نحن مثقلون بمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية وطنية لمواجهة البعد الأنساني المغيّبْ اليوم ، بفضل تدني الوعي الطبقي وأشاعة الفئوية والهوياتية التي أرّقتْ تقاطعات وجودنا وتلك منسلخة من موجات الفوضى الغائصة في مستنقع نظريات التفكك والأنقسام والفوضى التدميرية بقيادة البعض من أعداء المسيرة الديمقراطية الجديدة من سماسرة السلطة والدم ، أن أعلان الحرب على الفساد المالي ولو جاء متأخرا و يبقى الحضورأفضل من الغياب ، وأن الفساد المالي والأداري هو سبب كل الأشكالات المتفاقمة على المجتمع وسبب مباشر في فشل المشاريع التنموية وظهور تداعيات الفساد الأداري والمالي ومردوداتها السلبية والأستلابية على عموم المجتمع العراقي ، وبالتأكيد أن هذه الظواهر الأقتصادية المعيبة تؤدي حتماً إلى الفوضى السياسية والتي سببها ذاتوية تدفع الفرد للتقمّص بالنرجسية ، وربما عن حب الظهور وأسقاط الآخرين أو ربما وربما لدعوات أنتخابية فكلها تؤدي إلى غياب الموضوعية ، ولآن الحكومات المتعاقبة على السلطة بعد 2004 ولحد اليوم غير جادة في مكافحة الفساد الأداري ونهب المال العام لذا أصبح ينخر عظم المجتمع العراقي وأنتشرت تلك الظاهرة الطفيلية لترقى أن تكون شبحاً مخيفاً بهيئة مؤسسات يديرها مافيات أحرقت الأخضر فالأخضر ثُمّ اليابس ، وعجز في ميزانية الدولة بمقدار 45 ملياردولار ناهيك عن أرتهان البلد بديون خارجية بسبب الفساد الأداري ونهب المال العام ، مما أضطرّ العراق – وهي الكارثة الكبرى – أن يلتجأ إلى صندوق النقد الدولي في الأستدانة لسد العجز ووقوع العراق ضمن هذا الأختبوط الرأسمالي بدفع الحكومة لنهج فوضوي أرتجالي غير مدروس من الناحية الأقتصادية ، سياسة التقشف منذُ 2016 تنفيذأ لتوصيات صندوق النقد الدولي ، وهو ما جعل السياسات الأقتصادية للعراق خاضعة لمراكز القرار الخارجي ، والذي دفع المواطن فاتورته منذ السنوات الأربعة الأخيرة في نتائج الأصلاحات الأقتصادية العرجاء بتوجيه من الصندوق الدولي أدى إلى تفكيك نظام دعم المنتوج الوطني في الغذاء والنفط ( صندوق المقاصّة ) وأستبدالها بمساعدات مباشرة بها ، ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة وأستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين وغيرها من الأجراءات التي شرعت الحكومة بأتباعها ، وأن الجميع متفق اليوم حول ضعف تدابير سير المالية العامة في بلادنا حيث التردي في الأداء وغياب الشفافية ومواكبة المعلوماتية الرقمية المعصرنة ، وجمود وتخلف في سن القوانين الداعمة لثقافة النهوض والألتحاق بالدول المتقدمة بل تقادم في تطبيق قوانين قديمة ربما ترجع لعهد مجلس قيادة الثورة المنحل ، ولكن مع هذا وهذه أني لستُ سوداوياً في مبادرة مكافحة الفساد صحيح أنها ليست سهلة بيد أنها ليست صعبة فيما أذا تجاوزنا الخطوط الهوياتية والفئوية ووحدنا الخطاب السياسي ووجهنا بوصلتنا حسب ثقافة المواطنة والولاء المطلق لتربة العراق وأستحضار أرواح شهداء أمتنا الذين ضحوا بالجود بالدم من أجل الكلمة الحرة ودفع الظلم والشر عن وطننا العراق
وأن الله أكثر غضاضة وكرهاً لسياسي الرذيلة التي تحكم بأسمهِ وتعهر بأسمهِ وتسرق بأسمهِ وهم قتلة أفاقون أوغاد يجب أدخالهم بمصحات عقلية ، الشعب العراقي لم يعد تحمل كذبهم وزيفهم ونفاقهم بعد أن تأكد من أنّهم يحملون أمراضاً وبائية ماحقة ومدمرة كفايروس الكورونا والأيبولا الأفريقية وحمى مالطة ، الذي هو الوجه الثاني من عملة سرقة المال العام الذي أصبح طقساً يغيبُ فيه الشرف والدين والضمير ولكن المبلل بالرذائل لا يخشى السباحة في مستنقعات الفساد ، وذيول الكلاب لا تستقيم ، وتماسيح برك التأريخ الزائف لا تصان فرائسها ، وهم الفاسدون الذين لن يبنون وطن أبداً بل يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم ، وتبقى الطبقات المعدمة والفقيرة تطحن في ماكنة الساسة المكارثيين الذين سلاحهم التخوين والتسقيط السياسي بدون أدلة على أساس الشبهة وما يقول المخبر السري المجرم الطفيلي ، ويبقى المتظاهرون صامدون بشعارهم الثوري النبيل ” نازل آخذ حقي ” بربي أنّهم شموخ فوق زخات الوجع .
في زمن الجدب هذا لم يكن الرحم العراقي عقيما أذ يذكرنا التأريخ برجال دولة لا رجال سلطة شرفاء أنقياء بولائهم الوطني ، من مآثر الحكم الملكي وزير المالية اليهودي” ساسون حسقيل ” الأسطوري أول وزير مالية للعراق في العصر الحديث فوضته الحكومة العراقية آن ذاك في سنة 1923 لمفاوضة البريطانيين حول أمتياز شركة النفط العراقية التركية ، ثبت بأن يكون الدفع من واردات النفط بالباون الأسترليني الذهب بدلا من العملة الورقية ، مما أفاد الميزانية العراقية وتقويتها .
حينما يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سببان : فأما النظام لصٌ كبير أو الشعب غبي أكبر وجسد مصاب بالشيخوخة والتكلس الحزبي /لي كوان يو .
ويذكر عنهُ أنه وضع لافتة على مكتبه في الوزارة الشعار التالي ” المال السائب عرضة للسرقة ”
رؤى وطنية في أيقاف نزيف الفساد المدمر!؟ المواطن هو مصدر المال العام (لكونه المشمول بالأقتطاع الضريبي ) فهو يعتبر محور التنمية ومحرك التأريخ ، فيجب الأرتباط بهِ وحمايتهِ والعمل على خدمته وتوفير العيش الكريم لهُ ، أنطلاقاً من هذهِ الديباجة القصيرة المعبرة نطرح بعض هذه الآراء:
-أصلاح المالية العامة اليوم في وطننا العراق ننظر أليها ضمن سياقات تأريخية وسياسية وأجتماعية في عهدها الديمقراطي الجديد ، فنكون ملزمين في أستثمار الجو الديمقرطي وحرياته في رسم هوية عراقية تشخصن تأريخها وقيمها السماوية والوضعية فتكون المحصّلة رسم هوية تحكمها فلسفة جديدة نسيجها العقلانية والتحديث الهادف والموضوعي ، فالأنتفاضات والثورات غالباً ما كانت تحصل بسبب ضعف أو سوء تدبير مالية الدولة والجماعات في ظل أنعدام الشفافية في صرف النفقات ، وضعف العدالة في فرض التكاليف وشيوع الفساد والفئوية والكتلوية ونظم الأمتيازات الغير مسبوقة في العراق ؟؟
– السيطرة على موارد المنافذ الحدودية والمطارات ، أذ أن الدولة لا تحصل من مواردها 20% وهي كارثة مرعبة غير موجودة حتى في الدول المتخلفة ، والذي أثلج قلوبنا مبادرة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بوضع يد الحكومة على بعض المنافذ الحدودية منها منفذ شلامجا مع الجارة أيران ومنافذ محافظة البصرة وتسليمها الى الجيش العراقي كمسك للأرض .
– على مجلس النواب أن يكون لهُ دور ريادي في تشريع القوانين كقانون الكسب الغير مشروع ، وقانون كشف الذمّة للمسؤولين أبندءاً من السلطات الثلاثة وإلى جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية ويكون القانون تأديبيا صارماً كالنموذج الأردني/
للأطلاع فقط : يعاقب القانون بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من حصل على ثراء غير مشروع لنفسهِ أو لغيره وبغرامة تعادل مقدار ذلك الأثراء ، ورد مثلهُ إلى خزينة الدولة ، ويعاقب القانون الأردني بالحبس أو بالغرامة أو بكلتا هاتين العقوبتين أي شخص شملتهُ أحكام القانون أذا تخلف دون عذر مشروع عن تقديم أقرارات ( الذمّة ) المالية رغم تكليفهِ لذلك ، كما يعاقب بالحبس مدة ستة أشهر ألى ثلاث سنوات كل من قام بأي فعل من الأفعال التالية او قدم عمداً بيانات كاذبة عن الأثراء الغير مشروع .
– سماع رأي الحراك المدني الشعبي في الشارع العراقي المتمثل بمتظاهري تشرين 2019 بأصوات عالية مستمرة معبرين عن رفضهم بأحتجاجات مليونية بشعارات سلمية تدعو ألى أستمرار النضال ضد الفساد الأداري ونهب المال العام والأفلات من العقاب ، وتفعيل المساءلة في حق المتورطين وفتح التحقيق الفوري ولا ضير أن تدوّلْ وتكون بأشراف الأمم المتحدة في العراق وفي كل وزارة على حده
– محاربة الفساد تبدأ بأنهاء المحاصصة ، أنشاء محكمة خاصة على غرار المحكمة الخاصة في محاكمة نظام البعث ، بديلة عن الهيئات القضائية ، وعدم ألغاء مكاتب المفتشين العموميين ، وتقديم ملفات الكسب الغير مشروع والكشف عن الفارين وأحالتهم ألى القضاء ، نشر ثقافة النزاهة والقيم الخلقية النبيلة بين أطياف الشعب ، والتعاون مع الشرطة الدولية ( الأنتربول ) لتعريفه على المدانين في كشف ملفات الفساد ، ضمان حيادية التحقيقات وعدم تأثرها بالصراع السياسي ، والحذر من الثالوث الوبائي القاتل المحاصصي والطائفي والقومي ) وأن الفساد والأرهاب وجهان لعملة واحدة ( مقتبسات من جريدة الطريق / الشيوعي العراقي ) .
– التشديد على المتهم عند أدانته ، ونتساءل : أية عدالة عندما نسمع عقوبة الجنايات العراقية تحكم بسنة واحدة لسارق مليار دولار ؟!! أو وقف التنفيذ لكبر سنه أو كونه موظف حكومي مستمر بالخدمة وعدم مصادرة أمواله المنقولة والغير منقولة لرد أموال الدولة منهُ على الأقل ، الأغلبية الساحقة من المجتمع العراقي يطلب الحل الجذري في مكافحة الفساد والجريمة الأقتصادية والمتمثلة بالحراك الجماهيري المدني الشعبي كما ذكرتُ سلفاً ، كان من المفروض بحكومة الدكتور العبادي أعتماد خطة عمل وخارطة طريق وحصرها بخلية أزمة كما متبع في مكافحة الأرهاب مستندة على ركائز قانونية ودستورية وبمشاركة لمنظمة حقوق الأنسان في العراق بالوقوف ضد الخونة والفاسدين وبائعي الوطن والضمير في تطبيق فقرة الدستور التي تخص أزدواجية الجنسية عند أصحاب القرار ، وأصدار قائمة منع سفر بالمتهمين بسرقة المال العام أو هدره ومرتكبي الجرائم الأقتصادية المضرّة بالبلد والشعب.
– وأثني على مبادرة الحكومة في تكليف المدعي العام العراقي اليوم بخبر عاجل { تشكيل لجان وهيئات قضائية لمتابعة الفساد في العراق } ، وتفعيل دور الهيئات المستقلة ( لجان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمفتشين العموميين ) وهم أمام أمتحان وطني مجتمعي في إذكاء الوعي الوطني في ثقافة النزاهة إضافة ألى عملها الرقابي الذي ليس من الضروري أن يكون بوليسياً بل تربوياً ووطنياً وذلك لمنع الفساد ومحاربته ولآذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابهُ وجسامتهُ وما يمثل من خطر بالقيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد ، وكذلك نشر وعي مدرسي لتشمل المناهج المدرسية والجامعية ، وأخيراً أنها رسالة إلى فخامة رئيس الوزراء أنها فرصتك الذهبية أمامك في مكافحة الأرهاب لأن المرجعية الدينية معاك و حشود تظاهرات تشرين معك لاستئصال الفساد في العراق والصوت العالمي للمواثيق الأممية في تكريس السلام والأمان والعيش الرغيد لبني البشر—- ولنكمل انتصارات جيشنا وشعبنا على الأرهاب تلك الفئة الضالة ونبني عراقاً آمناً محايداً بعيدا عن ظهور بؤر المحاور والله من وراء القصد