إن ما تعيشه السعودية اليوم من تطورات ومتغيّرات جديدة في هيكلية الحكم، وما يقوم به النظام السعودي من حروب جديدة في المنطقة العربية والإقليم ككل، يعيدنا إلى المشروع الذي تقدم به ماكس سينجر مؤسس معهد هدسون منذ سنوات للمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية حول رؤيته لتقسيم السعودية والتي تمحورت ضمن أهداف عدة، منها إقامة جمهورية إسلامية شرق البلاد تضم حقول البترول فقط، مع الإبقاء على حكومة ملكية في باقي السعودية يحكمها «الأمراء الشباب الذين يحظون بدعم أميركي»، على أن تكون هذه الحكومة الملكية عرضة للسقوط بعد وقف الدعم عنها، والواضح اليوم أنّ فصـول هـذه الخطـة بـدأت تطبـق تدريجيـاً فـي السعودية.
وما يؤكد بداية تنفيذ هذا المشروع ،ما نشرته صحيفة «غارديان» البريطانية في العام قبل الماضي ، بتقريراً موسعاً حول تقييمها لمستقبل المنطقة وخصّت فيه بشكل عام مستقبل السعودية، والذي أشار إلى «أنّ جميع صانعي الخرائط الإنغلوسكسونيين يتفقون في ما يخصّ السعودية على أنّ المملكة يجب ألا تبقى موحدة»، وأوضح التقرير: «أنّ فكرة دمقرطة الشرق الأوسط قد ترسخت بثبات في رؤوس الاستراتيجيين الأميركيين، وفي مقالة بعنوان « حدود على الرمال» نشرت في مجلة « فانيتي فير» الامريكية أعطى الدبلوماسي دينيس روس الذي عمل في الشرق الاوسط والمؤرخ دافيد فرومكين والباحثان السياسيان كينيث بولاك ودانييل بايمان رؤيتهم لمستقبل الشرق الاوسط. ودعا الجميع الى وجوب تقسيم العراق والمملكة العربية السعودية حتما… واقترح الامريكيان مايكل ديفي ورالف بيترس في مقالتيهما « العلميتين» تقسيم المملكة العربية السعودية الى عدة دويلات. وبرأي ديفي فأن هذا يتيح « القضاء على الوهابية والتطرف الاسلامي..ان تقسيم المملكة العربية السعودية« سيحطم احتكار المملكة العربية السعودية لتصدير ارساليات النفط» .
المفارقة العجيبة هنا، هي أنّ من يحرك ملفات هذا التقسيم في السعودية هم أصدقاء وحلفاء النظام السعودي، صنّاع القرار الأميركي، وهم من يدرسون الخطط على الأرض ويتنبأون بالنتائج ثم ينفذون مخطط عملياتهم، وهنا يبدو أنّ حجم الخطر الذي يواجه السعودية والمقبل عليها من حلفائها الأميركيين، لم يغيّر حتى الآن في رؤية النظام السعودي لطبيعة تعامله مع معظم ملفات المنطقة وملفات الداخل السعودي كذلك، فتصرفات النظام السعودي تظهر أنه لم يدرك حتى الآن حجم مخاطر المشروع الأميركي الذي يستهدف السعودية، هذا المشروع الذي بدأ بدفع السعودية إلى الانزلاق نحو مستنقعات سترهق السعوديين وتزيد من تفكك بنية المجتمع السعودي، وهو يهدف إلى توفير المناخ الخصب لتنفيذ فصول المشروع الأميركي التقسيمي في السعودية.
وبالتزامن مع هذه التطورات والمتغيّرات والخطط التي تحاك للسعودية، بدأت تطفو على السطح زيادة ملحوظة في حجم الانتقادات في الغرب لدور السعودية في تمويل الجماعات المتطرفة، والدليل هنا ما جاء في تقرير نشرته صحيفة نيويورك بوست الاميركية تقريراً تضمن اعترافات لمعتقلي غوانتنامو تؤكد مسؤولية النظام السعودي عن نشر الارهاب في العالم. وكشفت الاعترافات عن وجود مراكز لصناعة الارهابيين بالسعودية وتدريبهم للالتحاق بالجماعات الارهابية في شتى انحاء العالم. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اميركيين قولهم: بان النظام السعودي أنفق 10 تريليونات دولار في العقود الاربعة الماضية على نشر الفكر المتطرف والذي تحول الى بنية تحتية للارهاب ،وبدورها قالت صحيفة واشنطن بوست إن “الإرهاب” مشكلة لا نزال نكافح جميعا لفهمها، فهذا التحدي يتزايد بشكل لافت يوميا، وهذا ما حدث في وقت سابق ، عندما زار الرئيس ترامب المملكة العربية السعودية، مما أثار نشر مجموعة من المقالات تنتقد الزيارة وتصف المملكة بأنها إمبراطورية الشر المسؤولة عن الكثير من آفة “الإرهاب” في العالم. وأضافت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها أن المملكة العربية السعودية إمبراطورية الشر، وقد أظهرت تسريبات البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون أن الحكومة السعودية قدمت دعما ماليا للجماعات الراديكالية. وفي الوقت نفسه هناك نتائج أكثر مصداقية أظهرتها لجنة الكونغرس المشتركة التي حققت في أحداث 11 سبتمبر، والتي لاحظت منذ عام 2004 أن المملكة العربية السعودية تدعم تنظيم القاعدة.
وفيما يخص الوضع المالي للسعودية ،ذكرت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية أنه بسبب انخفاض أسعار النفط، والإنفاق العسكري والالتزامات الاجتماعية فإن الاحتياطيات المالية للرياض ستنفد بحلول عام 2020. وجاء في مقالة نشرتها الصحيفة المعنية بالأمور الاقتصادية، أن الانخفاض السريع في الأسهم المالية السعودية دفع الحكومة مؤخرا إلى رفع أسعار الوقود بنسبة 50٪، على خلفية الانخفاض الكبير في أسعار النفط. وقد يكون القادم هو التوقف عن دعم الماء والكهرباء، فضلا عن تجميد مشاريع البناء. بالإضافة إلى ذلك، تدرس الرياض، ولأول مرة، فرض ضريبة 5٪ على القيمة المضافة. وتهدف كل هذه الإجراءات للسيطرة على عجز الموازنة، الذي وصل إلى 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي. وأضافت الصحيفة أن مبيعات النفط لا تغطي سوى نصف تكاليف المملكة العربية السعودية، وهم ما سيدفع الرياض إما إلى الدين أو اقتراض المال من احتياطياتها. وبالمعدل الحالي، وفقا لخبراء في صندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطيات المالية للبلاد ستختفي بحلول عام 2020. ومع ذلك، لا يعد انخفاض أسعار النفط هو التهديد الوحيد للمملكة، إذ تقول الصحيفة إن المشكلة الأخرى هي المواجهة مع إيران من أجل الهيمنة على المنطقة. وكانت آخر المواجهات غير المباشرة هي العملية العسكرية في اليمن. وكتبت الصحيفة أن العملية لا تسير على ما يرام من الناحية العسكرية، حيث تبين أن القدرة التشغيلية ضعيفة للجيش السعودي، الذي يحوز على 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا رقم قياسي عالمي.
وهنا اليوم، فيبدو واضحاً، ومن خلال بعض الأحاديث والتحليلات التي بدأت تخرج إلى العلن من مراكز الأبحاث والدراسات في أوروبا وأميركا، انّ هناك فعلاً مشروعاً أميركياً جديداً بدأ برسم سياسات جديدة للتعامل مع الملف السعودي، والأكثر وضوحاً هو أنّ هناك اليوم دعوات صريحة من داخل دوائر صنع القرار الأميركي تدعو إلى اختيار الوقت المناسب للانقضاض على السعودية التي من المتوقع، بحسب الرؤية الأميركية، أن تخرج من حرب اليمن والصراع مع قطر أكثر ضعفاً وهشاشة، والمطلوب هو تقسيمها إلى دويلات طائفية وديموغرافية، وبالطبع هذا الموضوع بدا يلقـى رواجـاً واضحـاً داخـل دوائـر صنع القرار الأميركي.
يعلم بعض السعوديون وبعض دوائرهم الرسمية كلّ هذه التفاصيل، وهم متيقنون من ذلك، فهم يدركون جيداً معنى أن يظهر إلى العلن مخطط كهذا جلّ القائمين عليه هم من صناع القرار الأميركي، وهؤلاء أنفسهم كان لهم الدور الأكبر في رسم سيناريوات غزو العراق وأفغانستان والتحرك في ليبيا وسورية، وهم من يرسمون الآن خطوط واتجاهات ما يسمى الربيع العربي، وهم أنفسهم الذين يخططون ويرسمون شكل العالم الجديد، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنّ النظام السعودي ، ما زال يمارس مزيداً من التصرفات التي ستكون لها انعكاسات وارتدادات على السعودية حتمـاً فـي الأيـام المقبلـة، ومنهـا تأثيـرات وارتدادات الحرب العـدوانيــة الأخيـرة علـى اليمـن علـى الداخـل السعـودي.
ختاماً، هناك سؤال مهم يطرح نفسه في هذه المرحلة بالتحديد : هل سيستفيق السعوديون هنا من غفوة التاريخ، حتى وإن كانت استفاقتهم متأخرة، قبل وقوعهم فريسة سهلة للمشاريع الصهيو – أميركية التدميرية في المنطقة؟.