسين (ع) من لدن خروجه من المدينة المنورة في اواخر رجب عام 60 هجرية، حتى وصوله مكة المعظمة واستقراره فيها حتى يوم التروية – 8 ذو الحجة من نفس السنة ، يجد نشاطا مكثفاّ في مضمار التهيئة والتعبئة للمشاركة في ثورته العارمة على الكيان الأموي الغاشم ، ومفاسده ومظالمه وانحرافاته الخطيرة، التي أعادت الجاهلية الى الوجود، بانقلابها على الاسلام ومفاهيمه وأحكامه …

والاّ فما معنى قول يزيد :

لعبتْ هاشمُ بالملك فلا

خَبَرٌ جاءَ ولا وحيٌّ نَزَلْ ؟

-2-

ومن أهم ما قام به الامام الحسين (ع) في تلك الفترة الرسائل التي كتبها الى العديد من الشخصيات النافذة، ومنهم وجوه أهل البصرة :

كالأحنف بن قيس ،

والمنذر بن الجارود ،

ويزيد بن مسعود النهشلي ،

وقيس بن الهيثم …

وكان مما كتب اليهم :

(اني أدعوكم الى الله ونبِيِّه

فانّ السنة قد أميتت ،

فإنْ تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبل الرشاد والسلام )

وبعث الكتاب بيد مولاه (سليمان) المكنّى (بابي رزين)

إنّ الذي استجاب من اهل البصرة هو يزيد بن مسعود النهشلي ، وأجاب الامام الحسين (ع) بكتاب يمور بالولاء والطاعة ،

فلما قرأ الامامُ الحسينُ الكتابَ قال :

” ما لَكَ آمنك الله يوم الخوف ،

وأعزّك وأرواك يوم العطش “

وهو دعاء عظيم يكشف عن عمق تقدير الامام الحسين لموقفه

وأما الأحنف بن قيس فكتب الى الحسين يقول :

” أما بعد :

” فاصبر انّ وعد الله حق ولا يستحفنَّكَ الذين لا يُوقنون )

وهو جواب مغموس بالخذلان والنكوص عن نصرته ..

-3-

وأما السقوط الاخلاقي الفظيع فتتجلّى في موقف (المنذر بن جارود) ، وكان والد زوجة (عبيد الله بن زياد)

فانه أخذ الرسالةَ المُرسلةَ اليه من الامام الحسين، وحامِلَها الى (عبيد الله بن زياد) ، فما كان من ابن زياد الاّ ان امر بضرب عنق (سليمان) .

ثم صعد المنبر – بعد قتله – وتوعّد أهل البصرة على الخلاف واثارة الأراجيف .

ونصب أخاه – عثمان بن زياد – نائباً عنه

ثم توجه الى الكوفة مُسرعاً …

أرأيت كيف انحدر (المنذر بن جارود) الى مستنقعات الغدر والخيانة ؟

إنّه لم يكتفِ بالامتناع عن الجواب على كتاب الامام خوفاً على نفسه من الطاغية ، بل سارع الى تسليم الكتاب وحامله الى ابن زياد في مبادرة مشحونه بالجبن والنذالة والتنكر لكل القيم والموازين …

يقول بعض الكتاب :

إنّ (المنذر بن جارود) خشي ان يكون (سليمان) مدسوساً عليه من قبل ابن زياد نفسه …

هب أنه كان مدسوسا ألم تكن السلبية جوابا كافيا ؟

انّ عَبِيدَ الدنيا كثيرون ،

والمنذر بن جارود منهم في الصميم ،

وبهذا الفعل الخياني المشين استحق العار والنار

-4-

انّ للمنذر بن جارود أشباهاً ونظراء يخذلون الرسالة والرساليين ، ويمالئون الجبارين والظالمين، للحفاظ على مصالحهم المحمومة ومشاريعهم المسمومة، وينقلبون على الأعقاب …،

وينتهون الى اسوأ ما ينتهي اليه المراوغون الخادعون .

أعاذنا الله واياكم من سوء العاقبة ، والتخلف عن نصرة الحق وثبّتنا على

الصراط المستقيم .

ونحن نكرر باستمرار ما يقوله الابرار، مخاطبين الامام الحسين :

” ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما “

[email protected]