في أي سنة من سنين العمر، الطفولة، الشباب، منتصف العمر، الكهولة، يفاجئك الخبيث السرطان فيسرق احلامك وطموحاتك ويفتح لك بابا َ الى العالم الاخر، ويحول حياتك الى جحيم لا يطاق، اذ يبدأ العد التنازلي لانتهاء الحياة. ومعه يكون البحث عن العلاج سرطان اخر.
وعلى الرغم من ان الشفاء منه في بداية حدوثه مرجحا وبنسبة تفوق 90% عند المباشرة الفورية بالعلاج. لكن تلك المباشرة تشكل عقبة بوجه المصابين إذ إن علاج السرطان يكون في المستشفيات الحكومية حصرا نظرا للإمكانات والأجهزة والعلاجات المكلفة المطلوبة له.
وفي تصريح متلفز لمديرة شعبة الوقاية والكشف المبكر عن السرطان في وزارة الصحة العراقية (سرى ياسين، قناة الغدير ،2024) (سيف البدر، الحرة ،2022)، إنه “تم تسجيل أكثر من 35 ألف إصابة بمرض السرطان في 2021″، وأن “العدد تزايد خلال عام 2022 الى قرابة 40 ألف إصابة”. اغلبها اصابات سرطان الثدي عند النساء والرئة عند الرجال”، وأن “نسبة الوفيات السنوية هي 2000 نسمة”. وأن “إصابات السرطان في العراق تتجاوز المعدل العالمي”.
واسرد فيما يلي معاناة لقصة مريضة بالسرطان اسمها “حياة “ام لاثنين من الأبناء وبنت واحدة، لم بجد الأبناء او الأبنة وظيفة في الدولة ولا في القطاع الخاص رغم تخرجهم من الكليات والمعاهد، الزوج انتقل الى رحمة الله تعالى منذ عدة سنوات وترك لها دارا متواضعة تسكن فيها مع اولادها. وبالكاد يتم تدبير قوت يومهم، وتستلم راتبا مقداره (150) ألف دينار من الرعاية الاجتماعية. ورغم ذلك هي راضية بما قسمه الله لها. تجاوز عمرها على ال 60 عام وتبعا لذلك كان لا بد من اجراء عمليتين لزرع عدسات لعينيها او تستسلم للعمى. عملت سلفة على راتب الرعاية واقترضت من الناس وتصدق بعض الباحثين عن الاجر لتجمع ثلاثة ملايين دينار بمقدار مليون ونص عن عملية لكل عين.
لكن القدر لم يترك حيأة تعيش وترى النور في عينيها. إذ ذات يوم وقبل شهر من الان لاحظت ان هناك كتلة صلبة قدر حبة العدس في الثدي الأيمن. كانت تتلمسها وتضن انها ربما حالة طبيعية وموجودة لدى كل النساء. الا ان الشك بدأ يراودها تدريجيا رغم عدم وجود اعراض لديها. وقررت الذهاب الى الطبيب لإجراء الفحص والتحقق من حقيقة الامر. وكانت الصدمة ان هذه الكتلة هي السرطان وان هذا الضيف الثقيل غير المرغوب فيه هو السرطان سيء الصيت، قد القى رحاله عندها. وهنا ابتدأت الطامة الكبرى في البحث عن العلاج وطلب الشفاء.
العملية تتطلب 1600000دينار لدى الأطباء في المستشفيات الاهلية. عدا إجور فحص كتلة الورم التي انتزعت من صدرها في أحد المختبرات الاهلية، وابلغها الطبيب الذي أجري العملية لها في أربيل بمراجعة أحد الأطباء في بفداد من العاملين في مدينة الطب لكي يتم اكمال علاجها. وبعد دفع أجور المعاينة في بغداد واجراء الفحص على جهاز “البي تسكان ” الذي يكلف لوحده (280000) دينار. أرسلها الطبيب الى مدينة الطب لإكمال العلاج.
وفي مدينة الطب رفضوا استقبالها بحجة ان الفحص المختبري للعينة المأخوذة من صدر المريضة تم في أربيل وطلبوا إعادة طلب “الخزعة” المأخوذة من صدر المصابة بهدف ارسالها الى “أمريكا” لإعادة الفحص. وقامت المصابة بالتوسط لطلب إعادة ارسال ال “خزعة ” من أربيل وسلمتها لمدينة الطب قي بغداد. وأبلغوها بأن يتصلوا بها بعد ورود الجواب من اجل المباشرة بأجراء الجلسات الخاصة بالإشعاع الكيمياوي. حيث رفضوا المباشرة بتلك الجلسات بحجة التحقق من النتيجة.
كانت معاملة الطبيبة المسؤولة عن معالجة الاورام بالإشعاع، معاملة متشنجة وقاسية ” قائلة: لا يمكن تحديد موعد للإشعاع لك، لدي 90 شخص يوميا، قالت لها حياة: وهل تتركيني لأموت؟ اجابت: وإذا متي (وإذا توفيت) “.
أعاد طبيبها في بغداد ارسالها الى مستشفى الامل وعملوا لها مفراس تطبيقي وطلبوا منها الحضور بعد 14 يوم لإعطائها الاشعاع. ولدى حضورها بعد 14 يوم اخبروها ان جهاز الاشعاع عاطل وعليها ان تعود ولا ترجع الا بعد ان يأتيها اتصال منهم. وبعد عدة أيام تم الاتصال بها لاحقا لتبدأ جلسات الاشعاع ولكن على حسابها الخاص الجلسة بسعر 30 ألف دينار، وبعد إضافة أجور النقل تكون الجلسة بسعر 50 ألف دينار.
الاموال التي انفقتها حياة كانت من تبرع الجيران وبعض الاقرباء بما تجود بها أيديهم، ولحد الان لم تدخل الدولة عبر وزارة الصحة في علاجها ولو بدينار واحد، وما منحته الدولة فقط أسلوب الزجر من موظفة تستقبل المرضى بكلام يزيد من تفاقم المرض ولا يدل على ان المتكلمة هي من ملائكة الرحمة.
الاسئلة الموجه لوزارة الصحة: متى تقوم وزارتكم بتبني معالجة جميع مرضى السرطان من قبلها؟ وتغطية كامل نفقاتهم؟ واستقبالهم بصدر رحب؟ وتهيئة كافة علاجاتهم؟ ومتى يقلع الأطباء المعينون في وزارتكم عن فتح عياداتهم خارجها ودلالة المرضى عليها لمراجعتهم فيها؟ ولمن وضع جهاز البيتي سكان وغيره في الوزارة بينما يفحص المرضى في أجهزة خارج الوزارة بأسعار تثقل كاهلهم. ومتى يتم تهيئة بدل الجهاز الواحد 3 او 4 أجهزة بحيث لا يتم إعادة المرضى بسبب عطل الجهاز او وجود زخم على جهاز واحد؟ ومتى تمتلا جيوب الأطباء من الأموال ليكفوا عن افراغ جيوب المرضى المثقلون بالآلام والاوجاع والديون والدموع والاحزان.
ولماذا تكون المستشفيات الحكومية طاردة لطالبي العمليات رغم ان قسما منها مجاني والأهلية مستقبلة رغم اجورها العالية سواء للسرطان او الولادة او غيرها، وكيف يمكن دراسة أسباب ذلك وقلب المعادلة؟ اليس في أسلوب التعامل والرعاية والنظافة والدفع باتجاه العلاج خارج المستشفيات أسباب للطرد. الم يشتكي علنا دولة رئيس الوزراء من الإهمال والتلكأ في بعض المستشفيات الحكومية؟ نأمل ان تلقى مشكلة حياة (نحتفظ بعنوانها) وامثالها حل من لدن وزارة الصحة.