22 ديسمبر، 2024 10:13 م

السرد بالكاميرا .. تجارب وآفاق

السرد بالكاميرا .. تجارب وآفاق

دخل السرد العراقي بصفته جزء من السرد القصصي العالمي والعربي مرحلة تجريبية جديدة في السنوات الأخيرة تتمثل في استلهام معطيات الفنون الإبداعية الأخرى وتوظيفها في بنية السرد اذ امتدت يد الفن القصصي الى المسرح والشعر والسينما
كواحد من كتاب السرد ألاحظ ان العلاقة بين الكتابة السردية بالكلمات والسرد بالكاميرا مؤستسان على إحدى او كلتا الثنائيتين التاليتين الأولى ان تمارس عين السارد وظيفتها كمراقب للمشهد المراد بناؤه لغويا ليكون جزءً من نص حكائي يعتمد الصورة او المشهد . ولهذه الآلية قاسم مشترك مع كاميرا السينما فالاثنتان تقومان بالتقاط الحركة الخارجية للمشهد على نحو دلالي يسعى لإنارة الخارج او الداخل او كليهما معا . أما الملمح الثاني فيتلخص في السعي للإفادة من امكانات السينما عبر متابعة جميع جزئيات العمل فيها بدءً من سحر الشاشة الغارق في ظلام الصالة ، مرورا بأحداث الفيلم المعروض وما يخلفه من آثار على المتابع وليــس انتهاء بتقنيات التصوير والمونتاج والحضور المشهدي لشخوص الفيلم وأماكنه المنتقاة .
استنادا على هذا التبويب فأن العين البشرية ، عين السارد ، تمتلك مقومات قريبة من الملكات التقنية التي تتمتع بها الكاميرا السينمائية كزاوية النظر والتبئير والخزن الذاكراتي وغيرها . مهمة السارد ، هنا ، تقوم على الممازجة ما بين الآليتين
: السينما كاشتغال تقني من جانب وكأشتغال سردي من جانب آخر.
يصف الفيلسوف الظاهراتي الفرنسي ميرلو بونتي السرد بأنه قص حدث أو أحداث أو خبر أو أخبار، سواء أكانت حقيقية أم من ابتكار الخيال. ويتطلب أي سرد راويا يروي الحكاية وقارئا يقرأ كيف تُروى. ويشكل الراوي أداة تقنية يستخدمها الكاتب قناعا يرتديه ليختفي خلفه. هذه التقنية ينبغى ان تتجلى بما يمكن ان يسمى بالرؤية . تعرف الرؤية كخلاصة لمفهوم السرد الشامل ويعرفها المنظّر الامريكي جيرالد برنس بأنها زاوية تعرض وفق منظورها أحداثا ووقائع، وتمثل موقف المؤلف تجاه الحياة والإنسان وتصور بالنتيجة وجهة نظره ورؤيته.
اذن فالسارد يتعامل مع السينما باتجاهين أولهما يتمثل في امتلاكه لبعض مواصفات الكاميرا السينمائية وهو يدون رؤياه السردية كتابيا وثانيهما التواشج مع السينما بحكم اعتمادها المحوري على الكاميرا كآلة تتقن تسجيل المشاهد من تقنيات مركبة اضافة الى صلته بها كمتفرج على عالم سحري باهر ما يلبث ان يتوغل في صميم ذائقته الفنية .
بالنسبة لي كسارد أدبي معني بالنص القصصي بالدرجة الأولى يبدو السؤال عن امتلاكي لعين الكاميرا في كتابتي اقرب الى السذاجة ، لابد للمعلم ان يمتلك قطعة طباشير واسلوبا في التعليم مثلما يتعين على السارد ان يمتلك عين الكاميرا بمعنى ان هذه العين تظل قاصرة أمام التجارب الأدبية الداخلية ( اعني الكامنة في دخيلة النفس البشرية ) فيقوم السارد بتوظيف أدوات اخرى تدوينية كتابية في الغالب كتيار الوعي وأدب الاعتراف الذاتي وغيرهما من أدوات ادبية . باختصار لابد من القول بداهة ان قلم السارد معني برسم خلجات النفس البشرية من حيث الخارج والداخل في حين ان مهمة الكاميرا السينمائية مقامة على تصوير الخارج في الغالب سواء كان ذلك على صعيد المشهد الظاهراتي او السايكولوجي الداخلي .