23 ديسمبر، 2024 2:41 م

السعودية والسيناريوهات القادمة – عن الإسلام الحواري والإسلام الانتحاري ؟؟

السعودية والسيناريوهات القادمة – عن الإسلام الحواري والإسلام الانتحاري ؟؟

* ماذا لو شكل العراق والأردن وسوريا ،جبهة تبرر غزو السعودية ؟؟

القوّة الظاهرة والضعف الكامن ،في مقابل القوة الكامنة والضعف الظاهر ،ذلك مايظهره المشهد بين كل من العراق والسعودية في اتجاهين متضادين ،فما هي مصادر القوة والضعف عند كل من الطرفين ؟ وكيف يمكن إدارة الصراع بينهما ؟

لم يعد هناك الكثير في العالم – خاصة في الدول الكبرى – من يسأل إن كان للسعودية دور في دعم الإرهاب من عدمه، ولا عن حجمه واتساعه ، فتلك أصبحت أشبه بقناعات تؤيدها أدلة وشواهد كثيرة، إنما البحث عن وسائل ناجعة لإسقاط النظام السعودي ، بات أشبه بالضرورة ، فذلك إن حصل ،سيكون بمثابة هدية كبرى للديمقراطية وضربة كبيرة لقوى الإرهاب ،وهو ما أصبح بمثابة بداهات قد لايختلف عليها كثيرون ،لكن السؤال إنما يتمحورحول الكيفية التي يمكن العمل من خلالها

،من دون إثارة مشاعر المسلمين إن تم الإسقاط بغزو خارجي ،لا حباً بالنظام هناك،بل لإظهارإن أي عمل عسكري تقوده دولة أجنبية ،سيكون بمثابة استهداف لمقدسات المسلمين في مكة والمدينة ، أكثر مما يستهدف نظاماً بعينه.

ثلاثة من الأسلحة الرئيسة التي كانت تعتمد ها السعودية

كنقاط ارتكاز لإدامة حكمها ،يكمن أولها في قدرتها على التعامل مع الغرب والانحياز له أيام الحرب الباردة ، ومن ثم تقديم نفسها باعتبارها مركزا الاعتدال في منطقة كانت تعجّ بالحركات والأنظمة الثورية القومية أو الماركسية المناهضة للغرب بمعظمها .

فيما تمثل العامل الثاني ،في سلاح البترول التي استطاعت السعودية من خلال قدرتها الكبيرة على الإنتاج والتصدير ،من سدّ أي نقص في ذلك المصدر الأهم للطاقة ،ومن ثم الحفاظ على استقرار أسعاره العالمية .

أما الأهمية الأكبر للسعودية ،فقد ظهرت إبّان دخول الجيش السوفييتي – آنذاك – إلى أفغانستان ،والمواجهات الشرسة التي خاضها مقاتلون إسلاميون أدت بنتيجتها إلى خروج ذلك الجيش مع ماتبعها من أوضاع ساهمت بنسبة ما في تفكك الاتحاد السوفييتي وبالتالي ربحت أمريكا والغرب الحرب الباردة .

يومها كانت السعودية من أهم الممولين بالمال والسلاح والمتطوعين الذين برز منهم لاحقاً أسامة بن لادن .

كان وجود السعودية بنظامها الحالي ،حاجة مهمة للمصالح الأمريكية ،لذا كانت (أشهر العسل )بين الاثنين تبدو بلا انتهاء ،ما دعى الكثير من المتابعين إلى اعتباران العلاقات الأمريكية مع السعودية ،هي حلف استراتيجي متين .

إلا أن الأمور بدأت تتغير ببطء منذ سقوط جدار برلين ،فأمريكا لم تعد بحاجة إلى السعودية كحليف ثابت ومحوري ، خاصة بعد سقوط الشاه حليفها الأكثر أهمية ومن ثم وقوع الضفة الشرقية من

الخليج بيد (التطرف ) الشيعي(الثورة الخمينية ) الذي دشنت عهدها باحتلال السفارة الأمريكية واحتجاز رهائن أمريكيين ،لم تنجح المغامرة العسكرية (*) في إنقاذهم .

لكن منذ ذلك الحين ،تغيرت معطيات كثيرة لم يصب أي منها في خدمة السعودية ،فبعد أن سقطت نقطة الارتكاز الأولى (الاعتدال والموالاة) وما كان للسعودية من دور في ظل الحرب الباردة ،انحصرت الأهمية في كثافة الإنتاج السعودي من النفط وعدم إيجاد بدائل يمكنها تغطية مايحصل من نقص الإنتاج السعودي في الفترة التي يتطلبها التغيير .

ومع دخول الطاقة البديلة(البترول الصخري ) حيز الخدمة الفعلية في أمريكا ،فقدت السعودية ورقة أخرى لتصبح مكشوفة في وجه الأعاصير ،مقابل الضرر التي باتت تسببه للعالم أجمع بدعمها للمنظمات العنفية بعد أن جعلت من ذلك بمثابة إستراتيجية كبرى – وربما وحيدة – لإبقاء قدرتها على الفعل والحركة .

ماالعمل الذي يمكن أن تقدم عليه الدول الكبرى للتخلص من النظام السعودي؟

مابات واضحاً ، أن الفارق بين العراق والسعودية ليس في نظام الحكم وحسب ، بل في نهجين مختلفين بنظرتهما إلى الإسلام ،فالعرا ق يمكن وصفه بأنه يمثل إسلام (وجادلوهم بالتي هي أحسن) أي الإسلام الذي يتسم به المذهب الاثنى عشري (الشيعة) عموماً ،حيث لم يعرف عن هؤلاء بتاريخ مرجعياتهم الدينية إن لجاوا للتكفير أو استحلال قتل المختلف أو الدعوة إلى ذلك، إنهم والحالة هذه طقوسيون أكثر من كونهم عقائديين ،وطقوسهم السلمية تلك،تمارس تعذيب الجسد دون قتله ،وبالتالي فربما ساهمت إلى حدّ ما، في تفريغ شحنات الغضب التي تعتلج في نفوسهم جراء ما يتعرضون له ،تلك هي طريقة التقرّب إلى الله ونيل الثواب بما فيها الدخول إلى الجنة حسب معتقدهم.

أما السعودية بمذهبها الحنبلي الوهابي ، فهي إسلام (وحاصروهم واقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ) ما يعني في تطبيقاته طلب الجنة عن

طريق قتل الآخر والتقرب إلى الله بقتل النفس التي يزيد تقربها من مرضاة الله بمقدار ما تقتل من المخالف أو المختلف.

وفي وقت يجد فيه العالم نفسه وسط أتون مما يسببه مذهب التكفير والعقيدة التي تحولت إلى أدوات قتل وتنكيل وكراهية ،يبحث عن أفضل السبل للتخلص من هذه الدعاوى التي يبدو إنها تزداد سعيراً بامتلاكها الكثير من الثروات التي يمكن صرفها لنشر مذهب التشدد ،لذا تنمو خلايا الكراهة ومنظمات العنف حيث تصل تلك الدعاوى .

في المشهد الدولي العام ، تبدو البشرية إن بإمكانه التعايش مع طقوس (الدين) الأول بممارساته التي تشبه كرنفالات أو أعياد مما عرفته الكثير من الشعوب عبر تاريخها الحضاري ،فهي طقوس جمالية في بعض أوجهها حيث يجتمع ملايين من الناس في مكان محدد ليمارسوا نوعا من التطهر السلمي بطابعه ومظهره .

أمام هذا الانفصال الفعلي،فمن البداهة توقع إن العالم سيختار الاصطفاف مع (الإسلام) الطقوسي

،على حساب الإسلام العقيدي ،بعد أن تحولت تلك العقائد إلى نوع من سلاح تدمير شامل ضد كل شعوب الأرض،ما يعطي لمقولة هينغنتون (صراع الحضارات ) نوع من الصدقية ،فالإسلام العقائدي يبدو مشتبكا مع العالم كله ،من البوذية والهندوسية شرقاً ، حتى المسيحية غرباً ،مروراً بالإسلام الآخر المختلف وسطاً ،طارحاً نوعاً من الحرب الكونية التي تمتد على القارات الخمس ،وأن بنسب متفاوتة حسب سخونة الصراع ،فيما يمتلك الشيعة مقولة أخرى عن (حوار الحضارات) التي تبدو منسجمة مع طروحاتهم الدينية .

ماالذي يمكن استخلاصة من كلام كهذا؟

لابد لإسقاط النظام السعودي ،أن يوكل إلى طرف مسلم ،وكان الأصلح لتلك المهمة ،أن يقوم بها الإخوان المسلمون ،حيث سيكون تشكيلهم رأس حربة في فعل الإسقاط ،بمثابة صراع داخلي على السلطة تماماً كما فعل آل سعود مطلع القرن الماضي مع الشريف حسين ،لكن الهجوم المضاد الناجح الذي قامت به السعودية في إسقاط حكم

الإخوان في مصر ،الذي لم يتمكن من ترسيخ أقدامه هناك ،أجهض مثل ذلك الاحتمال ،ليجري من ثم البحث عن بديل آخر.

يبدو العراق اليوم ، الأقرب للقيام بهذه المهمة ،لكن أمام ذلك عقبات كبيرة عليه تجاوزها أولاً ، أولها استعادة وحدته الوطنية وقيام حكومة تستطيع أن تكتسب ثقة الشعب – خاصة في مكونه العربي بشقيه الشيعي السنّي – ذلك لأن الانقسامات ستجعل الأمر يصور وكأنه غزو مذهبي لأراض سنيّة،ما يسهم في إجهاض مهمة كهذه ،ذلك ما أدركته السعودية كما أظهرت الأحداث ،لذا سارعت بهجوم مضاد زاد في حدّة الانقسام بين هذين المكونين ، لإجهاض أي احتمال من هذا النوع.

الإ أن الاحتمالات لم تستنفذ بعد، وربما تشكلت لاحقاً من دول ثلاث :العراق – سوريا – الأردن – التي يبدو لكل منها مصلحة في إسقاط النظام السعودي .

المملكة الأردنية التي احتفظت على صعيد خطاب الحكم ،بمرونة سياسية وسلوكية عالية قياساً بالسعودية ،مازالت تشعر أن أرض الحجاز مُلك لجدها الأكبر (الشريف حسين )سليل النبي محمد ،وهذه الأرض قد انتزعتْ منه عنوة من قبل آل سعود ومن ثم فهي بحكم المغتصبة ،لذا فاسترجاعها سيمنح الحكم الأردني زخماً يمكنه من مواجهة التحديات الداخلية التي بدأ يواجهها من الحركات السلفية المرتبطة بالوهابية ، ومن ثم سيظهر الملك الأردني بمثابة محرر لأرض الأجداد ، لكن ولمحدودية القدرات الأردنية وخطورة إعلان العداء للسعودية بقوة نفوذها المالي والمذهبي ،سيجد صعوبة هائلة قبل أن يضمن تحالفاً دولياً تقوده أمريكا لمساندته في مسعاه ،الذي قد لايمثل غزوا عسكريا يقوم به الأردن بالضرورة ،بل رفع درجة الاستفزاز حدّاً يدعوا السعودية للتدخل على غرار مايحصل في العراق وسوريا ،يمكن اتخاذه ذريعة لخطوات لاحقة .

دخول الأردن ساحة الصراع إلى جانب سوريا والعراق ،سينزع صفة الصراع الطائفي ،ليحوله

إلى صراع سياسي بين دول تأذت من سلوكيات السعودية وتشكيلها خطراً يهدد أمنها الوطني .

في حال حصول سيناريو كهذا ،ومع تغطية جوية للطائرات الأمريكية الغربية – بل وربما الروسية كذلك –ومع تحركات داخلية يقوم بها سكان المنطقتين الشرقية والجنوبية حيث الشيعة في حائل والقطيف والإحساء ،والزيدية في نجران وعسير،يمكن توقع انهيار النظام السعودي بالسرعة التي انهار بها نظام صدام حسين ،وبالتالي انبثاق نظام ديمقراطي تعددي على غرار ماهو قائم في العراق ،بعد انسحاب القوات المهاجمة .

لاتحتاج أمريكا الكثير لايجاد مبررات التدخل ،فإذا كانت قد دخلت العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل المشكوك بوجودها في حوزة نظام صدام،فإن بإمكانها إعلان السعودية دولة داعمة للإرهاب الذي يتجاوز خطره ماقيل عن أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل 2003.
الخلاصة :تبدو الدول الكبرى منقسمة في الكثير من المناطق الساخنة في العالم ،لكنه تتفق في نقطتين : دعم العراق ،والموافقة على سقوط النظام السعودي.

2- العراق بين تلعفر وستالينغراد

في الحرب العالمية الثانية ،اجتاحت الجيوش النازية ،مساحات واسعة من الأراضي السوفيتية بضربة خاطفة بعد انهيار الدفاعات العسكرية السوفيتية ،ومن ثم بدا كل شيء قد انتهى بانتصار النازية وهزيمتها لأكبر قوة موجودة هناك ،خاصة بعد أن وصلت القوات النازية مشارف موسكو وطوقت العشرات من المدن الكبرى من ضمنها ستالينغراد، التي بدا حينها ان استسلامها مسألة وقت .

لكن المدينة صمدت بشكل أسطوري ،نزفت بشدة وتهدم كل منزل وبناية ومصنع فيها ،لكنها بقيت تمسك الوحش من ذيله وتمنعه من التقدم .

في أشهر الحصار الطويلة ،كانت الاستعدادات تجري ليل نهار للتحضير للهجوم الكاسح الذي لن

يكتفي بفك حصار المدينة ،بل سيتابع النازية حتى عاصمتها لاقتلاعها ودحر خطرها بشكل نهائي ، وهذا ماحصل .

تبدو تعلفر اليوم بموقف مشابه،فهي محاطة ببيئة معادية أو غيرصديقة بأفضل وصف ،فعلى مساحات شاسعة من الموصل وما يحيطها وصولاً إلى تكريت وجوارها، يسيطر مسلحو داعش المستعدين لقتل كل مايتحرك في ذلك القضاء،وفي إقليم كردستان ،أظهرت المواقف الكردية إنها غير مستعد لتقديم مساعدة من أي نوع ، وهكذا شكلت تلعفر دفرسواراً خطيراً يخترق ولاية داعش ودولة الكرد ،لذا تتكثف هجمات داعش بكل زخمها وقوتها لاحتلال تلعفر كي لايبقى يمسك بالوحش الداعشي من ذيله .

المعطيات المتوفرة كانت تشير أن صمود تلعفر يبدو مستحيلا،فحمايته لاتزيد عن (1/15) من القوات التي كانت تحمي الموصل على مايفترض،لكنها تهاوت في لحظات أمام اندفاع بضعة آلاف من داعش ،فكيف بقضاء يشكل جزءاً

بسيطاً قياساً بالموصل ثاني أكبر محافظة في العراق بنفوس تجاوز الثلاثة ملايين نسمة ،وبقوات تجاوز عديدها المئة ألف .

لكن ماحدث ان تلعفر لم تكتف بتطهير القضاء ونواحيه من داعش وحسب ،بل ألحقت بهم هزيمة لم تكن متوقعة للداعشيين ولا حتى للمراقبين الذين ذهبوا إلى ان كل شيء قد انتهى الى السقوط بيد (النازية) الداعشية .

ماالذي توفر لتعلفر كي تصمد ؟

أكثر من عامل ساهم في ذلك الصمود المتوقع استمراره ،فالحاضنة الاجتماعية لم تتوفر لداعش كما في الموصل ،والوحشية الداعشية جعلت سكان تعلفر يخوضون معركة حياة أو موت ولا بديل آخر أمامهم ، ومع توفر قيادة عسكرية عرفت ببسالتها وكفاءتها العسكرية (أبو الوليد) وبالجسر الجوي الذي تلقاه دعماً لوجستياً ،أصبح الصمود أمراً واقعاً ،ذلك من شأنه قلب موازين القوى لصالح العراق ضد قوى الإرهاب ،شرط أن تتوفر قيادة سياسية وعسكرية ذات رؤية إستراتيجية ، تعد

العدة لهجوم استراتيجي شامل ضد الإرهاب وصولاً إلى الحاضنة الأم .

في فيلم (المقاتل 13) لم يستطع المدافعون عن المدينة القضاء على المتوحشين إلا بمتابعتهم إلى كهوفهم والقضاء على الأم القائدة التي تغذيهم وتحرضهم على العنف .