توترت العلاقات بين السعودية وتركيا منذ سنوات بسبب خلافات آيديولجية وأخرى على زعامة المنطقة، فبينما تصنف السعودية الاخوان المسلمين منظمة إرهابية وتدعم خصومها في فلسطين ومصر والشمال الافريقي.
تدعم تركيا “الاخوان” وتعتبرهم ذراعها لبسط نفوذها في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصا مناطق النزاعات المسلحة والاضطرابات.
وفي عهد أردوغان بدت تركيا حالمة أكثر بالعودة إلى ملء فراغ الزعامة في المنطقة العربية خصوصا بعد انهيار وتراجع أدوار دول مهمة مثل العراق وسورية وليبيا.
فدعمت واستحدثت مليشيات مسلحة موالية لها في سورية وليبيا، وساندت أيضا “إخوان مصر” في وصولهم الى الحكم، وهو ما استفزّ السعوديين وأثار مخاوفهم من تنامي الدور التركي على حسابهم.
وجاء اغتيال المعارض السعودي عدنان خاشقجي بطريقة بشعة في 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول ليعطي دفعة قوية من التأزم للعلاقات السعودية التركية .
ويبدو ان السعودية كانت مطمئنة وهي تفتح على نفسها جبهات الداخل والخارج، بعد أن وفر لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غطاء سياسيا دوليا، وتعهد بدعمها في مواجهة خصومها، مقابل حصوله على نحو 500 مليار دولار من السعودية في أول توليه الحكم في البيت الأبيض.
فلم تكترث السعودية كثيرا بالحرائق التي أشعلتها والخصومات التي حاكت شباكها والانتهاكات المروعة لحقوق الانسان التي ترتكبها بحق معارضيها، وكانت تستعين بحليفها الأمريكي في إسكات الانتقادات الدولية أو على الأقل تخفيف حدّتها.
لكن هذا الإطمئنان السعودي تزعزع مؤخرا بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الامريكية، وعودة الديمقراطيين من جديد الى البيت الابيض من خلال مرشحهم جو بايدن.
لاسيما وأن الذاكرة السعودية الرسمية تحتفظ بمواقف بايدن من المملكة أثناء حملته الانتخابية، فقد وجه انتقادات حادة للحكومة السعودية بسبب انتهاكها حقوق الانسان، والحرب على اليمن.
وقال في اكتوبر الماضي في مقابلة صحفية، انه سيعيد تقييم علاقة بلاده مع المملكة السعودية وسيوقف الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لها في حربها على اليمن” ولن يساوم على حساب القيم الامريكية مقابل بيع الاسلحة او شراء النفط”.
وذهب بايدن إلى أبعد من ذلك في بيان نشره على موقعه الشخصي حين انتقد بشكل صريح ولي العهد محمد بن سلمان واتهمه بالوقوف وراء مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في تركيا.
ولاشك أن من حق القيادة السعودية أن تشعر بالقلق الكبير حيال تبدّل الموقف الأمريكي، بعد أن أحاطت نفسها بالأعداء والخصوم داخليا وخارجيا.
فجنوبا تقاتل منذ سنوات الحوثيين في اليمن ولم تتمكن من تحقيق نصر عليهم أو إنهاء هذه الحرب بطريقة تحفظ ماء وجهها، وصار العالم يشعر بالضجر من استمرار هذه الحرب غير المبررة.
ومن الشمال لها مع العراق مشاكل كبيرة بسبب تدخلها في الشأن العراقي وإعانتها جماعات متشددة نفذت أكثر من 5000 عملية مسلحة وانتحارية كان السعوديون المتشددون أبرز منفذيها، وهي(السعودية) ما زالت تستفز فصائل الحشد الشعبي وهي تنعتها بالمليشيات وتجاهر بالعداء لها.
وليس هذا فقط بل أن علاقات السعودية متوترة مع قطر وتركيا وسورية وإيران وكانت تستعين في مواجهة كل هذه الخصومات بدعم الإدارة الأمريكية، وينام القادة السعوديون ملء أجفانهم بينما يتولى حارسهم ترامب الدفاع عنهم.
لكن مغادرة ترامب للحكم ووصول بايدن خلفا له تسبب على ما يبدو بشعور بالوحشة لدى السعوديين، فهم لن يقدروا حتما على مواجهة كل هذه المصاعب لوحدهم.
ففي حال سحبت الولايات المتحدة دعمها للسعودية في المحافل الدولية، وهو المرجّح على ما يبدو، فإن الأخيرة ستكون أمام موقف صعب للغاية لأن ملفها الخاص بحقوق الانسان في حال فتح دوليا سيضعها في عزلة كبيرة وستكون العلاقة معها عبئا على الدول التي تدعي انها معنية بحماية حقوق الانسان.
إذن ليس أمام القيادة السعودية إلا أن تسلك أحد الخيارين، فإما أن تصحح مسارها وتعود عن أخطائها المكلفة وتتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعن فكرة الهيمنة والتوسع والزعامة على حساب الآخرين.
أو أنها تختار التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي أسوة بالإمارات ودول خليجية أخرى في محاولة للتأثير على الموقف الأمريكي من خلال حليف الولايات المتحدة الاستراتيجي” اسرائيل” أو تستبدل الأمريكي بالإسرائيلي الذي يشارك السعودية عداءها لإيران.
ولاريب أن إعلان السعودية التطبيع العلني مع “اسرائيل” سيكون خطأ استراتيجيا آخر لايقل فداحة عن أخطائها السابقة لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا.
لكن يبدو أن القيادة السعودية شرعت في محاولة تفكيك عقدة علاقاتها المتأزمة دوليا من خلال الاتصال بتركيا، واختار الملك سلمان الوقت الأفضل لمهاتفة الرئيس التركي أردوغان مستثمرا انعقاد قمة العشرين، محاولا فتح صفحة جديدة معه.
وقد يعمل المفتاح التركي على فتح الأبواب الموصدة بين الرياض والدوحة، وربما طهران، لاسيما أن تركيا حليف قوي لقطر، وهي تتمتع أيضا بعلاقات جيدة مع طهران.
وقد حملت الايام الماضية ايضا اشارت ايجابية بين السعودية وسورية حيث تشير المعلومات المتوفرة الى ان الرياض طلبت من الجانب العراقي تأمين طريق ترانزيت يربط سوريا بالمملكة العربية السعودية عبر العراق.
فإذا ما اختارت الرياض سياسة فتح الأبواب الموصدة مع خصومها وأعدائها، سيكون ذلك خيارا ممتازا. لكن هذا القرار الاستراتيجي يحتاج إلى شجاعة واستقلالية تامة وثقة بالآخرين، فهل تمتلك القيادة السعودية هذه العناصر؟.
من خلال استعراض مواقف القيادة السعودية السابقة، فإنها ربما تلوح بإعادة ترتيب أوراقها الخارجية بشكل يثير قلقا مقصودا لدى الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن، وحتى”إسرائيل” في مسعى سعودي لإعادة ترتيب الموقف الأمريكي منها .
لكن المملكة قد لاتذهب إلى أبعد من الاشارات المقصودة لتسوية ملفات كبيرة كالعداء مع إيران وسورية، ببساطة لأنها لاتملك الثقة الكافية بنفسها فضلا عن عدم امتلاكها الثقة بالآخرين.