4 نوفمبر، 2024 9:28 م
Search
Close this search box.

السعودية وسوريا..«الثأر البايت» وأشياء أخرى

السعودية وسوريا..«الثأر البايت» وأشياء أخرى

انغمست الحكومة السورية بالكامل في الملف اللبناني لعقود طويلة اثناء الحرب الاهلية اللبنانية وبعدها. ولم تتمكن سوريا من الاستحواذ على الملف اللبناني بمفردها، لكثرة الفصائل المتحاربة وتنوع انتماءاتها الفكرية والدينية والطائفية، الأمر الذي سمح لآخرين أن يدلوا بدلوهم، بقوة أو على استحياء، ورغم ذلك، بقيت سوريا هي اللاعب رقم واحد.

وكانت المملكة العربية السعودية احد أهم اللاعبين الاقليميين التي امنت لها حضورا مهما في لبنان، تتوج باتفاق الطائف الذي شكل مدخلا اساسيا لإنهاء الحرب الاهلية. إضافة لذلك، دفعت السعودية برفيق الحريري (1944-2005) إلى الواجهة كزعيم جديد للبنانيين السُنّة من خارج «العوائل»، كما نسجت [السعودية] شبكة من العلاقات المتينة مع اغلب القوى اللبنانية.

وعلى الطريقة اللبنانية؛ انتهت مسيرة رفيق الحريري نهاية دراماتيكية مؤلمة سبقه إليها عدد من زعماء الصف الاول في لبنان ككمال جنبلاط وبشير الجميل ورشيد كرامي ورينيه معوض، إضافة لعشرات من الوزراء والنواب والزعماء السياسيين.

وبعد أن تولى سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية في تشرين الثاني 2009،  اقدمت قوى المعارضة اللبنانية [الحليفة لسوريا] على إسقاط حكومة الحريري في الثاني عشر من كانون الثاني 2011. وما كانت المعارضة اللبنانية لتقدم على ذلك لولا «ضوء اخضر» أو طلب سوري مباشر.

ولم تهضم الحكومة السعودية الطريقة المُهينة التي اطيح فيها بسعد الحريري. وساد العلاقات السعودية ـ السورية شلل تام، خاصة بعد فشل المساعي التركية والقطرية لتسوية الأزمة والخروج بحل وسط، ولكن لم تتكلل تلك المساعي بالنجاح؛ «فالثأر البايت» بين المعارضة والموالاة في لبنان وبين بشار الأسد وسعد الحريري جعل الأمور تأخذ منحى شخصيا.

في حديث للتلفزيون السعودي بتاريخ 19/01/2011، عبـّر وزير الخارجية سعود الفيصل عن عمق الالم السعودي، حيث قال: «في البداية لا أقول شخصيا إنني أقود هذا الموضوع، فهذا الموضوع يقوده شخصيا خادم الحرمين الشريفين، وهو اتصل مباشرة، الرأس بالرأس، بالرئيس السوري، فكان الموضوع بين الزعيمين للالتزام بإنهاء المشكلة اللبنانية برمتها، لكن عندما لم يحدث ذلك أبدى خادم الحرمين الشريفين رفع يده عن هذه الاتفاقات».

لقد اسْتَعْدَت سوريا السعوديةَ وتركيا في عنفوان «الربيع العربي»، ففي 14/01/2011 تنحى الرئيس التونسي زين العابدين علي وترك تونس تحت ضغط المتظاهرين، وتلاه الرئيس المصري حسني مبارك بعد اقل من شهر (11/02/2011، إلا انه لم يغادر مصر). وامتد «الربيع العربي» ليشمل اليمن وليبيا وسوريا.  ولو كانت الاخيرة تدري بتطورات الأحداث لما اقدمت على ما اقدمت ابداً ابدا.

إنّ تجربة أفغانستان مازالت ماثلة، فالدعم المالي والبشري الخارجيين شكّـلا ثنائيا فريداً في مساعدة الافغان على دحر جيش الاحتلال السوفيتي (إضافة لعوامل أخرى لا تقل اهمية، ولكنها ليست موضوع بحثنا). ولهذا اختارت القوى الإقليمية والدولية تجربة نفس الترياق في سوريا، خاصة وأن كل الظروف الموضوعية المحلية باتت متوفرة في سوريا. ويمكن ايجازها في ما يلي:

استخدام الحكومة السورية للقوة المفرطة بوجه الحراك الشعبي الطامح نحو التغيير.
لا اجد وصفا ابلغ من وصف الصحفي اللبناني «طلال سلمان» للعنف الذي واجه به النظام السوري معارضيه، حيث قال:
«اختلفت قواعد اللعبة مع بشار الأسد في سوريا فأخطأ الخيار: تصرف كقائد عسكري في أرض معادية حين كان يفترض أن يتصرف كطبيب عيون يعالج رؤية أهله. لم ينفع المدفع حيث كان المطلوب استنقاذ البصر والبصيرة. سال الدم غزيراً. صار طوفاناً يجرف المدن والقرى، الجامعات والمدارس، المستشفيات والمطارات. أطلق الطيران يطارد من دفعوا ثمن الطائرات وتكاليف تدريب الطيارين. زغرد العدو طرباً. أصاب الحزن الأهل والأصدقاء بالصدمة. التهمت الحرائق النصائح وأغرق طوفان الدم العقول ومصادر الحكمة. سقطت سوريا صريعة فتقطعت أوصالها. صار الشمال غير الجنوب والشرق غير الغرب. امحت مدن وهدمت قلاع يسكنها التاريخ والأبجدية الأولى. تهاوت مساجد تحمل أسماء أبطال الفتوحات وكنائس تحفظ خطوات تلاميذ السيد المسيح». [المصدر: جريدة السفير اللبنانية، طلال سلمان، «كل عام وأنتم بخير: سنبقى جديرين بالحياة!»،01/01/2013]
افساح الحكومة السورية المجال لتيارات دينية متشددة بالعمل في سوريا ومنها.
لقد اقدمت سوريا على ذلك استباقا لعدوان امريكي كان متوقعا بعد احتلال العراق. وهذه مقاربة ليست جديدة، فقد فعلها الرئيس المصري أنور السادات وقرّبَ التنظيمات الإسلامية المتطرفة وأفسح  لها المجال لتمتد في صفوف الطلاب والعسكر لكي يواجه التيار اليساري المصري. وأثبتت الأيام خطل تلك الخطوة؛ فقد قتل السادات على يد الاسلاميين انفسهم.
يقول الكاتب اللبناني سليمان تقي الدين: «لقد واجه النظام السوري الإسلاميين في «حماه» بالاجتثاث الدموي، ثم تراخى بعدها في وجه انتشار ثقافة الإسلاميين، وحاول الظهور بمظهر الملتزم بتقاليد الإسلام، وحالف إيران، وشجع وأدار الحركات الإسلامية في لبنان وفي العراق وفلسطين. وكلما تراجعت شرعية الأنظمة قومياً ووطنياً واجتماعياً، كانت تستحضر الثقافة الدينية و«الشرعية الدينية» لكي تغطي بها عجزها وفشلها». [جريدة السفير، سليمان تقي الدين، «الرصيد العربي الجاري»، العدد 12389 بتاريخ 29-12-2012].

إضافة «للثأر البايت» منذ أزمة «حكومة سعد»؛ للسعودية اسباب أخرى دفعتها للخوض في غمار الأزمة السورية:

التحالف «السوري ـ الإيراني» العميق الذي عجزت السعودية عن تفكيكه أو تحديد امتداداته، فبوجود الحكومة الشيعية في العراق وحزب الله في لبنان سيطبق «الهلال الشيعي» على كل بلاد الشام والخليج العربي، وهذا ما لا تحتمله السعودية أبدا. إن التحسس الخليجي المفرط من «التمدد الإيراني» في المجال العربي الحيوي، ليس ابن اليوم، بل انه في اعلى درجاته منذ أن أعلن الإيرانيون عن عزمهم على «تصدير الثورة». وللحقيقة والإنصاف؛ فإن الهاجس الطائفي العقيدي هو ليس أكثر من عنوان ظاهري، فعرب الخليج متيقنون أن ايران تستهدف الاستقرار والسلم الاهلي في بلدانهم.
منع اكتمال «الهلال الإخواني» الممتد من تونس حتى سوريا.
إن «الهلال الإخواني» لا يقل خطورة أبدا عن «الهلال الشيعي» الذي سيأفل تلقائيا بسقوط حكم بشار الأسد. والسعودية ليست بالسذاجة لكي تقبل باستبدال هذا بذاك لمجرد أن الاول سنّي والثاني شيعي، فعندها ستصبح «كالمستجير من الرمضاء بالنار».
إن السعودية وكل دول الخليج العربي معنية بنفس الدرجة بتفكيك «الهلال الإخواني» الذي هو بصدد الاكتمال. فإذا كان ممكنا تحصين الجبهة الداخلية ضد «الهلال الشيعي» بحكم الاختلاف الطائفي، فمن الصعب جدا تأمين ذلك في حالة «الهلال الإخواني».
لم تخالف «الثورة الإسلامية الاخوانية» شقيقتها الإيرانية؛ فقد تبين أن «الإخوان المسلمين»  مولعون أيضا بفكرة «تصدير الثورة». وتأكد ذلك لاحقا حين اكتشفت تنظيمات «إخوانية» محلية وإقليمية ناشطة في الامارات والسعودية والكويت بإشراف مباشر من «اخوان» مصر.

إن تداعيات الأزمة السورية من الضخامة والهول بحيث أن لا احد يمكنه أن يلتزم الحياد أو يدعيه. ولهذا فإنّ كل القوى الإقليمية والدولية قاطبة «ادلت بدلوها» في الأزمة السورية.

يرى الزعيم السياسي ورئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي أنه «لا يوجد حياد [= لا يجوز الحياد] في قضية سوريا، هذا خطأ، نحن نضحك على انفسنا، هناك دولة مجاورة شقيقة فيها أزمة قاتلة، وشئنا أو أبيـْنا؛ فإن هذه الأزمة ستنتقل إلى العراق بكل المقاييس. لذا فمن غير المعقول أن تبقى محايدا». [المصدر: لقاء تلفزيوني في قناة الاتجاه العراقية الفضائية، 11 شباط 2013].

على العكس من كل التوقعات؛ دفعت الأزمة السورية بالعراق والسعودية إلى أن يفتحا نافذة جدية لإعادة وصل ما انقطع بينهما من حبال الود والعمل المشترك لضمان استقرار دول الخليج العربي (من ضمنها العراق) وبلاد الشام.

منذ قمة بغداد العربية، يطمح العراق بعزيمة لا تلين نحو تحسين علاقاته مع السعودية. وبتنا نشهد مبادرات سعودية ايجابية بالمقابل؛ فقد ابرم البلدان اتفاقية تبادل السجناء، وعادت الحياة لخط «بغداد – الرياض» الجوي بعد انقطاع دامَ أكثر من اثنين وعشرين سنة، وأول الغيث قطـْرُ.

أحدث المقالات