مر عام على الحرب في اليمن، وبينما تواصل الطائرات الأمريكية قصف معاقل الحوثيين المدعومين من طهران، وقوات حليفهم علي عبدالله صالح لايبدو مايشير الى حسم ميداني لصالح قوات هادي المدعوم من التحالف العربي السعودي القوي الذي ألقى عشرات آلاف القنابل والصواريخ على كل الأرض اليمنية، ودمر آلاف الدور والمدارس والمساجد والمشافي والمعسكرات والطرق والمخازن ومحطات الكهرباء والمياه وخطوط الإتصال والتموين والنقل والمطارات والموانئ البحرية بطريقة شبيهة بتلك التي مارستها واشنطن مع العراق على خلفية غزو الكويت، وبخلاف ماكان متوقعا للوهلة الأولى بسبب كم السلاح والعتاد والقوة المتوفرة للسعوديين فإنهم يفقدون أراضيهم في جيزان وعسير ، وماتزال مدينة الربوعة تحت سيطرة الجيش اليمني ومايسمى اللجان الشعبية، ولم تستطع القوات السعودية إستردادها حتى اللحظة، وفي الجنوب يسيطر رجال القاعدة وداعش على أحياء في عدن، ومناطق في وسط البلاد، ولايتمكن جنود هادي برغم القصف الجوي، والدعم المتوفر عسكريا وحتى إعلاميا من التقدم والمطاولة وتحقيق مكاسب ميدانية فعلية، فالصحافة العربية والقنوات التلفزيونية تصور صنعاء وقد قاربت على أن تكون تحت سيطرة جماعة هادي بينما الحقيقة غير ذلك، والوقت مايزال مبكرا على التسليم بالكيفية التي يمكن أن تؤول إليها الأمور في بلد مثل اليمن.
في هذه الأثناء يتحدث السعوديون عن مخاوف من سيطرة داعش على مكة والمدينة ويريدون دعما إسلاميا واضحا، فالحوثيون يهددون بإحتلال تلكما المدينتين، لكن داعش يمتلك القدرة والتأثير لأن حواضنه داخل المملكة عديدة، وداعموه كثر، وهم يوفرون له المعلومات والرجال والأموال من جمعيات لاتحصى داخل المملكة، وعلى إثر التصريحات المتواترة للمسؤولين في المملكة عن تدخل بري في سوريا بعد إنكسار المجموعات المسلحة والمعارضين لنظام بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا، فقد بات واضحا إن السعودية في خطر محدق، وكنتيجة طبيعية لتداعيات الصراع في اليمن الذي لم يحقق النتائج المرجوة، وماحصل من تطورات على الميدان السوري، وتمدد داعش الى مصر وتونس والجزائر وليبيا وتهديدها لدول الخليج، وخشية المملكة من دخول مجموعات من داعش الى أراضيها وتخريب السلم الأهلي وتقويض النظام السياسي وإحداث فوضى عارمة، وحين لم تجد السعودية آذانا صاغية من المصريين، وإنكفاء دول عديدة عن فكرة التدخل خشية الإصطدام بالدب الروسي والمجموعات القتالية المساندة للأسد وإيران، فإن حظوظها في تغيير المسار في سوريا لاتبدو وافرة، ولابد من تغيير بعض السياسات التي يخطط لها فريق شاب يفتقد الى المهارة والحنكة التي عرفناها عن الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، وهنا تكمن الخطورة من سياسة الهروب الى الأمام المتبعة حاليا، فالمعركة مع الإيرانيين ليست هينة خاصة وإنهم معروفون بمكرهم السياسي وبراغميتهم العالية، وقدرتهم على توظيف الأحداث، وتسخير القدرات حتى لو كانت محدودة، فماتضخه إيران من أموال برغم قلتها حقق الكثير لها، بينما قدمت السعودية أموالا طائلة لحلفائها في اليمن ولبنان وسوريا، ولم يتمكنوا من فعل شئ، وحتى التغيير الذي حصل لصالح النظام التقليدي في مصر وأطاح بحكم الرئيس مرسي وجماعة الإخوان كان مرده الى السياسة التي إتبعها الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز وفريقه الأمني والسياسي.
تركيا التي كانت لوقت قريب بالضد من سياسات المملكة خاصة في مصر وليبيا، وإقتربت أخيرا منها نتيجة ضغط الملف السوري والمكاسب التي حققها الكرد على حدودها وجدت أن رغبتها في فعل شئ كبير في سوريا تصطدم بعقبة الروس الأقوياء، ومخاوف الغرب من التدخل لصالحها لكي لاينكشفوا ويخسروا المزيد بعد فشل تجربة أوكرانيا وانتزاع موسكو وحلفائها جزيرة القرم التاريخية ومناطق في شرق كييف، وبينما لم تستجب واشنطن لمطالب السيد رجب طيب أوردوغان بالتخلي عن الكرد ماأدى الى التهديد بغلق قاعدة أنجرليك العسكرية فإن الواقعية السياسية أصبحت أكثر نفوذا في ميدان المواجهة خشية الوقوع في المزيد من الأخطاء، وبرغم شدة القصف التركي على قوات حماية الشعب الكردي، والعمليات العسكرية في شمال العراق وجنوب تركيا، فإن تلك لقوات تتقدم لتكمل السيطرة على كامل الأراضي الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، وقد تم تأمين كامل الريف الحلبي وريف الحسكة ومناطق عديدة بإتجاه ريف الرقة وقطع الطريق الى الموصل ومنع داعش من الإستفادة منه، عدا عن السيطرة على عشرات القرى والبلدات وبدعم من واشنطن، وهو ماأغاظ أوردوغان وأخرجه عن طوره ودفعه الى التهديد بردات فعل غير منتظرة، ويكفي أنه تقرب من الرياض نتيجة لتك التطورات وحتى في بداياتها عندما تدخل الروس وتغيرت المعادلة تماما.
المملكة العربية السعودية تعاني بعد رحيل الملك عبدالله الرجل الحكيم، وهي تخسر المزيد من الأموال بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط، وقد قررت إلغاء الهبة المالية للبنان لشراء معدات وأسلحة من فرنسا، وعللت ذلك بخروج لبنان عن دائرة الإجماع العربي فهي لم تعد تثق بالدولة اللبنانية وترى أنها تحت سيطرة حزب الله المدعوم إيرانيا مايعني إن الرياض ستكتفي بدعم المعارضة في هذا البلد بعد أن خسرت الحكومة لصالح طهران، وهنا تأتي الواقعية السياسية لتمثل حلا ناجعا في ظروف المحنة حيث التركيز على تأمين الجبهة الداخلية التي لن تصمد طويلا في حال إستمرار الصراع في اليمن وسوريا، ونوع التدخل في الملفين، والمناكفة مع إيران، والأفضل هو العمل على دفع الأطراف اليمنية لتسوية الملفات العالقة، فالإنتصار على الحوثيين إن تحقق لن يكون كافيا لتأمين الساحة اليمنية ومصالح المملكة في هذا البلد، فإنكفاء الحوثيين يقابله صعود داعش والقاعدة والصراع من أجل إستقلال الجنوب، هذا عدا عن الدمار شبه الشامل الذي سيترك اليمن في فوضى عارمة تنعكس لاحقا على المملكة، والأفضل للرياض أن يتفاهم اليمنيون تحت عباءتها خير من أن يتقاتلوا، ولايصلون الى نتيجة.