كنت قد كتبت مقال سابق قبل بضعة أيام عن المصير المرتقب لنظام آل سعود وما سيؤول أليه مستقبل السعودية في ظل تحرك قطار التغيير وإنطلاقه من المحطة العراقية ليمر بمحطات عربية عدة ، معلناً سائق القطار بعدم توقفه وإصراره على مواصلة المسير على السكة العربية ، دون الإفصاح عن المحطة القادمة التي سيتوقف عندها. لذا ومن خلال متابعتي للشأن السعودي ، أعتقدت دوما ً ولا زلت من أن أكثر المحطات المُرشحة كي يتوقف عندها قطار التغيير هي مملكة آل سعود، بل يصل إعتقادي هذا الى درجة اليقين من حدوث زوبعة مرتقبة فوق أراضي نجد والحجاز . ولرب مُتسائل يتسائل لما هذا الإختيار ونحن نعرف أن السعودية تمتلك نظاما سياسيا مخابراتيا قويا ً ونفوذا إقتصاديا ليس سهلا ً فضلا عن أمتلاكها لمؤسسة دينية تفرض سطوتها على المجتمع بشكل كبير جداً وبالتنسيق مع السلطة ؟ أعتقد ان هناك جملة وافية من الأسباب والمبررات التي تجعل من هذا الكيان الهش والمتهالك في حقيقته ، هدفا سهلاُ لرياح التغيير تكمن في :
1- هيمنة العقلية البدوية المتخلفة والتي تسيطر عليها ثقافة الصحراء على طريقة التعاطي مع المشاكل الداخلية التي يحاول النظام التستر عليها بأية طريقة ومهما كلف الثمن ، فقد يتوهم البعض من خلو المملكة من حالات العوز و الفقر في المجتمع والبطالة المتفشية بين الشباب السعودي ، فضلا ً عن تصاعد وتيرة الأصوات الداعية الى الإنفتاح والمدنية وترسيخ معاني وثقافة حقوق الانسان التي طالما بقيت حبيسة سجون النظام . الأمر الذي بدأ يشكل رأيا داخليا وخارجيا بضرورة مراعاة ملف حقوق الانسان في السعودية والحد من الإنتهاكات القائمة.
2- أنحسار الدور السعودي في ميدان السياسة في المنطقة خصوصا ًمع دخول إيران وهي ترتدي ثوبها النووي الجديد الى حلبة الصراع كلاعب مهم ومؤثر في كل المعادلات الإقليمية ، بعد إن تمتعت بدور ريادي في المنطقة ولأكثر من ثلاثة عقود من الزمن جعل منها منسقا ً عاما ً لسياسات المنطقة بالكامل ، بالإضافة الى بروز أدوار لأطراف خليجية أخرى كدولة قطر الغنية بثرواتها التي يبدو وكأنها لا تنضب وماكنتها الإعلامية الخطيرة ، مما أدى ذلك الى إنكماش الدور السعودي على الصعيد السياسي وبالتالي ولدَ شعورا ً متزايدا ً لدى السعوديين بحالة من التراجع والفشل.
3- إنعكاس حالة إنحسار الدور السعودي في المنطقة على علاقتها الوطيدة بالولايات المتحدة الأميركية حتى باتت تتأرجح في السنوات القليلة الماضية بسبب الإختلاف في وجهات النظر إزاء قضايا الشرق الأوسط المتعددة.
4- تزايد نسبة الشعور لدى عامة الشعب الأميركي بأن السعودية هي المدرسة السلفية التي تقوم بتخريج جيوش من الإرهابيين القتلة وهي من تقف خلف كل التنظيمات الإرهابية المتشددة من خل تقديم كافة أشكال الدعم لها ، حيث أظهر أخر إستطلاع أجرته مؤسسة بوبيولس البريطانية بأن نسبة 68% من الأميركيين يطالبون بوقف الدعم الأميركي للنظام السعودي نتيجة الشك في ضلوع النظام بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
5- معاناة النظام من التآكل التدريجي لثرواته النفطية والتي تشير بعض الدراسات الى أن السعودية ستصبح مستورداً تاما للنفط بحلول عام 2030 وهذا يعني أنها ستكون في مواجهة شرسة مع الحالة الإقتصادية ، فضلاً عن الإستنزاف المالي الكبير حاليا ً بسبب حربها في اليمن ضد الحوثيين والتي فاقت كل التوقعات من حيث المدة وتكاليفها المرتفعة .
6- نفوذ المؤسسة الدينية داخل المجتمع السعودي وتقييدها للحريات الشخصية والممارسات المدنية أدى الى حالة من الغليان الداخلي بين أوساط المجتمع وبالتالي سيشكل ثورة داخلية كامنة في النفوس مهيأة للإندلاع في أية لحظة ، فضلاً عن حالات الإضطهاد والتعسف والتمييز التي تعاني منها المناطق الشرقية ذات النفوذ الشيعي.
7- غياب العقل والحكمة لدى السلطة السعودية في التعاطي مع المشاكل الإقليمية والداخلية من شأنه ان يدفع بها نحو هاوية مجهولة ، فلا زالت الى الآن تجهل كيفية التعامل مع الشيعة السعوديين وهم جزء كبير و مهم من المجتمع السعودي وتقع تحت سيطرتهم أكثر منابع البترول ، فلا زال الشيعة في السعودية مواطنون من الدرجات الدنيا ، تحُرَم عليهم حتى المناصب الوظيفية ، وهذا مؤشر واضح على خشية النظام من تمكين الشيعة داخل المؤسسات الحكومية ، وبالتالي يعطي النظام لكل المناوئين لسياساته في الداخل والخارج وللمنظمات الإنسانية الدولية المعنية بحقوق الإنسان فرصة فضح ممارساته الطائفية واللا إنسانية بحق شريحة كبيرة من أبناء المجتمع السعودي .
لكل ما تقدم من أسباب ومبررات أرى فيها قدرا ً كافيا ً ومقنعا ً لحتمية هبوب رياح التغيير على أراضي بلاد الجزيرة العربية ، وان قطار التغيير قادم لا محال خصوصا وان المملكة بعائلتها المالكة قد ودعت شيوخها وقد أقبلت على جيل من الملوك والأمراء هم من فئة الشباب
الأحفاد الذين تملأ عقولهم الأحلام والطموحات في المشاركة بسباق التربع على عرش المملكة .. من هو الأجدر؟ من هو المؤهل ؟ لذا وبكل تأكيد سنرى أزمة داخلية جديدة من الصراع الملكي ستضرب العائلة الحاكمة في المستقبل القريب وستؤدي بهذا الكيان الى التشرذم والتفكك ، وستؤول مملكة آل سعود الى مجرد حالة تأريخية شاذة حصلت في شبة الجزيرة العربية في زمن ما .