18 ديسمبر، 2024 10:10 م

السعودية والخروج من عباءة التشدد

السعودية والخروج من عباءة التشدد

الحديث عن المملكة العربية السعودية اشبه بالسير على الحبل . فاذا انصفتها قيل لك انك متأثر بالدعاية السعودية . واذا كنت بالضد منها اتهمت بالموالاة مع ايران , او الاخوان المسلمين ومن ورائهم تركيا وقطر . . ولكن هناك معطيات تدفعني للكتابة عنها . منها التشدد الديني ومارافقه من انتشار ظاهرة التطرف المقيت , ومنها مايقابله من محاولة فك الاشتباك مع المؤسسة الدينية الضاربة في العمق الاجتماعي والتاريخي للمملكة . وكذلك الحملة التركية والقطرية في تضخيم الاحداث تجاه السعودية , والتي ربما ورائها جهات سياسية واعلامية الغاية منها خلط الاوراق

وفي الحقيقة اننا لم نكن على وفاق مع المملكة العربية السعودية في اي يوم من
الايام سواء كنا قوميين عرب ام شيوعيين او يساريين . او مؤمنين بحركات التحرر
العالمية المستندة على التقدم الحضاري . وليس ذلك في العراق فقط انما في كثير من الدول العربية على حد علمي . والسبب في ذلك ليس التشدد الديني فقط . وانما ايضا لانها كانت تحتضن الاخوان المسلمين لفترة طويلة نسبيا من الزمن وهي حركة كانت منبوذة في اغلب الدول العربية وربما الاسلامية ايضا . والاخوان كانوا دائما بالضد من كل الحركات التنويرية والحداثة . اليست كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

ولانريد العودة بعيدا الى علاقة المملكة مع مصر جمال عبد الناصر ومناهضتها للقومية والاشتراكية . ولكننا نبدأ من افغانستان حيث تقوت الحركات الاسلامية هناك في مواجهة الحكومة الافغانية الموالية للاتحاد السوفياتي قبل انهياره . على اعتبار ان الافكار الشيوعية ضد الدين . وبالتالي ضد الاسلام . وقد استغلت امريكا هذا الاعتقاد لطرد السوفيات من افغانستان . وقد ساعدها في ذلك المملكة العربية السعودية التي كانت ضد كل الحركات اليسارية . وهكذا نشطت الحركات الاسلامية الراديكالية وخصوصا طالبان اي طلاب المدارس الدينية في افغانستان وكذلك القاعدة بزعامة اسامة بن لادن . . وامتدت الى باكستان وغيرها , وكل ذلك كان نتيجة الاموال والافكار السعودية والاسلحة والمساعدات الامريكية

منيت القوات السوفياتية بهزيمة فادحة خصوصا بعد قيام الامريكان بتزويد المتمردين الافغان باسلحة مضادة للطائرات تحمل على الاكتاف , فانسحب الاتحاد السوفياتي من افغانستان . وسيطرت طالبان على نظام الحكم في افغانستان بعد اعدام الرئيس محمد نجيب الله الموالي للسوفيات
ونتيجة لتفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره وفشل الحركات الشيوعية . وكذلك سقوط الفكرة القومية العربية ودعاتها . اصبح هناك فراغ عقائدي في المنطقة العربية . استطاع الاخوان والحركات الاسلامية الاخرى من ملء هذا الفراغ لعدم وجود فكرة اوعقيدة اخرى . . ونشطوا لاستلام الحكم في الدول العربية من خلال استغلالهم للانتفاضات العربية التي سميت بالربيع العربي فاسلموها (وذلك بمساعدة دول كبرى واقليمية ) وسيطروا على الحكم في تونس ومصر وكذلك الثورة السورية التي مازالت المعارك مستعرة فيها لحد الان وتلاقفها النصرة وداعش والاخوان المسلمين

اما في العراق فقد تكفلت الولايات المتحدة في وقت
سابق بتسليم الحكم الى حركات واحزاب اسلامية ايضا

ولما كانت المملكة العربية السعودية تمثل مركز العالم الاسلامي لتواجد مكة المكرمة والمدينة المنورة فيها , فقد حاول الاخوان المسلمين التصدي لنظام الحكم السعودي في تنازع على السلطة كما جرى في بقية الدول العربية . فاصبحت القطيعة بين الطرفين حاسمة . وانقلب الود والصفاء الى عداء مستحكم . . رغم ان هناك من يعزوها لاسباب اخرى منها الحرب الامريكية الاولى على العراق , وكل حسب وجهته
وبالرغم من ان قطر هي اقرب للحركة الوهابية في الجزيرة العربية . الا انها تبنت موقف حركة الاخوان المسلمين في صراعها مع المملكة السعودية. . وتعاظم هذا الصراع في سوريا ايضا من خلال فصائل مؤيدة للسعودية واخرى لقطر
ومن جهة اخرى ايدت السعودية انقلاب الجيش المصري على محمد مرسي ومن وراءه الاخوان المسلمين , المقربين جدا من قطر والذي حاول اخونة مصر وتحجيبها . . وبحركة الجيش هذه تخلصت مصر العزيزة من الاخطبوط الاسلاموي المتخلف هذا . وكذلك تونس التي رفضت حكم حركة النهضة (اخوان تونس) بطريقة متحضرة

ثم استعر الخلاف بعد ذلك بين السعودية وقطر حتى وصل الى القطيعة التامة والعداء المستحكم الى يومنا الحاضر
انفقت قطر مبالغ طائلة لنصرة الحركات الاسلامية المتطرفة في سوريا . ثم في ليبيا وكذلك في اماكن اخرى . وسخرت محطة الجزيرة الفضائية كل امكانياتها لهذا الغرض . ولما كانت الاموال القطرية غير قابلة للنضوب فقد وظفت اجانب ومحطات عالمية لتاييد وجهة نظرها تارة ولنصرة الاخوان تارة اخرى . ثم حاربت السعودية بنفس مقدار محاربتها لمصر بعد انقلابها على الاخوان
ولما برز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على واجهة الحكم اصبح الصراع على اشده بين الدولتين الخليجيتين وتم التركيز على ولي العهد بالذات . وتحركت جيوش الكترونية ومراكز اعلامية لهذا الغرض
لقد ارتكبت المملكة العربية السعودية العديد من الاخطاء منها تعاملها الغريب مع رئيس وزراء لبنان سعد الحريري . وقضايا اخرى . ولعل مقتل الصحفي خاشقجي في مقر القنصلية من الاخطاء الكبيرة رغم مخالفتنا لتوجهات خاشقجي الايديولوجية . الا ان الامور لايجب ان تسير على هذا النحو

نحن لسنا هنا في معرض تعداد اخطاء المملكة العربية السعودية . فقد باتت معروفة للقاصي والداني ولكننا نرى ضرورة تغيير السياسة العامة للعربية السعودية الداخلية والخارجية لان لنا مصلحة في سياساتها الايجابية , واخراجها من التشدد الديني الذي تسبب في كثير من المشاكل للدول العربية وللعالم الاسلامي على مدى عقود من الزمان . واذا حاول ولي العهد السعودي تحسين المملكة واخراجها من عصور القرون الوسطى وتطويرها لتنظم الى نادي الحداثة والمعاصرة , فالواجب يدعونا الى تشجيعه لا مهاجمته . ففي ذلك مصلحة براغماتية لنا وللجميع للتخلص من كل مظاهر التطرف والعدائية . ولاسبيل لذلك الا بخروجها الى التحضر والحداثة . ونحن نتذكر في هذا المجال كيف حاول بعض ملوك المملكة تحديثها وتطويرها في السبعينات , واوشكت ان تخرج من قمقم التزمت والتشدد الديني والتطرف الى فضاء التمدن والحضارة . ولكن المدعو جهيمان العتيبي وجماعته قاموا باقتحام البيت الحرام عام 1979 , بدعوى ظهور المهدي المنتظر . وبعد السيطرة على الوضع واعدامه . برز رجال الدين والحرس القديم مرة اخرى ليعيدوا المملكة الى سابق عهدها وقضوا على كل الاصلاحات الجارية في المجتمع السعودي لتعود السعودية الى التشدد الاسلامي مرة اخرى سواء في الداخل او في الخارج
ان المملكة ليست بحاجة الى تحسين الخطاب الديني ونبذ التشدد فقط , وانما هي بحاجة الى ثورة حضارية لمحو كل السجل المتطرف الذي رافق مسيرتها , والذي عانينا منه كثيرا والخروج الى فضاء الحرية واحترام الرأي الاخر في الداخل والخارج , والتماهي مع حضارة العالم المتمدن واعطاء الحقوق المتساوية لكل المواطنين وعلى الاخص النساء والاقليات
اذا لم نساعد المملكة العربية السعودية في الخروج من اطار التشدد . واذا لم تكف قطر عن تمويلها للتطرف الاسلامي . واذا لم تترك تركيا وايران التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة . فان العالم والعرب لن يرتاحوا وستظل الحروب الدينية والطائفية مستعرة الى ماشاء الله . وقد دخل التطرف في نفوس الناس وشاع الفساد ومصادرة الحريات وعدم احترام الرأي والرأي الاخر في عصر نحن احوج مانكون فيه الى التصالح مع نفوسنا ومع الاخرين لنضع حدا لهذه الحروب العبثية التي لم نجن منها سوى الالام والويلات . وكان الله من وراء القصد