لايخفى على متابع للشأن السياسي والأجتماعي، ما أحدثته عملية عاصفة الحزم العسكرية من تأثير عند عامة الناس. ورغم إن الأهداف المعلنة للعملية واضحة وبسيطة ومحددة، إلا إن الأمور إنفلتت عند الناس والأعلام والمثقفين والمهتمين للشأن السياسي بالعموم. لم يمضي شهر على إنطلاق العملية ولم تحقق هدفها للأن، وبالرغم من ذلك نرى ونسمع ردود فعل؛ تكاد تكون فوق مستوى الحدث.
من كان يتوقع عاصفة الحزم؟ قليل جداً بل يكاد يكون لايوجد. في وقت حرج وقرار مفاجىء أعلنت المملكة قيام العملية العسكرية، كان ذلك بمثابة صدمة للمؤيدين قبل المعارضين؛ ففي وقت كان الكثير فيه يائس وناقم وكاره للسلبية التي تنتهجها الدول العربية إتجاه قضايا سياسية وجودية تتفاقم يوم بعد أخر على حسابهم، كان سماع خبر إعلان الحرب مثل طوق النجاة الذي انتظره هؤلاء طويلاً. ما أدى بالتالي لتحشيد وتأييد واسع عند الناس ليس السعوديون فقط، بل أخرون إشتركوا في رؤياهم وحددوا قضيتهم منذ زمن بعيد وقبل إنطلاق العملية ودون إتفاق مسبق. حتى إن وسم #عاصفة_الحزم وغيره من المتعلقات بالموضوع نفسه قد تصدروا الترتيب العالمي، وهذه دلالة إخرى على اهتمام الناس وحول العالم.
عمل الأعلام الرسمي والتجاري على تضخيم الحدث وإنتهاج لغة جديدة أو واضحة وفاضحة، توحي بأن طبول الحرب في المنطقة قد قرعت وإن هذه هي الحرب التي يتمناها البعض وينتظرها منذ وقت ليس بالقريب. إستدرج لذلك كتاب ومثقفين بل وسياسيين وراحوا يحللون ويتوقعون وينشرون؛ وفق إمنياتهم الشخصية مبتعدين بذلك عن الموضوعية التي تتطلب إنضباط وتوازن. بادلهم الأدوار الأعلام المضاد للعملية وكما إعلام المؤيدين؛ راح يحشد ويصعد ويزيف. حتى وصلنا لرأي عام مشحون ومحمل بتوقعات وأفكار قد لاتمت للواقع بصلة وعند الطرفين؛ المؤيد والمعارض.
ماهي حدود عاصفة الحزم وأين ستنتهي وبأي طريقة، ذلك سؤال يجيب عنه اصحاب القرار السعودي. بالنظر لمجمل التصريحات الرسمية سواء من السعودية أو حلفائها المشتركين معها في العملية، سنجد أنها تصريحات محددة ومقتضبة ومنضبطة لدرجة كبيرة، وبعيد عن مايتداول في الشارع والأعلام. لكن يبقى مؤكد أن السعودية قد قررت حول اليمن وإنها لم تكن لتدخل في حرب اليمن لولا إنها قررت كيف تكون نهايتها، لما لذلك من مردود عكسي عليها. ماذا عن مابعد اليمن، أين حدود عاصفة الحزم؟ وهل تورطت السعودية في خطاب إعلامي وإمنيات شخصية؛ تلك حكاية تبقى مجهولة الأجابة. ليس للسعودية خيار في اليمن إلا تحقيق الأهداف التي رسمتها، فهذه حرب قد قررتها بنفسها ولايمكن أن تتركها بعد أن اوقدت نيرانها، وهنا نتحدث عن عاصفة الحزم بالتحديد لا عن اسبابها ولا ماقبلها.
ماذا لو لم يحقق التحالف إنتصار بالصيغة التي أدخلها الأعلام وغيره، عقول الناس؟ ماذا لو إن عاصفة الحزم حدودها اليمن وفقط؟ ماذا لو إن الحكاية إنتهت سريعاً بحوار وإتفاق؟ كل هذه اسئلة مشروعة معروفة إجابتها سلفاً؛ إنتكاسة كبيرة قد تؤدي لتفاقم اوضاع ماقبل عاصفة الحزم. نقول هذا إدراكاً منا بأن السياسة (فن الممكن) وإن الأنتصار الحقيقي يختلف عن الموجود في أذهان عامة الناس، فالأنتصار بتحقيق الأهداف لابالطريقة. رفع سقف الطموح أمر غير جيد نفسياً وواقعياً، والصبر والتأمل هو افضل ما يمكن لأنسان فعله. إستباق الأمور سيجعل حتى من الأعلام والكتاب وغيرهما، في وضع محرج كما حصل مع مشاركة باكستان والبناء على ضوء ذلك ثم الأحباط الذي نلمسه اليوم بسبب تصويت البرلمان الباكستاني على موقف الحياد من القضية. وكما في حالة مصر التي تبين ترددها ماتسبب في موقف معاكس وخطاب حاد اتجاهها. هذا كله كما ينطبق على حالة المملكة، ينطبق تماماً على إيران، لكلا البلدين جمهور مايدعوا لعدم التصعيد والشحن إستناداً على فرضيات حتى لايعود ذلك بالسلب على الحياة الأجتماعية والتعايش في المنطقة.
السعودية وإيران كلاهما بلدان قيادية لاهامشية في المنطقة، وقراراتهم تراعي جوانب سياسية ومصالح وإمكانيات، مبتعدين بذلك عن خطاب الأعلام والشارع الذي يتعامل مع الأمور وفق عواطف وإمنيات. رفع سقف الطموح بالنسبة للسعودية، ورطة. ولذلك أثر سلبي وعكسي لايراعيه الأعلام والكتاب والمحللين. كما إن القرار السياسي يتأثر ويتغيير برأي الجمهور، بالتالي مالم تخطط له السعودية، قد تتورط فيه مجبرة. اليوم خيارات إيران تبدو أكثر أريحية من السعودية، حيث يمكنها التنازل عن اليمن وإعادة الأمور لنصابها بعد مداولات وحوار ووساطات، وهي بذلك تخسر مصداقيتها في إسناد حلفائها ما قد يؤثر على مدى ثقة حلفائها بها في مواقع إخرى غير اليمن وهذا ليس بالشيء الكبير بالنظر لأساس تحالف إيران القائم على أسس أبعد من السياسة بكثير. المسألة غير خاضعة لأهلية السعودية وإيران وإمكانياتهم، بل لعوامل عدة. وكلاهما السعودية وإيران مؤهلين لفتح جبهات وخوض صراع وكل شيء يتمناه ويحلم به دعاة الخراب والأنتقام والحروب.
ختاماً، تمتلك السعودية ورقة الأتفاق النووي المقرر إقرارها بين إيران والعالم بعد أشهر قليلة، وهذه مدة زمنية تسمح للسعودية بأتخاذ قرارات بعيدة؛ ضامنة بذلك رد الفعل الأيراني المقيد بألتزام إلى حين إقرار الأتفاق، إلا إذا انجرت إيران لحرب أو صراع علني وتخلت عن مشروع الأتفاق الذي سينسف ويفشل مع إي تحرك سلبي يقيمه العالم. بالتالي لا أحد يمكنه الأجابة عن القادم وعن القرارات التي تتبناها الأدارة الأيرانية والسعودية. كما يبقى التحرك الذي اجرته البحرية الأيرانية والتصريحات من هنا وهناك، محل إستعراض إعلامي للجمهور، فمازالت السعودية تتحدث عن حوار في اليمن واليمن وحدها لاسوريا كما يروج ويتمنى البعض، كما تدعوا إيران للحوار عبر رئيسها وعدة قادة أخرون من خلال الوساطات.