-1-
من يتابع الامام الحسين (ع) من لدن خروجه من المدينة المنورة في اواخر رجب عام 60 هجرية، حتى وصوله مكة المعظمة واستقراره فيها حتى يوم التروية – 8 ذو الحجة من نفس السنة ، يجد نشاطا مكثفاّ في مضمار التهيئة والتعبئة للمشاركة في ثورته العارمة على الكيان الأموي الغاشم ، ومفاسده ومظالمه وانحرافاته الخطيرة، التي أعادت الجاهلية الى الوجود، بانقلابها على الاسلام ومفاهيمه وأحكامه …
والاّ فما معنى قول يزيد :
لعبتْ هاشمُ بالملك فلا
خَبَرٌ جاءَ ولا وحيٌّ نَزَلْ ؟
-2-
ومن أهم ما قام به الامام الحسين (ع) في تلك الفترة الرسائل التي كتبها الى العديد من الشخصيات النافذة، ومنهم وجوه أهل البصرة :
كالأحنف بن قيس ،
والمنذر بن الجارود ،
ويزيد بن مسعود النهشلي ،
وقيس بن الهيثم …
وكان مما كتب اليهم :
(اني أدعوكم الى الله ونبِيِّه
فانّ السنة قد أميتت ،
فإنْ تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبل الرشاد والسلام )
وبعث الكتاب بيد مولاه (سليمان) المكنّى (بابي رزين)
إنّ الذي استجاب من اهل البصرة هو يزيد بن مسعود النهشلي ، وأجاب الامام الحسين (ع) بكتاب يمور بالولاء والطاعة ،
فلما قرأ الامامُ الحسينُ الكتابَ قال :
” ما لَكَ آمنك الله يوم الخوف ،
وأعزّك وأرواك يوم العطش “
وهو دعاء عظيم يكشف عن عمق تقدير الامام الحسين لموقفه
وأما الأحنف بن قيس فكتب الى الحسين يقول :
” أما بعد :
” فاصبر انّ وعد الله حق ولا يستحفنَّكَ الذين لا يُوقنون )
وهو جواب مغموس بالخذلان والنكوص عن نصرته ..
-3-
وأما السقوط الاخلاقي الفظيع فتتجلّى في موقف (المنذر بن جارود) ، وكان والد زوجة (عبيد الله بن زياد)
فانه أخذ الرسالةَ المُرسلةَ اليه من الامام الحسين، وحامِلَها الى (عبيد الله بن زياد) ، فما كان من ابن زياد الاّ ان امر بضرب عنق (سليمان) .
ثم صعد المنبر – بعد قتله – وتوعّد أهل البصرة على الخلاف واثارة الأراجيف .
ونصب أخاه – عثمان بن زياد – نائباً عنه
ثم توجه الى الكوفة مُسرعاً …
أرأيت كيف انحدر (المنذر بن جارود) الى مستنقعات الغدر والخيانة ؟
إنّه لم يكتفِ بالامتناع عن الجواب على كتاب الامام خوفاً على نفسه من الطاغية ، بل سارع الى تسليم الكتاب وحامله الى ابن زياد في مبادرة مشحونه بالجبن والنذالة والتنكر لكل القيم والموازين …
يقول بعض الكتاب :
إنّ (المنذر بن جارود) خشي ان يكون (سليمان) مدسوساً عليه من قبل ابن زياد نفسه …
هب أنه كان مدسوسا ألم تكن السلبية جوابا كافيا ؟
انّ عَبِيدَ الدنيا كثيرون ،
والمنذر بن جارود منهم في الصميم ،
وبهذا الفعل الخياني المشين استحق العار والنار
-4-
انّ للمنذر بن جارود أشباهاً ونظراء يخذلون الرسالة والرساليين ، ويمالئون الجبارين والظالمين، للحفاظ على مصالحهم المحمومة ومشاريعهم المسمومة، وينقلبون على الأعقاب …،
وينتهون الى اسوأ ما ينتهي اليه المراوغون الخادعون .
أعاذنا الله واياكم من سوء العاقبة ، والتخلف عن نصرة الحق وثبّتنا على
الصراط المستقيم .
ونحن نكرر باستمرار ما يقوله الابرار، مخاطبين الامام الحسين :
” ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما “