السفينة بربانها.. مباركة خطواتك د. ابو رغيف

السفينة بربانها.. مباركة خطواتك د. ابو رغيف

حين أُعلن عن تأسيس هيئة الإعلام والاتصالات في حزيران عام 2004، تساءل الإعلاميون، ولا سيما الصحفيين، عن آليات عملها المتداخل بين الإعلام والاتصالات، إذ كانت الصورة منذ البدء ضبابية بشأن هذا التداخل، وبقيت الضبابية مستمرة طوال السنوات الماضية، في عهد من تولّى أمرها، حيث جرى التركيز على مجال الاتصالات دون الإعلام. وتلك مفارقة غريبة، أن يتم العمل على الجزء الثاني من اسم الهيئة وتُنسى الشق الأول، فبدت كأنها “هيئة اتصالات” فقط، إلى أن تولّى الشاعر الدكتور نوفل أبو رغيف المسؤولية، فأعاد “الهيبة” للإعلام، ليغدو متساويًا مع الاتصالات!

بدايةً، أقول إنه من النادر أن يتفق المراقبون والمهتمون على صواب قرار إداري معين، لكن ما حدث مؤخرًا مع قرار تولّي د. أبو رغيف رئاسة هذه الهيئة المهمة، كان مبهجًا، إذ حظي بإجماع واسع من مختلف الأوساط؛ لما يتمتع به من بُعد نظر وحكمة، ولما أثبته من جدارة واقتدار منذ اليوم الأول لتسلّمه زمام المسؤولية. فقد أبدى التزامًا مهنيًا عاليًا، إذ واصل لقاءاته اليومية مع مختلف الجهات، مستعرضًا رؤى تطويرية وخططًا طموحة للنهوض بهذا القطاع الحيوي، الذي لا يقل أهمية عن سائر القطاعات الكبرى. ولعلّ أبرز ما ميّز تلك اللقاءات، أنها لم تكن بروتوكولية الشكل، بل كانت محطات لحوار صادق ونقاش مثمر، يتلمّس حاجات المرحلة ويستقرئ آفاق المستقبل.

ولأن القيادة تُقاس بالنتائج، فإن الملامح الأولى للنهج الجديد بدأت تظهر بوضوح، من خلال تفعيل جوانب عديدة في العمل، سواء على مستوى الأداء المؤسسي الداخلي، أو في مستوى العلاقة مع الجمهور والشركاء المحليين والدوليين. فقد أعاد الحيوية إلى الهيئة، وفعّل أدوات التواصل الحديثة، وربط بين الخطاب الإعلامي الرسمي وواقع المواطنين وتطلعاتهم.

إن إدارة الإعلام والاتصالات ليست مجرد جهاز تنفيذي، بل هي واجهة الدولة ومرآتها أمام الداخل والخارج، وصوتها في زمن ازدحمت فيه الأصوات وتنوعت المنابر. وما كان لهذه الهيئة أن تستعيد وهجها ومكانتها، لولا وجود شخصية قادرة على فهم حساسية الدور وعمقه، والتعامل معه بعقلية منفتحة، تدرك أن الإعلام والاتصالات في عصرنا لم يعودا ترفًا أو أمرًا تكميليًا، بل هما أداة استراتيجية لا غنى عنها في بناء الصورة الذهنية، ودعم الاقتصاد، وحتى في تحقيق الأمن الوطني.

ويُحسب للدكتور نوفل، أيضًا، أنه جاء في وقت دقيق تمر فيه البلاد بتحوّلات عميقة، وإصلاحات هيكلية تتطلب خطابًا متزنًا، ومصداقية في الطرح، وقدرة على إيصال الرسائل بدقة، وهو ما عمل عليه منذ البداية، مؤمنًا بأن الإعلام شريك في التنمية، لا مجرد ناقل للأخبار.

كما لا يمكن إغفال الدور المالي الكبير الذي تضطلع به الهيئة، والتي باتت ترفد خزينة الدولة بعوائد مهمة، لتكون في المرتبة الثانية بعد النفط من حيث الإيرادات. وهذا يؤكد أن الإدارة الحديثة لا تقتصر على تنسيق الخطاب والتواصل، بل تمتد لتشمل حوكمة الموارد، وتحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز التنافسية، وكل ذلك لا يتحقق إلا بقيادة واعية ومخلصة.

إن ما نراه اليوم من ديناميكية في العمل، وثقة متزايدة من قبل الشركاء المحليين والدوليين، يعكس أن السفينة قد وُضعت بيد ربان يعرف كيف يبحر بها وسط التحديات؛ رجل يُجيد الاستماع كما يُجيد القرار، يجمع بين الحزم والمرونة، وبين الرؤية الواقعية والطموح الكبير.

ختامًا، لا يسعنا إلا أن نشيد بعطاء شاعرنا العزيز، ونبارك له هذه الثقة المستحقة، متمنّين له دوام التوفيق في مسيرته، لما فيه خدمة الوطن والمواطن، ودعمًا لهذا القطاع الذي يشكل اليوم إحدى ركائز الدولة الحديثة.